كان الحديث في المغرب عن التفاوت الطبقي والشرخ الحاصل في توزيع الثروات لا يردده وفق النظام ومواليه سياسيا وإعلاميا سوى “العدميون” الذين لا يرون “تقدم وازدهار المغرب، لكن فجأة يعترف الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 15 لعيد العرش بهذا الحيف الذي يعاني منه المغرب في الوقت الراهن، لينطلق “حفل التملق السياسي والإعلامي” ويتبنى محسوبون على “المخزن” مقولات ماركس ولنين وماجاورهما من شيوعيين.
الجرأة هي التي ميزت خطابات الملك، وهذه من المرات القليلة التي كان فيها الملك برغماتيا وبعيدا عن سياسة “المغرب زين” ليعترف بأن المغاربة “ليسوا سواسية” في الاستفادة من ثروات البلاد، وإن كانت هذه الجرأة تنصقها جرأة أكبر للوقوف على الأسباب الحقيقية التي يتحمل الملك جزؤا منها.
ويجسد ملك البلاد هذه الفوارق بعدما ارتفعت ثروثه كثيرا خلال السنوات الأخيرة وفق مجلة فوربس ويعتبر من المحظوظين في وقت تراجعت فيه القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة ومازالت البلاد تشهد تسجيل حالات نساء يلدن في بعض الأحيان عند أبواب المستشفيات.
ومباشرة بعد الخطاب الملكي انطلق حفل التملق السياسي والاعلامي لمضمون هذا الخطاب. فالمتعارف عليه أن سياسيين وإعلاميين يشنون حربا بيئسة ضد الخطابات السياسية والاعلامية التي كانت تندد بالتفاوت الطبقي مستعملين تعابير ومصطلحات منحطة للغاية بدأوا يتبنون قاموس مارس ولنين ومفكرين آخرين الذين ينددون بالتفاوت الطبقي.
وبدأ سياسيون ينتمون لأحزاب قريبة من الفكر الاقطاعي يثنون على خطاب الملك، ويعتبرونه خريطة اجتماعية للمستقبل. وتراجعت الأصوات الحكومية التي كانت تواجه تقارير المنظمات الدولية التي تحدثت عن التفاوت الطبقي، حيث كان ينبري وزراء ومنهم من تناوبوا على وزارة الاتصال للتنديد “بمؤامرة الأمم المتحدة” ضد المغرب بسبب تصنيفه في مرتبة متأخرة للغاية مقارنة مع دول أخرى.
فجأة غاب كل هذا ليحل محله حفل التملق لخطاب مضمون الملك بدل التركيز على الأسباب الحقيقية والعودة الى تقارير خبراء مستقلين كانوا ينبهون من هذا.
مواقف هؤلاء الإعلاميين والسياسيين غير جديدة، فجزء منهم كان يسبح باسم الحسن الثاني حيث أغنوا المعرفة المغربية ب “ثقافة التملق السياسي”، وعندما رحل الرجل عن هذه الدنيا، تحول الى مصدر للشرور التي عاشها المغرب، حيث يردد الكثير من السياسيين “ضاع المغرب في خمسين سنة بعد الاستقلال”. والآن يتكرر السيناريو مع الملك محمد السادس، بطبيعة الحال في شقه الأول المتعلق بالتملق.
هل يمتلك المتملقون الجرأة لمكاشفة الملك حول الأسباب الحقيقية لهذا الشرخ في الثروات؟ بطبيعة الحال