واشنطن تتزعم مبادرة غربية للحد من النفوذ الصيني-الروسي في العالم

قف العالم اليوم على أعتاب جولة جديدة من الصراع على النفوذ، مع تكثيف جهود الصين وروسيا، والولايات المتحدة وحلفائها من أجل اكتساب ود الحكومات وقلوب وعقول الشعوب في الدول الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية.

ومن المنتظر أن تظهر ملامح النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يضم قوى متنافسة، من خلال سلسلة من القمم عالية المستوى خلال الشهور المقبلة، تبدأ بالقمة السنوية لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى غدا 19 أيار/مايو الحالي في اليابان.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، نقلت الوكالة عن مصادر مطلعة ووثائق اطلعت عليها، القول إن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي يعتزمون إطلاق خطط لاستقطاب مجموعة مختارة من الدول، فيما أطلقوا عليها “معركة العروض” العالمية مع كل من روسيا والصين.

 تتضمن استراتيجية الدول الغربية العمل مع ما تسمى “دول المنطقة الوسطى” مثل البرازيل وفيتنام وجنوب أفريقيا وكازاخستان. ومن بين أهداف هذا البرنامج تعزيز الاتصالات رفيعة المستوى وتحسين التنسيق في مشروعات البنية التحتية القائمة وخطط عمل مفصلة لكل دولة يتم اعتبارها شريكا أساسيا.

وبحسب مصادر غربية فإن هذه الخطوة تمثل اعترافا بأن الدبلوماسية الودية الصينية واستثماراتها في البنية التحتية في الدول النامية، بالإضافة إلى إمدادات السلاح الروسية وتوفير تكنولوجيا الطاقة النووية والأسمدة، تفوقت على نداءات الدول الغربية لتلك الدول من أجل الاصطفاف معها في مواجهة كل من بكين وموسكو. في الوقت نفسه فإن التحرك الجديد لمجموعة السبع سيبتعد عن النهج المحكوم بالقيم الغربية  وتبني نهج جديد يعتمد على تقديم مزايا ملموسة لتلك الدول في مجالات مثل التجارة والأمن.

ويقول بريان نيكولاس، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون نصف الكرة الغربي: “من المهم ان نمنح الدول في نصفنا من الكرة الأرضية والعالم خيارات متعددة”. وتحتاج اشنطن إلى “رؤية واضحة بشأن ما يمكن أن تفعله تلك الدول لكي تمتلك اقتصادات ناجحة” في الوقت الذي الذي توضح فيه أن “بعض الوعود التي تقدمها دول مثل الصين لا تتحقق”.

لكن دول مجموعة السبع التي تشارك في العقوبات الغربية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا وتشارك مسؤولي الأمن القومي الأمريكي القلق من تنامي النفوذ الصيني، ليست أصحاب العرض الوحيد في سوق الدبلوماسية العالمية. ففي حين يجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظرائه من قادة مجموعة السبع في مدينة هيروشيما اليابانية، سيعقد الرئيس الروسي شي جين بينج قمة  الصين وآسيا الوسطى على مدى يومين في مدينة شيان الصينية.

 وفي تموز/يوليو المقبل سيستضيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  بمدينة سان بطرسبرج قادة الدول الأفريقية، في إطار الجهود الروسية لإقناع دول العالم بأن العقوبات الغربية وليس الغزو الروسي لأوكرانيا كانت السبب وراء تضخم اسعار الطاقة ونقص إمدادات الحبوب في السوق العالمية والذي أضر بالدول الأفريقية الفقيرة بشدة.

وفي الشهر التالي سوف تستضيف مدينة جوهانسبرج الجنوب افريقية قمة مجموعة بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مع طرح فكرة توسيع نطاق التجمع ليضم 19 دولة محتملة، وإمكانية إطلاق عملة مشتركة لدول التجمع على جدول الأعمال.  والموضوعان من أفكار الصين التي كانت أول من طرح فكرة إيجاد عملة بديلة للدولار الأمريكي في التعاملات التجارية بين دول بريكس.

