ثارت حفيظة المغرب لعدة مرات ضد طريقة عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء كريستوفر روس، إذ سحب منه الثقة سنة 2012 بسبب عدم التزامه بالحياد، ثم علق التعامل معه سنة 2014، حتى توصله بجواب كتابي من الأمين العام يحدد فيه طبيعة مهمة المبعوث الشخصي، وفي كلا المرتين يجرى اتصال بين الملك وبان كي مون، يبدد فيه الأخير المخاوف ويقدم الضمانات للمغرب.
إلا أن تصريح وزير الخارجية المغربية صلاح الدين مزوار لوكالة إيفي يوم 7 نوفمبر الجاري بحصر وتقييد تنقلات كريستوفر روس إلى مدن الصحراء، ورد الناطق الرسمي للأمين العام ستيفان دو جاريك برفض الموقف المغربي، واحتمال قيام توتر شديد بين المغرب والأمم المتحدة، واشتعال الإحاطة المؤجلة لمجلس الأمن بخصوص تقييم عمل كريستوفر نصف السنوي، جعلني أخوض واستبق الأمر بهذه المرافعة القانونية.
أولا: فحوى وثيقة تعيين كريستوفر روس مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة:
بتاريخ 6 يناير 2009 وجه الأمين العام للأمم، بان كي مون، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، يشعره بعزمه تعيين كريستوفر روس، وهو دبلوماسي أمريكي مبعوثا شخصيا له معنيا بالصحراء ؛ وحدد في رسالة نفسها حدود مهامه في العمل مع الطرفين، والدول المجاورة، استنادا واحتراما للقرار عدد 1813 وتاريخ 2008، وإلى باقي قرارات مجلس الأمن السابقة.
كما أن الأمين العام نقل إلى مجلس الأمن التزام مبعوثه الشخصي الجديد، كريستوفر روس، بالتقدم الذي أحرزه مجلس الأمن حتى تاريخ الرسالة في 6 يناير 2009، وأنه رسم لمبعوثه الخاص الأهداف السامية من قراره بتعيينه، في التوصل إلى حل سياسي دائم وعادل ومقبول لدى الطرفين.
ثانيا: الإطار القانوني لتعيين كريستوفر روس مبعوثا خاصا للأمين العام
وبالرجوع إلى الإطار القانوني الذي استند عليه بان كي مون في رسالة العزم على التعيين، الموجهة إلى رئيس مجلس الأمن، وهو القرار عدد 1813 وتاريخ 2008، والذي اعتمده مجلس الأمن في الجلسة 5884، المنعقدة في 30 أبريل 2007، فهو يؤكد على التزام مجلس الأمن بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي، ويدعو الطرفين ودول المنطقة إلى التعاون مع الأمم المتحدة، ومع بعضها البعض لوضع حد للمأزق الراهن، وبإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي.
وللإشارة، فإن القرار عدد 1813/2008، سند رسالة التعيين، يثني ويشيد بالمقترح المغربي بالحكم الذاتي، المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، ويرحب بالجهود المغربية، ويصفها بالمتسمة بالجدية والمصداقية، والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية؛ وفي الوقت ذاته يؤكد على دعم الجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتنفيذ القرارين 1745/2007 و1783/2007. ولا يختلف القراران الأخيران عن القرار 1813/2007 في شيء، في صياغتهما ومعانيها، ويتضمنان الإشادة نفسها بالمقترح المغربي، ولا يختلفان سوى في ضرورة إجراء تغيير مراجع الترقيم والتضمينات وتواريخ المصادقة عليهما.
ثالثا: تحديد موضوع الإشكالية؟
وإذا كانت طبيعة عمل المبعوث الحالي، تحد في أن يتعامل وفقا لما هو وارد في رسالة التعيين، وهدفها المساعدة للوصول إلى حل سياسي، والإطار القانوني لمهمته هو القرار 1813/2008، الذي يحيل على القرارين 1745/2007 و1783/2007؛ فإنه من الأجدى الغوص في ثنايا باقي قرارات مجلس الأمن السابقة وسبرها لإظهار ماهية اختصاصات المبعوثين الشخصيين للأمين العام عند ظهورها أول مرة، وكيف كانوا يديرون هذه المهمة، لتوصيف الموقف المغربي الحالي في عزمه إجراء تقييد وحصر لحرية تنقلات كريستوفر روس إلى مدن الصحراء، وفي الوقت نفسه لتقييم رد الناطق باسم الأمين العام ستيفان دو جاريك برفض ذلك التقييد، وأهلية روس في التنقل أنى ومتى وإلى أين يشاء.
رابعا: الممثل الخاص للأمين العام يتولى المهمة قبل ظهور صفة المبعوث الشخصي.
