وعاد المغرب ليحتل المركز 123 في التنمية البشرية عالميا / د. حسين مجدوبي

صورة من صور الفقر في المغرب

123 رقم أصبح ملازما للمغرب خلال السنوات الأخيرة، فهو ترتيبه الدائم تقريبا في سلم التنمية البشرية عالميا. احتل هذا المركز سنة 2016 و2017 ويعود لاحتلاله مجددا في تقرير 2018 الذي كشفت عنه منظمة الأمم المتحدة هذه الأيام. ومعه نعيد التساؤل مجددا: لماذا لا يتقدم المغرب؟
وهذه الرتبة المتأخرة لم تعد تشكل مفاجأة لمراقبي الشأن المغربي الذين يرصدون تدهور الأوضاع العامة للبلاد على مختلف المستويات. وبدأت الدولة المغربية تتأقلم معها بعدما كانت تهاجم معدي التقرير وتتهمهم بالتآمر ضد مصلحة البلاد والجهل بقواعد التقييم العلمي للتنمية. وعموما، هذه الاتهامات ليست بالجديدة، فهي من شيم الدول التي تفتقد للتقاليد العريقة وترى في النقد مسا بسيادتها وشرفها بدل الاستفادة منه لإصلاح الأعطاب. ويبقى المضحك-المبكي هو تهجم الناطقين باسم الدولة المغربية على المعايير التي يضعها خبراء الأمم المتحدة والذين ينتمون إلى أرقى الجامعات العالمية، وينعتون هؤلاء الخبراء بشتى النعوت ويمكن إجمالها في «جهلهم بالواقع المغربي» وكأن المغرب استثناء وسط المنتظم الدولي بشعبه ونظام حكمه.
وكل حديث للدولة المغربية عن خلل في تقييم خبراء الأمم المتحدة لسياسة التنمية التي تنهجها (الدولة) سيعد مزيدا في الإصرار على التوغل في الجهل ومحاولة عدم إصلاح الواقع المر. إذ يصادف التقرير الجديد، ومع الأسف، معطيات تفند كل الانتقادات، فها هو ملك البلاد محمد السادس يعلن فشل النموذج التنموي في المملكة، وها هي البلاد غارقة في الديون وخاصة الخارجية التي ستحكم على الأجيال المقبلة بنوع من «العبودية» الصامتة تجاه المؤسسات الدولية. لكن المثير هو تزامن صدور التقرير في وقت يشهد فيه المغرب أكبر موجة جماعية تقترب من مفهوم النزوح علما أن البلاد لا تشهد حربا أهلية أو تعرضت لكارثة طبيعية خارقة، حيث قوارب الهجرة تنطلق يوميا وهي تحمل الشباب والشيب والنساء والأطفال نحو الضفة الإسبانية. والمعطى الثاني والدال للغاية هو مغادرة مئات الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال للمغرب خلال سنة 2018 نتيجة تردي الأوضاع وانعدام مؤشرات تشجع على الاستقرار.
والهجرة أو النزوح الجماعي نحو الشمال ليست بالمفاجأة، فقد أظهرت مسبقا دراسة اجتماعية رغبة 80 في المئة من ساكنة المغرب مغادرة البلاد نحو دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويبرر 80 في المئة حلمهم بالهجرة بانسداد الآفاق في وطنهم المغرب.
في مقال سابق في جريدة «القدس العربي» بعنوان «مساهمة في الجواب على سؤال الملك محمد السادس: أين الثروة؟ (15 اب/أغسطس 2018)، تطرقنا إلى العوامل التي تستعرض الشرخ العميق في توزيع الثروة في البلاد وهي: الاحتكار الوحشي من طرف فئة محدودة لخيرات البلاد، وآفة الفساد، وفي المركز الثالث تفضيل الحكام لأصحاب الولاءات بدل الكفاءات، ثم ظاهرة المديونية التي تخنق البلاد اقتصاديا وخامسا وأخيرا غياب الدراسات الجريئة التي تقدم حلولا جذرية وليس حلول ماركتينغ.
احتلال المغرب لهذه المرتبة غير المشرفة مفارقة تاريخية بكل المقاييس أبرزها: البلد يعيش جغرافيا على أبواب القارة الأوروبية التي شهدت أكبر القفزات العلمية خلال القرون الأخيرة، ولم يستفد منها ولا يحاول الاستفادة منها. كما يشهد استقرارا سياسيا بحكم عدم تشكيك أغلبية المغاربة في نوعية النظام القائم. ورغم كل هذا، يقبع المغرب في مرتبة غير مشرفة 123، ولم يغادر المراتب الواقعة ما بين 120 و130 طيلة العقد الأخير. وتفوقت عليه في الترتيب دول لا تشهد استقرارا سياسيا وهي ليبيا والعراق بينما تجاوزه جيرانه مثل الجزائر (85) وتونس (95) بينما جيرانه في الشمال يتقدمون عليه بمراحل كبيرة، فقد احتلت فرنسا المركز 25 وجاءت اسبانيا في المركز 26 والبرتغال 41.
نعم، يرتكب المسؤولون خطأ فادحا في تصورهم للتنمية، يختزلون التنمية في تحقيق القطار السريع الأول من نوعه في افريقيا والعالم العربي، يعتقدون في تصورهم للتنمية في تنظيم أكبر مهرجان غنائي في افريقيا والعالم العربي، ويعتقدون في…، لكنهم لا يتسابقون مع باقي الأمم في تحقيق أحسن جامعة ونحو تحقيق مستشفيات مثالية حتى لا نقول تحترم الحد الأدنى من المعايير الدولية فقط، وفي التقليل من الفساد لجعل الشباب يكتسب ثقة في المستقبل ولا يغامر بحياته في البحر للوصول إلى أوروبا وفي…وفي…
لقد أصبحت المراتب التي يحتلها المغرب في مختلف التقارير الدولية غير مشرف بالمرة، في التنمية، في مكافحة الفساد، في ترتيب الجامعات عالميا، في التنافسية، بينما المرتبة المتقدمة التي يحتلها تبقى في إنتاج القنب الهندي، وهذا لا يشرف بطبيعة الحال أمة ذات تاريخ عريق.
لقد حان الوقت للدولة المغربية مراجعة نموذجها التنموي بعيدا عن البهرجة وأضواء السيرك الرخيص، والوضع يستوجب ضرورة تعاطي المسؤولين وعلى رأسهم الملك محمد السادس بالجدية الكافية لملف التنمية وآفة الفساد التي تنخر البلاد بعيدا عن خطابات التنمية التي سادت خلال السنوات الأخيرة، وهي خطابات غير واقعية تدخل في خانة «فيك نيوز» مقارنة مع تدهور الأوضاع.
قدر المغرب ليس البقاء خارج دائرة التنمية الحقيقية، إلا إذا كان المسؤولون المغاربة يعتقدون في الاستثناء المغربي في كل شيء ويرغبون في البقاء خارج دينامية التنمية.

Sign In

Reset Your Password