مرت عشرون سنة بالتمام والكمال على الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر، وهي أطول حدود برية مغلقة وثاني حدود زمنيا بعد كوريا الشمالية والجنوبية. وتشير كل المعطيات الى استمرار الحدود البرية على ما عليه خاصة في ظل التوتر الدبلوماسي بين البلدين. وفشلت جميع المساعي العربية والأوروبية والأممية لفتح الحدود، ويتفاقم الوضع في ظل إقامة البلدين جدارا سياسيا وإعلاميا ونفسيا يصل الى مستوى إرساء “عقيدة العدو الأبدي” في رؤية كل طرف للآخر.
وشهد المغرب اعتداءات إرهابية صيف سنة 1994 ضد منشآت سياحية في مراكش تورط فيها مغاربة وجزائريون وخلفت قتلى من السياح الإسبان. ومن باب الاحتياط، فرض المغرب التأشيرة على المهاجرين الجزائريين القادمين من أوروبا والراغبين في المرور عبر أراضيه الى الجزائر، وقتها لم تكن وسائل النقل البحري متطورة. واعتبرت الجزائر القرار إهانة وتعسفا، وكان ردها هو إغلاق الحدود البرية التي تستمر حتى الوقت الراهن.
وهكذا، وفقد تزامنت هذه الأيام مع الذكرى عشرين سنة على إغلاق الحدود البرية لتصبح رفقة كوريا الشمالية والجنوبية، الحدود الأطول برا المغلقة وكذلك زمنيا.
وتغير هرم السلطة في البلدين، فقد رحل الملك الحسن الثاني وتولى العرش الملك محمد السادس العرش. وبدورها شهدت الجزائر اختيار رئيس جديد وهو عبد العزيز بوتفليقة. ولم تفتح الحدود، ويبقى التطور الوحيد الذي حصل هو إلغاء التأشيرة بين البلدين، حيث ألغى المغرب التأشيرة سنة 2005 والجزائر قامت بذلك سنة 2006، وتستمر الرحلات الجوية، وفي المقابل تستمر الحدود البرية مغلقة.
ويطلب المغرب من الجزائر فتح الحدود البرية، وتصدر هذه الدعوة من أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس الذي أبرز هذا المطلب خلال السنوات الأخيرة في خطاباته الرسمية الموجهة الى الشعب المغربي ضمن نظرته لبناء المغرب العربي.
وتؤكد الجزائر أن لها مطالب أمنية بالدرجة الأولى يجب على المغرب الالتزام بها، فخلال التسعينات وأوائل العقد الماضي كانت تطالب بوقف مرور السلاح من المغرب الى الجماعات المسلحة، حيث كانت تتهم الرباط بتمويل الحركات المسلحة. وفي الوقت الراهن، يؤكد أكثر من مسؤول ومنهم وزير الخارجية رمطان لعمامرة أن فتح الحدود رهين أساسا بالتزام المغرب منع مرور المخدرات “القنب الهندي” ومحاربة التهريب عبر الحدود. وأصبح منع المخدرات ومكافحة التهريب من العناصر الرئيسية في أي استراتيجية لرفض فتح الحدود.
ويعتبر إغلاق الحدود مظهرا من مظاهر الصراع القائم بين البلدين ويحمل عنوان “الصحراء الغربية”. ويتهم المغرب الجزائر بدعم جبهة البوليساريو لإنشاء دويلة جديدة في الصحراء لتحصل على منفذ للمحيط الأطلسي. وفي المقابل، تتهم الجزائر المغرب بأنه دولة استعمارية لها مشاكل مع الجزائر والبوليساريو وموريتانيا حول الحدود.
وكان البلدان منقسمان إبان الحرب الباردة، وانضم المغرب الى دعم المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة بينما انخرطت الجزائر في دعم المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي، وذلك قبل انهيار جدار برلين. وانهار جدار برلين لكن جدران التفرقة بين البلدين بقيت قائمة. وتستمر القطيعة بين البلدين رغم ما يتغنى به من عناصر مشتركة للوحدة مثل الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك.