كان الممثل الخاص للأمين العم للأمم المتحدة، وهو رئيس بعثة المينورسو، يتولى المهمة وتسند إليه المهام الحالية للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وطبيعة أعماله تتوزع في: عملية التعامل والسعي والمشاركة والاتصال والمناقشة والمتابعة مع الأطراف، إذ كان يتولى ويواصل مناقشة الطرفين في أوجه العملية، والمشمولة بحل المشاكل، وهي كلها مهام واختصاصات تضمنتها القرارات السابقة للأمين العام للأمم المتحدة، نشير إلى البعض منها: القرار عدد 404/1998 والقرار 534/1998 وتقرير 316/1998 والقرار رقم 849/1998 35/1992، ولم نعثر على أي اختصاص يخرج عن دائرة المشار إليه.
خامسا: الأمين العام كوفي عنان صاحب المهمة والأمريكي جيمس بيكر أول من يتبوؤها!
يعتبر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة تشارلز ف دونبار، الذي صادفت ولايته عهد حكومة التناوب الاشتراكية برئاسة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، آخر ممثل خاص تولى مساعدة للأمين العام في المهام الحالية المكلف بها مبعوثه الشخصي، قبل ظهور هذا الوجه والصفة الجديدة بتاريخ 17 مارس 1997، إذ أسندها الأمين العام السابق كوفي عنان إلى الأمريكي جيمس بيكر، وبدأ عمله الفعلي في 23 أبريل من السنة نفسها، وقام بجولة في المنطقة، والتقى المسؤولين المغاربة، والتقى قادة البوليساريو بالرابوني، ومسؤولي الجزائر بالجزائر، والمسؤولين الموريتانيين بنواكشوط، وأشرف على المفاوضات في لندن، وفي عهده تم التوقيع على اتفاق هيوستن.
سادسا: مهام المبعوث الشخصي في الدراسة والتقييم والتعديل بشرط التشاور وقبول الطرفين.
ولتحديد مهام المبعوث الشخصي للأمين العام، وفي غياب قرار واضح يرفع اللبس والغموض، فإن القاعدة القانونية تقول “من لا يملك الحق والاختصاص لا يؤول له تفويضه للغير”، فالأمين العام نفسه غير مؤهل للتدخل في سيادة دولة المغرب، وليست من مسؤوليات الأمم المتحدة. وذلك ما يبدو في استقراء تقارير الأمين العام بعد ظهور المبعوث الشخصي للأمين العام، منها التقرير عدد 1198/ بتاريخ 18 شتنبر 1998، في الجلسة 3928، فقد جاء في الفقرة 23: “…يرحب مجلس الأمن بإشراك المبعوث الخاص للأمين العام مع الطرفين في السعي إلى حل القضايا التي تتصل بتنفيذ خطة التسوية…”، وفي القرار 849 وتاريخ 1998 ورد في فقرة أن “… مبعوثه الشخصي يتابع اتصالاته مع الأطراف لكي يتمكن من تقييم تنفيذ …أو إدخال تعديلات عليها…” ، أما القرار 643/1998 فقد ورد في فقرته 29: “…كلمة السعي مع الطرفين…”، وفي القرار 131/2000 تضمنت الفقرة 29 منه طلب الأمين العام منه “…إجراء تقييم حديث للحالة بالتشاور… أو دراسة ما إذا كانت هنالك تعديلات مقبولة لدى الطرفين”.
سابعا: المغرب يطالب الأمين العام بتحديد مهمة المبعوث الشخصي كتابة!
في سنة 2012 سحب المغرب ثقته من كريستوفر روس بسبب ادعاء عدم الحياد، وهو ما أدى إلى توقف عملية التفاوض لمدة أربعة أشهر، وبعد عودة التعامل معه قام المبعوث الشخصي كريستوفر روس بأول زيارة له للصحراء، وذلك في شهر نونبر 2012، وفي سنة 2013 قام بزيارتين، وفي سنة 2014 أعرب المغرب عن تحفظات قوية بشأن مضمون تقارير الأمين العام وإزاء مظاهر عملية التفاوض وولاية البعثة وحدود مهمة المبعوث الشخصي، وطالب بتوضيحات كتابية من أجل ضمان وكفالة عملية التفاوض بمرونة وسلاسة، وعلق تعامله مع موظفي ومسؤولي الأمم المتحدة إلا بعد تلقيه توضيحات كتابية، ولم يتمكن روس من زيارة المغرب، كما لم تتمكن الممثلة الخاصة ورئيسة بعثة المينورسو من تسلم مهامها إلا بعد تلقي المغرب ضمانا من الأمين العام بان كي؛ لكنه يبدو ضمانا زائفا.