ونقلت بلومبرج في تحليلها عن مسؤولين حكوميين اثنين من دولتين من دول “المنطقة الوسطى”  القول إن العمل تغير بشدة خلال السنوات الأخيرة، وفقدت الدول الغربية نفوذها الذي كانت تستخدمه في وقت من الأوقات للضغط على الدول النامية سياسيا واقتصاديا.  وقال أحد هؤلاء المسؤولين بوضوح “القوى الغربية تحتاجنا الآن اكثر مما نحتاجها نحن”.

وظهرت هذه الحساسيات بوضوح في الأسبوع الماضي عندما اتهم السفير الأمريكي لدى جنوب أفريقيا، بريتوريا ببيع السلاح لروسيا، مما دفع العملة الجنوب افريقية الراند للتراجع إلى أقل مستوياتها أمام الدولار، قبل أن تتحرك واشنطن وبريتوريا سريعا لاحتواء هذا الخلاف. وفي حين كانت جنوب أفريقيا ضيفا شبه دائم في قمم مجموعة السبع دعت اليابان هذه المرة الاتحاد الأفريقي الذي تتولى رئاسته الدورية الكاميرون لحضور قمة هيروشيما.

وقبل أسبوع من تفجر الخلاف الأخير بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، قال ناليدي باندور وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا: “في بداية فترته الرئاسية، تحدث الرئيس بايدن عن سياسة المبادئ والقيم، واعتقد أنه كان لديه الكثير من المصداقية وجذب قدرا كبيرا من الاهتمام.. لكن أعتقد أن الوضع الحالي الذي يجدون فيه أنفسهم (الأمريكيون) جزءا رئيسيا من هذا الصراع، يجعل من الصعب الاقتناع بهم”.

وحققت محاولات تحالف مجموعة السبع التصدي لنفوذ الصين والرد على مبادراتها نتائج متباينة، لكن جاءت الحرب الروسية ضد أوكرانيا لكي تجدد شعور دول العالم النامية بأن المساعدات الغربية لم تكن من أجل المبادئ وإنما لها أغراضها، خاصة  مع نجاح موسكو المتزايد في عمليات التضليل والتأثير على الراي العام  واستغلال المشاعر المعادية للغرب في أفريقيا وأمريكا اللاتينية  ودول الجنوب بشكل عام.

لذلك فإن الهدف الأساسي لقمة المجموعة كما أعلنته اليابان على الموقع الرسمي للقمة هو الوصول إلى الجنوب العالمي والمحافظة على النظام الدولي القائم على سيادة القانون. لكن الوصول إلى هذا الهدف يصطدم بتحد هائل يتمثل في الشعور بعدم الثقة وربما بالسخط  السائد في الجنوب العالمي تجاه الغرب.

واعترافا بهذا الواقع الصعب، يقول مسؤولو إدارة بايدن إنهم لا يطالبون دول الجنوب بالاختيار بين الولايات المتحدة والصين، وإنما يسعون إلى تعزيز بيئة دولية تكون فيها حكومات الدول حرة من أي إكراه خارجي. لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ، ما زال يتهم واشنطن بممارسة سياسة “الاحتواء” ضد بلاده، وتضغط على حلفائها لكي يلتزموا بقيودها المفروضة على الصادرات بهدف حرمان الصين من الحصول على التكنولوجيا الغربية المتقدمة بدعوى أنه يمكن استخدامها في أغراض عسكرية.

وأخيرا يمكن القول إنه ما بين قمة مجموعة السبع في هيروشيما، والقمة الصين- آسيا الوسطى في شيان، والقمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرغ، يواجه العالم صراعا ثلاثيا متزايدا على النفوذ بين الصين وروسيا، الغرب الذي يبدو أنه يدفع ثمن عقود من التجاهل والسياسات الخطأ تجاه دول الجنوب.

Sign In

Reset Your Password