قررت وزارتا العدل والداخلية المغربيتين سحب تداول بطاقات كان يستعملها أصحابها للتدليل على أنهم من سلالة “نسب شريف”، أي أن أصولهم تنحدر من نسل النبي محمد، وذلك لتمييز أنفسهم عن باقي المواطنين من السلالات ذات “النسب غير الشريفة”!
أصحاب هذه البطاقات الخاصة يدعون أنهم ينتمون إلى سلالات شربفة، وغالبا ما يستعملون تلك البطاقات للاحتيال على باقي المواطنين، وأحيانا لقضاء مآرب خاصة لهم بدون احترام القانون أو بالتحايل عليه، لأنهم من نسب شريف لا يجب أن يسري عليهم ما يسري على باقي البشر!
ومقابل هذه الخطوة التي تسير في اتجاه بناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون أمام القانون، رفضت وزارة الداخلية المقترح الذي تقدم به برلمانيون يدعو إلى إلغاء بعض الألقاب التي تسبق بعض الأسماء، والتي يفاد منها أن أصحابها ينتمون إلى “نسب شريف”، وهما لقب “مولاي” بالنسبة للرجال، وهو لقب مشتق من كلمة “مولاي” العربية التي كانت تميز السيد عن العبد، أو النبيل أو الحاكم صاحب السلطة عن الإنسان العادي في الثقافة العربية، وهي ثقافة ذكورية بامتياز تحتفي بالذكور أكثر ما تعتني بالنساء. وكلمة “لالة” التي تستعمل بالنسبة للأسماء المؤنثة، وهي كلمة أمازيغية لتقدير وتبجيل المرأة التي كانت دائما محل تقدير واعتبار في الثقافة الأمازيغية. ورغم أن وزارة الداخلية لم تبرر سبب اعتراضها على إلغاء تقييد مثل هذه الألقاب التمييزية في الأوراق الثبوتية لأصحابها، إلا أن استعمال نفس الألقاب بشكل رسمي للإشارة إلى أسماء الأمراء والأميرات من أفراد الأسرة الملكية في المغرب يفسر اعتراض وزارة الداخلية الذي يتناقض مع موقفها من سحب بطاقات “النسب الشريف”.
وقبل قرارات وزارة الداخلية المتناقضة مع نفسها، سبق للمثقف المغربي أحمد عصيد أن انتقد خرافة النسب الشريف لإدريس الأول، أول ملك من أصول عربية جاء من الشرق ليحكم بلاد الأمازيغ، وهو ما أثار ضد هذا المثقف الأمازيغي الجريء موجة من الانتقادات من طرف محافظين وإسلاميين وانتهازيين وصلت إلى قبة البرلمان.
فالنسب الشريف كان جزء من الثقافة التقليدية المغربية للتفاخر بين الناس، وهي ثقافة ارتبطت بالأنظمة الإقطاعية وانتشرت داخل المجتمعات الريعية. وهذه الثقافة في عمقها عنصرية تنطلق من اعتبار أن الانتماء الإثني هو أكثر اعتبارا من كل الاعتبارات الأخرى. إنه نفس مبدأ “الصفاء العرقي” الذي قامت عليه النازية وباسمه ارتكبت جرائم “التطهير العرقي”.
فقضية “النسب الشريف” في عصر اليوم تبقى مجرد خرافة لأنه يستحيل أن يثبت المرء اليوم سواء تعلق الأمر بامرأة أو رجل انتمائه البيولوجي إلى سلالة تعود إلى عشرات القرون. وحتى في حالات الإثبات وهي نادرة ومشكوك فيها علميا، فإن هذه الثقافة تتعارض مع مبادئ دولة القانون التي يجب أن يكون فيها المواطنون سواسية لا فرق بينهم إلا باحترامهم للقانون وليس بسبب خرافة الأنساب الشريفة التي غالبا ما يستعملها أصحابها للنصب والاحتيال.
مشكل استعمال هذه الألقاب والأنساب “الشريفة” يكبر عند بعض الأسر الحاكمة ليتحول إلى شرعيات تعطي لأصحابها الحق في حكم الناس باسم انتماء بيولوجي أو إرث عرقي وهو منطق يتعارض مع العهود والمواثيق الدولية المؤسسة للعدل والمساواة بين بني البشر.
حتمية التاريخ وتتطور الفكر الحقوقي الإنساني يقودان البشرية نحو التخلص من هذه الأشكال التمييزية والعنصرية أحيانا والتسلطية أحيانا أخرى باسم الوراثة البيولوجية لاكتساب شرعيات دينية أو قبلية تعود إلى القرون الغابرة من تاريخ البشرية تجاوزته الشعوب المتحضرة