ثامنا: روس والغايات الثلاث: المس بسيادة المغرب والترويج لانفصاليي الداخل والقفز على مبادرة المغرب!؟
لم يصمد المغرب طويلا في سحب الثقة، إذ سرعان ما رجع للتعامل معه، وفسر روس ذلك الاستئناف ضعفا من المغرب، فحاول فرض واقع غير موجود، بقيامه بزيارات للصحراء بداعي لقاء أطراف وهيآت أخرى. هذه المنهجية وإن تسمح له بلقاء أطراف أخرى خارج دائرة الأطراف الرسمية، فإن الإجراء لا يسمح له بحرية التنقل داخل الإقليم المغربي دون موافقة وترخيص من السلطات المغربية، التي يرجع لها وبموافقتها وقبولها، تحديد مكان وزمان الاجتماع، لأن الإقليم تحت سيادة المغرب، وليس تحت مسؤولية وإدارة الأمم المتحدة.
عاشرا: الأهداف التي يؤسس لها كريستوفر روس من تنقلاته إلى إقليم الصحراء؟
وعلى ما يبدو فإن كريستوفر روس يتعمد تلك التنقلات لخلق سوابق يؤسس بها إلى انطباع دولي يشكك في سيادة المغرب، خلافا للواقع. كما يرنو إلى صنع حجة خدعة ومكرا بوجود طرف ثالث، نشيط في جهة الصحراء، يدعو إلى الاستقلال والانفصال عن المغرب. وليس من الصدفة تزامن الاحتجاجات بتنقله إلى الإقليم، وغرض روس من كل ذلك هو التراجع عن التقدم الذي أحرزه مجلس الأمن، في كون المطلوب حلا سياسيا، ومحاولته وأد مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، والتغطية على سابق طبع مجلس الأمن لها الجدية والمصداقية والواقعية؛ وهو توجه تؤيده حتى تصريحات بان كي مون قبيل عيد المسيرة بيوم واحد، عندما صرح بأن “… مقترحات2007 المقدمة من طرف المغرب والبوليساريو لم تفتح الطريق أمام المفاوضات الحقيقية، التي دعا إليها مرارا مع مجلس الأمن…”.
هل هذا هو ما تفطن إليه المغرب وأدركه. وصرح مزوار لوكالة “إيفي” باتخاذ المغرب قرار منع روس من زيارة مدن الصحراء، لأن المسؤولين المغاربة يتواجدون في العاصمة بالرباط وليس في مدن مثل العيون.
فهل يصمد المغرب أم يتنازل من جديد؟ خاصة بعد رد الناطق باسم الأمين العام ستيفان دو جاريك بأن كريستوفر روس يملك انتدابا من الأمم المتحدة وبإمكانه زيارة أي منطقة، بما فيها الصحراء المتنازع عليها.
هي بوادر لتوتر مقبل بين المغرب والمنظمة الأممية. موقف المغرب بحصر مكان زيارات روس مرجح على موقف الناطق باسم الأمين العام ستيفان دو جاريك، وفقا لسابق ما دأب عليه سابقوه في التكليف، وسند التفويض الذي تذرع به ستيفان دو جاريك، ولو تعمد عدم تحديده، فهو رسالة الأمين العام بان كي مون إلى مجلس الأمن بتاريخ 9 يناير 2009، بتعيين كريستوفر روس، وهو حجة للمغرب وليس ضده.
وذلك لأن رسالة التعيين تتحدث عن الالتزام بالتقدم الذي أحرزه مجلس الأمن؛ وهو في البحث عن حل سياسي متوافق عليه، ومقبول من الطرفين. والتقدم الثاني هو التقدير الأممي بالمبادرة المغربية بالحكم الذاتي؛ وهو ما أشار إليه الأمين العام بان كي مون، مصدر رسالة التفويض، في ذكره للإطار القانوني الذي اعتمده واستند عليه في كتاب الرغبة في التعيين، وهو القرار1813/ 2007، وهذا القرار يحيل بدوره على القرارين عددي 1845/2007 و1783/2007.
الخلاصات؛ تصريح المغرب ينسجم وقرارات مجلس الأمن.
هكذا، فإن الموقف المغربي الحالي بتحديد مكان الاجتماعات مع روس وحصره في الرباط وتقييده تنقلاته إلى مدن الصحراء ينسجم مع قرارات مجلس الأمن السابقة، وتقارير الأمناء العامين السابقين للأمم المتحدة، التي تبين مهامه وكيفية تصريفها؛ وهو ما يفسر إحجام الأمين العام للأمم المتحدة عن الرد كتابة على الطلب المغربي بتحديد طبيعة مهام مبعوثه الشخصي في يونيو 2014، رغم إلحاح المغرب على ذلك.
أملي أن يستمر المغرب في سياسة الحزم ودبلوماسية الصرامة، فالجبهة الداخلية متماسكة، والقانون في حلفه، والتاريخ يؤيده والوضع الإقليمي والدولي لصالحه.
محامي بمكناس
وخبير في القانون الدولي، الهجرة وشؤون الصحراء.