تعتبر 2019 سنة الاختلاف الكبير والتباعد بين أكبر قطبي للكتلة الغربية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، حيث امتدت الاختلافات الى مجمل القطاعات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية.
وتعددت المواجهة بين الطرفين بشكل لم يسبق له مثيل بل وتضاعفت عن سنتي 2017 و2018 من رئاسة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض. ولم يعد الأمر يقتصر على اختلافات بسيطة بل جوهرية وخاصة القضايا جيوسياسية.
وتضاعف الاختلاف حول إيران بسبب التهديد الأمريكي بالحرب، وهو ما رفضته الدول الأوروبية خاصة فرنسا وألمانيا وامتناعهما تكرار تجربة غزو بريطانيا والولايات المتحدة للعراق بون سند قانوني. وفي الوقت ذاته، كان الاختلاف نظرا للفاتورة التي سيتحملها الأوروبيون وخاصة في مجال الطاقة إذا ما وقعت الحرب بعدما ضمنت واشنطن الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز. وهطا ما جعل قادة أوروبا يتحفظون ثم يرفضون المشاركة في مراقبة الخليج عسكريا، وهو ما رحبت به افتتاحيات كبريات الصحف مثل لوموند والباييس ولريبوبليكا ومختلف الأحزاب السياسية وجزء هام من الرأي العام الأوروبي.
وحول الطاقة أساسا، يؤكد دبلوماسي أوروبي لجريدة القدس العربي “لا نتفهم موقف واشنطن، فمن جهة هناك إشادة دائمة من طرف ترامب بنظيره الروسي فلادمير بوتين، ومن جهة أخرى هناك تهديد بالعقوبات الاقتصادية ضد أوروبا في حالة الاعتماد على الغاز الروسي كلية”.
ودائما في الشرق الأوسط، رفضت الدول الأوروبية الانخراط في أي عقوبات ضد تركيا بسبب اقتناءها منظومة الدفاع الروسية إس 400، إذ اكتشف الأوروبيون أن موقف البيت الأبيض نابع من الحرص على بيع العتاد العسكري الأمريكي للحلفاء وحتى يبقى الأوروبيون رهينة السلاح الأمريكي. وهطا ما يجعل الاتحاد الأوروبي إشراك الولايات المتحدة في مخطط التصنيع العسكري الذي صادق عليه سنة 2019 ويرمي الى التقدم في صناعة عسكرية موحدة من خلال تمويل أبحاث جديدة بميزانية ضخمة تعد بالملايير من اليوروهات. إذ أن كل مشاركة أمريكية سيجعلها تعارض صفقات الأسلحة مستقبلا مع دول ثالثة.
ودائما في المجال السياسي-العسكري، تبقى أهم المحطات هي تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بداية ديسمبر الجاري وقبل قمة الحلف الأطلسي في لندن، حيث الذي وصف وضعية الحلف الأطلسي بالموت السريري، في تلميح الى سياسة الرئيس ترامب والاختلاف في معالجة الملف التركي ورسم سياسة جديدة لهذه المنظمة العسكرية. تصريحات ماكرون تعتبر انعكاسا للشرخ الكبير وسط الحلف بين واشنطن مهتمة أكثر بالصين وأوروبا المتخوفة من روسيا.
ومن أبرز عناوين الاختلاف هو معارضة الأوروبيين للقرار الأمريكي الذي لا يعتبر المستوطنات الإسرائيلية معارضة للقانون الدولي. فقد ارتفعت أصوات رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون ومستشارة المانيا أنجليكا ميركل بقوة ضد القرار، وهو موقف مشابه لرفض نقل واشنطن سفارتها من تل أبيب الى القدس.
ومن الملفات القليلة التي جرى الاتفاق بشأنها هو الاعتراف بخوان غوايدو رئيس الجمعية الوطنية في فنزويلا رئيسا مؤقتا بدل الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، لكن هذا الاتفاق لم يقد الى نتائج تذكر بل فقط منح روسيا والصين فرصة لإفشاله ودعم الرئيس مادورو.
ووسط كل هذه الاختلافات السياسية وجيوسياسية، لعل أكبر ضربة تعرض لها التحالف الأوروبي-الأمريكي هو سياسة ترامب بفرض ضرائب على المنتوجات الأوروبية ومعارضة أي اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين.
الشرخ يتفاقم من سنة الى أخرى خاصة في ظل ارتفاع الشعبوية في أوروبا والبيت الأبيض، لكن القلق الكبير هو أن يتخذ هذا الشرخ الذي يعد حاليا مؤقتا وضعا تدريجيا، وهي أكبر هدية لروسيا والصين.