عاد المغرب ليحتل مرتبة غير مشرفة في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم، إذ جاء في المركز 121 عالميا، والأخير في محيطه الإقليمي، متقدما فقط على موريتانيا، ومتأخرا بأكثر من مئة مرتبة عن إسبانيا الجار الشمالي، وأربعين مرتبة عن الجزائر الجار الشرقي. وهذا يجر إلى تساؤلات أليمة، لماذا لا يتقدم المغرب في التنمية البشرية؟
منذ عشرين سنة تقريبا، والمغرب لا يبارح مكانه في المراكز العشرين بعد المئة، ونادرا ما نزل تحتها قليلا. وتقدمت عليه في التنمية دول تعيش حروبا أهلية مثل، ليبيا وسوريا، وسبقته دول بعشرات المراكز وهي التي كانت تعيش تخلفا حقيقيا، مثل بعض دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها بوليفيا. وأصبح المواطن المغربي يعتقد أن قدر البلاد والعباد في المغرب هو الاستمرار في التخلف والعيش في أوضاع صعبة.
لقد كان المغاربة يتساءلون بحسرة عن سبب تخلف المغرب، وكانوا يخوضون في جدل بين المفيد والعقيم، وكان طرف يصنف هذه التقارير بالعدوة التي تمس الملكية ووحدة البلاد، وشنت الصحافة على كل صوت معارض حملة دنيئة، وانخرطت الحكومة في هذه الانتقادات. وطرف آخر يطالب بضرورة الأخذ بعين الاعتبار مضمون هذه التقارير وتوصياتها، وتصحيح الأخطاء، نافيا عن الأمم المتحدة دخولها في لعبة المعارضة، بل محاولة مساعدة المغرب للاتجاه نحو الطريق الصحيح. ومع مرور الوقت، أدرك المغاربة مصداقية التقارير، ولم يعد للملكيين أكثر من الملك من حجة، بعدما اعترف الملك محمد السادس بنفسه بفشل النموذج التنموي، وفشل توزيع الثروة، وتفاقم الشرخ بين الطبقات بشكل مرعب، محذّرا من أنه لم يعد هناك هامش للخطأ. صدر هذا عن الملك بعدما كان نفسه قد قال في تصريح مثير «اللهم كثّر حسادنا».
وأمام الواقع المزري، لم يعد ممكنا استعمال الماكياج في تغطية الواقع المغربي، ولم تعد تنفع برامج مثل: فوتوشوب لتقديم صورة مختلفة عن المغرب. فقد انهارت مختلف القطاعات من صحة وتعليم وشغل، وأصبح المواطن المغربي يتساءل وأحيانا بعنف لفظي غير مسبوق السلطات، بما فيها الملك نفسه، كما حدث مع أغنية عاش الشعب، وأشرطة ناشطي التواصل الاجتماعي مثل اليوتوب كحالتي «مول الكاسكيطة» و»مول الحانوت»، عن هذا التردي غير المسبوق في البلاد خلال العقود الأخيرة. ولعل من أبرز عناوين مآسي المغرب، ومنها سنة 2019 هو غرق قرابة 260 شابا مغربيا خلال مغامرة العبور نحو الضفة الإسبانية، بحثا عن مستقبل أفضل. ولا يقتصر ضحايا غياب التنمية والتخلف على قوارب الهجرة، بل تمتد إلى الأحياء من معتقلي الريف الذين طالبوا بحقهم في التنمية وخيرات البلاد.
أخطأت الدولة، وخاصة الملكية ومحيطها، وكذلك الحكومات المتتالية الطريق الصحيح نحو التنمية، فاعتبرت واختصرت التنمية في القطار السريع، وأطول بناية في افريقيا، وأول جسر معلق في القارة الافريقية، وأهم مهرجان غنائي «موازين» في القارة الافريقية، وفي مظاهر أخرى تعد من الرفاهيات الإضافية للكثير من الدول الأخرى، بعدما تكون قد ضمنت هذه الدول لمواطنيها العيش الكريم. وتصور الدولة المغربية خاطئ وفضفاض، لأن الأمم لا تتقدم بالمنافسة في البنيان، بل تتقدم بمدى تجذّر المعرفة في صفوف شعوبها، فالمعرفة هي الجسر نحو تشييد الصحة والتعليم والشغل والرفاهية.
ومما فاقم الخطيئة هو التسامح مع الفساد الذي نخر البلاد، وأتى على ممتلكات الشعب المغربي، في ظل موقف غريب من طرف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية، التي لا تحرك ساكنا بشأن متابعة الفاسدين، لاسيما في الخارج. ويبقى أكثر من مواطن مدهوشا أمام الثنائية الغريبة: الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، تحظى باعتراف الدول في محاربة الإرهاب، لكنها لا تحظى باعتراف الشعب في محاربة الفساد. والآن وبعدما وقفت الدولة على منهجها الخاطئ، تحاول من خلال تعيين لجنة خاصة بالتنمية البحث عن نموذج تنموي ينقذ القطاعات الاستراتيجية من الانهيار، ويحاول إعادة التنمية الى نموها. لكن كالعادة، تصور الدولة يبقى محدودا، فقد كانت أصوات كثيرة خلال الماضي، تحذّر من الوضع الذي قد نصل إليه، وها هي الدولة تعين في اللجنة أعضاء من الذين كانوا يستعملون الفوتوشوب لتزيين الواقع وتقصي الآخرين.
الدولة المغربية تبقى قاصرة عن فهم التنمية، والمصلحة العليا للأمة المغربية، فهي تتصرف بمنطق الدولة التي تمثل جزءا من الساكنة دون الباقي، وتتصرف مثل حزب سياسي، وتنسى أنها تمثل المصالح العليا للشعب المغربي، إذ أن الأمة تتجاوز الملكية والحكومة وباقي الهيئات، فهي كيان شامل لكل الحساسيات السياسية والإثنية والدينية، لكن هذا لا تؤمن به الدولة المغربية في الوقت الراهن بل تؤمن بالعكس.
يحز في نفس كل مغربي غيور على وطنه، ليس تلك الغيرة الرخيصة، بل الحقيقية التي لا تقبل الزيف والمهادنة مع الواقع المر، وهو يرى المركز غير المشرف الذي يحتله المغرب في سلم التنمية البشرية. والواقع أن هذه المرتبة غير المشرفة تحتلها الدولة المغربية بسبب سوء التسيير وعدم محاربة الفساد، ولا يحتلها الشعب المغربي نهائيا. المغرب هو الدولة والشعب، وتصرفات الأولى ليس بالضرورة تعكس مصالح الثاني أي الشعب. المرتبة 121 هي مرتبة الدولة المغربية.