وحاولت قوى عربية وأجنبية القيام بمساعي حميدة بين المغرب والجزائر لفتح الحدود الحدود، وتزعمت هذه المساعي العربية السعودية طوال سنوات، وبعد الربيع العربي جربت تونس حظها إيمانا منها بضرورة تحريك الربيع العربي، لكن الفشل يرافق كل المبادرات.
وقامت اسبانيا بمحاولات في هذا الشأن رفقة فرنسا، كما تعتبر الأمم المتحدة فتح الحدود البرية عاملا رئيسيا في تسهيل البحث عن حل لنزاع الصحراء، لكن الجزائر تصر على موقفها الرافض طالما لا يتم البث النهائي في الملف الأمني.
وأصبحت معالجة المشاكل الثنائية بين البلدين تجري في إطار شمولي ضمن دول خمسة زائد خمسة “المغرب وموريتانيا والجزائر وليبيا وتونس إضافة الى فرنسا واسبانيا وإيطاليا والبرتغال ومالطا”، ويتعلق الأمر بملفات مثل الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات.
نحو سباق تسلح محموم
ولم تعد الحدود البرية الإشكال الحقيقي بين البلدين بل المقلق هو سباق التسلح الذي دخل فيه البلدان، بغية التحول الى القوة الرئيسية في منطقة المغرب العربي. وتفيد التقارير الدولية حول التسلح وجود المغرب والجزائر ضمن الزبائن العشرين الأوائل في العالم لاقتناء الأسلحة المتطورة، ولاسيما الجزائر مستغلة عائدات النفط والغاز.
ويمتلك البلدان ترسانة متطورة من سلاح جوي وبحري وأرضي سيتعزز بصفقات أخرى. وهذا الوضع يحمل انعكاسات إقليمية، إذ تبدي اسبانيا قلقها من سباق التسلح بينما يرى الاتحاد الأوروبي أن هذا السباق قد يقود الى مواجهة حربية في حال انفلات النزاع من الدائرة السياسية.
ويحذر بعض مراقبي البلدين من أن سباق التسلح يتم على حساب التنمية البشرية، فالبلدان يحتلات رتب متدنية في محاربة الأمية وكذلك التقدم البشري والرفاهية.
أسوار جديدة
وخلال الشهور الأخيرة، بدأ البلدان بإقامة أسوار سلكية في الحدود الشمالية بينهما بحجة مواجهة الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات. وتحمل الرباط الجزائر مسؤولية الأسوار الجديدة لتهاونها في مكافحة هذه الظواهر، وترد الأخيرة بالاتهامات نفسها.
لكن السور الخطير هو الحاجز النفسي الآخذ الذي يتعزز بين شعبي البلدين. فرغم التوتر، لعبت الأحزاب والمثقفون والصحفيون خلال الماضي دورا في امتصاص هذا التوتر والتركيز على العوامل المشتركة. ويحدث العكس الآن، فكما استقال المثقف في العالم العربي، فقد قدم مثقفو المغرب والجزائر استقالتهما من التشجيع على بحث للعلاقات الثنائية. وأصبح كل من سولت له نفسه الكتابة بشكل إيجابي عن البلد الآخر، فيافطة “الخائن تنتظره”.
بل الأدهى هو انخراط صحفيي ومثقفي البلدين في حرب معلنة. وبلغت أوجهها خلال الشهور الأخيرة بتعيين الاتحاد الإفريقي مبعوثا خاص في نزاع الصحراء، اعتبرته الرباط عملا من صنع الجزائر. وتفاقم الوضع بتدنيس شاب مغربي للعلم الجزائر في قنصلية الدار البيضاء يوم فاتح نوفبر الماضي، تاريخ الثورة الجزائرية، اعتبرته الجزائر عملا مخططا من طرف الدولة المغربية. ومباشرة، تحولت شبكات التواصل الاجتماعي الى حرب مفتوحة بين مواطني البلدين من تهم متبادلة.
ويؤكد المهتمون بالعلاقات أنه حتى إذا جرى فتح الحدود، فالمغاربة والجزائريون يشيدون حاجزا نفسيا أخطر من “جدار برلين” انتقل الى مستوى “عقيدة العدو الأبدي” في رؤية الآخر.