قدمت وزيرة العدل الفرنسية، كريستيان توبيرا، استقالتها من المنصب، أمس الأربعاء، وبذلك تفقد الحكومة الاشتراكية آخر وجه يساري كان يرفض استغلال الدولة لحالة أجواء الإرهاب التي تعيشها البلاد لتمرير قرارات تمس بالديمقراطية وتقترب من ممارسات الدول الدكتاتورية.
وكانت الطبقة السياسية والإعلامية قد تحدثت في مناسبات متعددة عن استقالة مرتقبة لكريستيان توبيرا بسبب الاختلاف مع سياسة الرئيس فرانسوا أولاند، وتفاقم الوضع بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وخلفت 130 قتيلا. وجاءت استقالة توبيرا تعبيرا عن معارضتها لمشروع تعديل دستوري يخطط له الرئيس فرانسوا أولاند رفقة رئيس الحكومة، مانويل فالس، يسمح بسحب الجنسية الفرنسية من الإرهابيين ذوي الجنسية المزدوجة.
وفي تعليق مثير لها، كتبت الوزيرة المستقيلة: «المقاومة تكون أحيانا بالصمود وأحيانا بالرحيل»، في تفسير لقرارها مغادرة الحكومة الفرنسية. ولاحقا قالت في الندوة الصحافية إنها تغادر الحكومة بسبب «اختلاف سياسي كبير»، مبررة قرارها بأن فرنسا تتوافر على كل الآليات لمحاربة الإرهاب، وأنه لا يمكن التنازل العسكري والسياسي والأمني والرمزي للإرهاب، وذلك في إشارة الى الإجراءات التي تتخذها فرنسا في الوقت الراهن ومنها قرار سحب الجنسية عن مزدوجي الجنسية المتورطين في الإرهاب.
وكانت توبيرا من أشد المعارضين لقانون التجسس الجديد على المواطنين باسم محاربة الإرهاب. وأكدت في أكثر من مناسبة أن وجودها في وزارة العدل يرمي الى الحفاظ على حرية الفرنسيين وليس المصادقة على قوانين تضيق على الحريات.
وبرحيلها عن الحكومة تكون هذه الأخيرة قد فقدت آخر وجوهها اليسار، أي يسار الحزب الاشتراكي، حيث يطغى الآن الجناح اليميني للحزب الاشتراكي مع تولي مانويل فالس رئاسة الحكومة بعدما كان في وزارة الداخلية. ويعتبر رحيل كريستيان توبيرا عن الحكومة تنديدا غير مباشر من الوزيرة بالتوجه الأمني للرئاسة الفرنسية في تغليب أساليب أمنية على الإجراءات السياسية والديمقراطية في محاربة الإرهاب، خاصة مع تمديد حالة الاستثناء في البلاد. وتصف الصحافة الفرنسية ومنها الرقمية «ميدبار» الواسعة الانتشار وزير العدل الجديد، جان جاك أورفاس، بالأمني على الطريقة الأمريكية بسبب تفضيله ما يسمى «باتريوت آكت» الذي نهجته واشنطن بعد تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر.
وتعيش فرنسا جدلا سياسيا كبيرا حول حالة الاستثناء وسقوط البلاد في الهواجس الأمنية، مما جعل الديمقراطية الفرنسية تتأثر كثيرا. والتوجه اليميني للحكومة الحالية جعل فرانسوا أولاند يفقد الكثير من شعبيته. حيث كشف استطلاع للرأي لمؤسسة أودوكسا نشرته جريدة سود ويست منذ يومين أن 22% فقط من الفرنسيين يعتبرون رئيسا جيدا مقابل 77% يعتبرونه رئيسا سيئا. بينما يعتبر 35% من لافرنسيين فالس رئيس حكومة مناسب ويرفضه 64%. ومن شأن استقالة توبيرا المساهمة في تراجع شعبية الرئيس هولند ورئيس الحكومة فالس.