وأخيرا، وصل اليمين المتطرف فوكس الى الأندلس وقد يصل الى سبتة ومليلية/ د. حسين مجدوبي

خلال الأربعين سنة الأخيرة، استطاع سياسي واحد من اليمين العنصري الوصول الى البرلمان الوطني أو المحافظات في اسبانيا، وهو بلاس بينيار سنة 1979، لكن في انتخابات الأحد التي جرت في محافظة الأندلس، وصل 12 نائبا دفعة واحدة، وهو ما يشكل زلزالا قويا سيلقي بظلاله على الهجرة والعلاقات مع المغرب.

وكانت اسبانيا من البلدان الأوروبية القليلة التي لم تشهد وصول اليمين المتطرف العنصري الى البرلمان، وذلك عكس دول أخرى مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا والسويد التي تقدم فيها اليمين القومي المتطرف واقتحم برلمانات ويشارك في حكومات وتشدد في التعامل مع الهجرة وساهم في ارتفاع الممارسات العنصرية.

ويضم الحزب الشعبي المحافظ في اسبانيا في صفوفه عائلات سياسية مختلفة من اليمين المتطرف، وهو لا تأثير له، الى المحافظين وانتهاء بالليبراليين. ورغم خطابه المتشدد في بعض الأحيان بشأن الهجرة، فقد لعب الحزب الشعبي دور السد المانع لانتعاش اليمين العنصري.

وكانت ظهور اليمين العنصري في اسبانيا مسألة وقت فقط بعدما وصلت الظاهرة الى جنوب القارة في دول مثل إيطاليا وأساسا اليونان، وهو ما ترجم الى واقع ملموس الأحد الماضي بعدما حصل حزب فوكس العنصري على 11% من أصوات الناخبين وهو ما يعادل 12 مقعدا في الأندلس، بينما استطلاعات الرأي التي كانت كريمة معه منحته أربع مقاعد في أقصى الحالات، لكن الناخب الأندلسي، فاجأ استطلاعات الرأي. فقد حصل فوكس في انتخابات 2015 في محافظة الأندلس على 18 ألف صوت ب 0،45% من الأصوات، وانتقل الى 400 ألف صوت في انتخابات الأحد ب 11%.

 وقد انتعش هذا الحزب على حساب ظاهرة الهجرة السرية وخاصة قوارب الموت. وتوجد نسبة من الرأي العام الإسباني مهيئة لاحتضان الخطاب العنصري والتصويت على هيئات سياسية تدافع عما تعتبره تحصين الهوية الوطنية في مواجهة “الغزو القادم من الجنوب”.

فقد استغل هذا الحزب ارتفاع الهجرة السرية الى مستويات كبيرة خلال السنة الجارية، فقد وصل أكثر من 55 ألف من المهاجرين الى شواطئ الأندلس وأغلبهم مغاربة، مما خلق قلقا وسط الرأي العام المستعد لتقبل الخطابات المرعبة حول الظاهرة في الوقت الراهن، لاسيما بعدما تحولت الهجرة الى المشجب الذي تعلق عليه هذه الحركات السياسية مشاكل المجتمع الأوروبي.

وصول اليمين المتطرف الى اسبانيا مشكل حقيقي ويحمل انعكاسات مقلقة على العلاقات المغربية-الإسبانية. هذا الحزب لن يفوز في الانتخابات، ولكنه قد يوفر النصاب القانوني لحصول الحزب الشعبي على الحكم في الأندلس وربما على المستوى الوطني إذا حقق نتائج كبيرة في الانتخابات الوطنية التي تبدو أنها ستكون قبل أوانها. وهذا يعني ضرورة تلبية الحكومة سواء المحافظة أو الوطنية بعض طلبات هذا الحزب، والتي تهم الهوية ومعالجة صارمة للهجرة.

النتيجة التي حققها حزب فوكس تؤكد استعداد جزء من الرأي العام تقبل كل الخطابات العنصرية، وعندما يقع هذا في المحافظة الأقرب للمغرب جغرافيا، وهي الأندلس التي يفترض أن تكون حدودا/فضاء للحوار، يجب أن يكون مصدر قلق للمغرب واسبانيا على حد سواء.

العلاقات المغربية-الإسبانية مثخنة بجروح الماضي وبالأحكام المسبقة التي نسجت صور نمطية بين شعبين ضفتي مضيق جبل طارق. وبدأت هذه العلاقات تشهد طريقها نحو نوع من توازن خلال العقد الأخير، ويعد اقتحام حزب يميني قومي متطرف هو بمثابة ضرب لهذا التوازن وإحياء للأحكام المسبقة المقيتة وما سترتب يمكن أن يترتب عنها من استعادة أشباح الماضي.

فقد أقدم هذا الحزب على إجراءات مقلقة خلال الأسبوع الماضي، قاد نواب متطرفون من البرلمان الأوروبي لزيارة الحدود الفاصلة بين المغرب ومليلة والتأكيد على ضرورة تولي قوات عسكرية خاصة مواجهة الهجرة. في الوقت ذاته، طالب حزب فوكس بدفن رفات الجنرال فرانسيسكو فرانكو في مدينة مليلية المحتلة، مبررا طلبه بدفاع فرانكو عن هذه المدينة في وجه المغرب إبان حرب الريف في العشرينات.

أحدثت نتيجة انتخابات الأندلس رجة حقيقية وسط المهاجرين في الأندلس واسبانيا، ومباشرة امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بضرورة التفكير في حزب يضم المهاجرين للدفاع عن حقوق هذه الجاليات والتي تحولت الى أقليات بسبب تهميشها السياسي في اسبانيا رغم توفر الكثير من المهاجرين على الجنسية الإسبانية. وعكس الأحزاب السياسية الأوروبية في دول مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا وبريطانيا التي تدمج مواطنين من أصول مهاجرة وتشركها حتى في الحكومات، لم ترقى الأحزاب السياسية الإسبانية الى هذا النوع من الممارسة والقرار بعد. وبالتالي،  سنكون أمام مواجهة سياسية أكثر من الحديث عن اندماج السياسي إذا قرر المواطنون من أصول مهاجرة تأسيس حزب سياسي خاص بهم للدفاع عن حقوقهم في مواجهة العنصرية.

لقد وصل حزب فوكس الى الأندلس، وهو بهذا يخلف ردود فعل مقلقة، لكن المقلق بل الخطير سيكون في حالة وصوله الى برلماني المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، لن يقتصر الأمر على استعادة الأحكام المسبقة بل الفكر الاستعماري مثل إيزابيلا الكاثوليكية وكانوفاس ديل كاستيو الى الجنرال فرانكو. وقتها لن تجد اسبانيا ترحيبا في الضفة الأخرى بل ردود فعل حقيقية من طرف الرأي العام المغربي.

Sign In

Reset Your Password