قام الجيش الروسي ببناء أسوار فاصلة تشمل إقليم دونباس حتى شبه جزيرة القرم لتفصل ميدانيا بين شرق أوكرانيا الذي سيطر عليه وباقي الأراضي الأوكرانية في الغرب. والمثير هو صمت كل من روسيا والغرب عن هذا الأسوار باستثناء معطيات قليلة تسربت إلى الاعلام.
في هذا الصدد، أوردت جريدة البايس الإسبانية الاثنين من الأسبوع الجاري تسرب خبر بناء الجيش الروسي لأسوار تمتد على مسافة 800 كلم وتشمل شرق أوكرانيا أي إقليم دونباس حتى شبه جزيرة القرم، وهي ثلاثة أسوار اعتراضية مليئة القنابل والألغام والأسلاك لمنع أي تقدم للقوات العسكرية الأوكرانية مستقبلا. وعلقت على الحدث بأن أوروبا لم تشهد مثل هذه الأسوار الحربية منذ سنة 1945، تاريخ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكانت صحف مثل فاينانشيال تايمز قد تحدثت الأحد الماضي عن خنادق روسية كبيرة، وكذلك جريدة لوموند يوم 8 أبريل الجاري، لكنهما تجنبتا الحديث عن أسوار هائلة عكس جريدة الباييس التي نشرت بعض صور الأقمار الاصطناعية.
وعمليا، أصبحت هذه الأسوار تفصل أوكرانيا الى قسمين، القسم الغربي التابع لكييف، ثم القسم الشرقي وهو دونباس بمساحته مائة ألف كلم مربع ثم شبه جزيرة القرم ب 26 ألف كلم مربع. لتكون روسيا قد قضمت من مساحة أوكرانيا ما بين 20% إلى 25 % ما بين 2014، تاريخ ضم القرم والحرب الحالية بضم دونباس. وعلى ضوء هذا التطور، فهذه الأسوار تهدف إلى هدفين، الأول وهو عرقلة أي هجوم أوكراني مستقبلا وهو هدف سهل للغاية بحكم التفوق الروسي، وثانيا وهو الأهم هو ترسيم حدود جديدة بين كييف وموسكو وهذه المرة عبر القوة العسكرية وضد القانون الدولي، أي فرض الأمر الواقع.
وميدانيا، يعتبر بناء أسوار على طول 800 كلم عملا جبارا لاسيما في وقت تجري فيه مواجهات حربية عنيفة بين الطرفين، فقد كان على الجيش بناء وتأمين عملية بناء الأسوار. وهذا هو الذي يفسر لماذا لجأ الجيش الروسي الى الدفاع أكثر منه تنفيذ هجمات مستمرة والتقدم في تجاه كييف لاسيما في توظيف سلاح الطيران. علاقة بهذا، كان جنرال سلاح الجو المتقاعد الفرنسي باتريك ديتارت قد أوضح في تصريحات لقناة التلفزيون إل سي إي الفرنسية بداية الأسبوع الماضي أن “الطيران الروسي عموما حتى الآن لا يطبق استراتيجية الأرض المحروقة بضرب كل البنيات التحتية الأوكرانية والدعم اللوجيستي بل يعتمد الدفاع، أي وقف بعض الهجمات الأوكرانية أكثر من الهجوم”. عموما، هذا يبرز يبرز الاستراتيجية الروسية الواضحة التي تتجلى في ضم شرق أوكرانيا والدفاع عنه دون التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف أو المناطق الغربية المتاخمة لبولندا، ويبرز أنها كانت تحمي بناء هذه الأسوار بوقف أي اقتراب للقوات الأوكرانية.
في الوقت ذاته، تصر القوات الروسية على تمشيط المناطق المتاخمة لهذه الأسوار لإبعاد هجمات الجيش الأوكراني، وهو ما يفسر طرد الأوكرانيين من كل المناطق التي تقع في إقليم دونباس.
ويبقى المثير هو صمت الدول الغربية عن الكشف عن هذه الأسوار رغم مراقبتها المستمرة للنشاط العسكري الروسي على مدار اليوم بالأقمار الاصطناعية. وجرى تفادي الإعلان عن هذا الخبر من طرف الغرب نظرا لانعكاساته النفسية ومفادها أن أوكرانيا خسرت إلى الأبد شرق البلاد لصالح روسيا، ولا توجد إمكانية استعادته عبر القوة، ولم تنجح رغم مساعدة الغرب. وهذا التطور يقدم السياق الحقيقي لفهم تصريحات الحلف الأطلسي ورئيس الأركان العسكرية المشتركة الأمريكية الجنرال مايك ميلي يوم 31 مارس/آذار الماضي باستحالة تحقيق الجيش الأوكراني تقدما من قبل طرد القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. وهو ما جاء في وثائق البنتاغون المسربة مؤخرا. ونقلت جريدة فايننشال تايمز الأحد الماضي عن قال نيك غارنل ، الضابط السابق في شركة Royal Engineers البريطانية الذي يتمتع بخبرة واسعة في عمليات الاختراق: “أنت بحاجة إلى تنسيق أسلحة مجمعة عملاقة”. “على الجميع أن يلعبوا دورًا. انها مخاطرة عالية جدا “، مبرزا دور سلاح الجو الروسي في القضاء على أي آليات حرب برية من دبابات ومدرعات تقترب من هذه الأسوار.
وتأتي هذه التطورات لتبرز الأجندة الحقيقية لموسكو من وراء هذه الحرب وهو تقسيم أوكرانيا وقضم جزء من أراضيها شرق البلاد، وهي الغنية بالصناعة والموارد الطبيعية. كما يبرز الاستراتيجية العسكرية الروسية وهي قضم الأراضي وتأمينها دون التقدم حاليا نحو باقي الأراضي الأوكرانية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد هدد يوم 7 يوليوز الماضي أوكرانيا بفقدان أراض إذا استمرت في تطبيق استراتيجية الحلف الأطلسي، أي استنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا من خلال إطالة هذه الحرب.