بدأت اليونان تشكل الحلقة الثانية في الحرب الباردة بين روسيا والغرب بعد الحلقة الأولى التي اندلعت حول أوكرانيا. وتعلن روسيا استعدادها لمساعدة أثنيا في الأزمة المالية التي تعاني منها، وبينما يضغط الاتحاد الأوروبي على اليونان لالتزاماتها المالية، تحذر واشنطن من انزلاق هذا البلد نحو موسكو.
وبدأت قروض اليونان تكتسي أهمية استراتيجية سواء على المستوى المالي أو السياسي. وعلاقة بالمالي، ترفض حكومة أثينا الجديدة برئاسة أليكسيس تسيبراس زعيم الحزب اليساري سيريزا من التعهد بتأدية القروض في موعدها المحدد وكذلك الحصول على قروض جديدة بشروط مجحفة. وستتخذ مواقف متصلبة في اجتماعات اليوم الاثنين مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسيل.
وبدأت اليونان التي تصل ديونها الى قرابة 300 مليار يورو، وهو ما يشكل 185% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد، تبلور مفاهيم جديدة حول القروض. وصدرت دراسة لباحثين اقتصاديين مقربين من الحكومة تعتبر الشروط المرافقة لقروض الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تمس حقوق الإنسان بشكل خطير، بحكم أن التجربة أبانت أن المتضرر الرئيسي من سياسة التقشف هي الفئات الفقيرة.
في الوقت ذاته، تطالب اليونان بربط تأدية القروض بالنمو الاقتصادي، إذ لا يمكنها تأدية القروض في وقت لا تحقق نموا اقتصاديا مما سيؤدي الى مزيد من انهيار اقتصادها ومعاناة شعبها. والمثير أن قروض اليونان مرحشة للارتفاع خلال نهاية السنة الجارية لتصل الى 215% من الناتج الإجمالي الخام.
وتحولت قروض اليونان الى ملف استراتيجي في العلاقات الدولية بل وتتحول الى الحلقة الثانية من الحرب الباردة التي اندلعت بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا منذ سنة ونصف. في هذا الصدد، لم يتردد رئيس حكومة اليونان أليكسيس تسيبراس في زيارة روسيا منذ أيام قليلة والتوقيع على اتفاقية تعاون منها أنبوب الغاز. وهي الزيارة الثانية له بعد الأولى خلال مايو الماضي. وفي الوقت ذاته، يتزامن هذا واستعداد روسيا مساعدة اليونان اقتصاديا في أزمتها المالية.
وتجري هذه التطورات في وقت تؤكد اليونان استعدادها مغادرة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” إذا استمرت الشروط التي تعتبرها مجحفة، وتتهم باقي الشركاء بالتخلي عنها. وأصبحت بعض أصوات اليونانيين تطالب بمغادرة الاتحاد الأوروبي بل وحتى الحلف الأطلسي.
وحذّرت جريدة لوموند الفرنسية في افتتاحيتها في نهاية الأسبوع من الانعكاسات الخطيرة في حالة انسحاب اليونان من العملة الموحدة. ومنها صعوبة إقناع بعض الأوروبيين بالعملة الموحدة، والإحساس بتخلي الاتحاد الأوروبي عن عضو من أعضاء هذا التكتل.
وينظر البيت البيض بقلق الى الأزمة اليونانية، ويطالب الأوروبيين بتفهم أكبر لمطالب هذا البلد. وشدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على اليونان في قمة السبع الكبار في المانيا مؤخرا. ويرى البيت الأبيض أن اقتراب اليونان من روسيا سينتج عنه لاحقا اقترابها من الصين، خاصة وأن هذه الأخيرة تمتلك احتياطات مالية ضخمة قاردة على مساعدة اليونان في الوقت الراهن وبشروط لينة للغاية مقارنة مع شروط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
وما يقلق الأمريكيين هو وجود حزب سياسي يساري راديكالي من طينة سيريزا قادر على اتخاذ إجراءات جذرية للأسباب التالية: تماشيا مع إديولوجيته، وثانيا كرد انتقامي من الغرب لتهميشه اليونان في وقت الأزمة، وأخيرا، التغيرات المفاجئة في السياسة الدولية خلال السنوات الأخيرة تجعل كل شيء ممكن.
ونظرا للطابع الاستراتيجي الذي تتخذه الأزمة اليونانية واهتمام روسيا بها، فهي قد بدأت تتحول الى حلقة جديدة من الحرب الباردة بين موسكو والغرب بعد الحلقة الأولى وهي أوكارنيا، رغم اختلاف السياقات السياسية.