قد تكون حياة هوغو تشافيز وأفعاله تخللها بضعة “نقاط سوداء”، لكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من رؤية عظمته كصانع للتاريخ.
أولا، في بلده فنزويلا، قام هوغو شافيز برفع مواطنيه من قاع البؤس إلى القمة والعافية الاقتصادية، والمشاركة السياسية، والفخر الثقافي (في أصولهم الأفريقية أو الهندية في كثير من الأحيان)، والكرامة الاجتماعية.
وثانياً، فعل تشافيز نفس الشيء لأمريكا اللاتينية، ورفع دولها من الأسفل إلى الأعلى بإسم “سيمون بوليفار”، سواء في كوبا ونيكاراغوا والاكوادور وبوليفيا والبرازيل … وهذه بعض الدول.
وبالطبع ترتبط السياستان ببعضهما البعض. فكولومبيا، بسجلها الطويل من العنف منذ عام 1948 وحتي 2013، إعتادت أن تكون بلدا منبوذة يمكن رفعها فقط من خلال رفع الفئات الدنيا، ومكافحة عدم المساواة الصارخ.
تشافيز هو وزملاؤه من القادة مثل، فيدل كاسترو ودانييل أورتيغا، ورافائيل كوريا، وايفو موراليس، ولولا دا سيلفا، يسيرون كلهم على نفس الخط، كفريق قوي، قادر علي القيام بأكثر بكثير مما يقوم به الزعماء الأوروبيون الذين يحاولون إدارة أزمتهم.
قبل بضع سنوات، أجري الصحفي الراحل كريستوفر هيتشنز لقاءً مع تشافيز قبل بضع سنوات، وسأله عن أوجه التشابه والاختلاف مع صديقه فيدل كاسترو. فأجاب تشافيز أنه عندما يتعلق الأمر بالإمبريالية الأمريكية فهما يتفقان ويتضامنان بشكل كامل.
لكنه أضاف: ومع ذلك، فيدل شيوعي يؤمن بدولة الحزب الواحد برئاسة الحزب الشيوعي، أما أنا فديمقراطي يساري، أؤمن بتعدد الأحزاب والانتخابات الحرة؛ فيدل ماركسي يؤمن بالقطاع العام في الاقتصاد فقط، وأنا أؤمن بالإقتصاد المختلط من القطاعين العام والخاص؛ وفيدل ملحد يؤمن بالإلحاد العلمي، وأنا كاثوليكي وأعرف حقيقة أن “يسوع” عاش بين الفقراء.
ربما يبدو ذلك متنافراً لبعض العقول الأنغلو أمريكية، لكنه له مغزى واضح في أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، ترك الكثيرون الكنيسة الكاثوليكية، وأثروا الانضمام إلى الإنجيليين.
والواقع هو أن ثمة العديد من البلدان لديها ما يكفي من أموال النفط للنهوض بأوضاع الفقراء ومنحهم الشرعية الديمقراطية. لكن تشافيز حقق ذلك بالفعل، فكان ملهماً ومشاركاً لغيره من زعماء وشعوب أمريكا اللاتينية، بل وللعالم بأكمله.
فهل حققت فنزويلا الإستدامة الإقتصادية؟ في الواقع، الاقتصاد الفنزويلي في ورطة، وهناك نقص في الاستثمارات والديون المستحقة للصينيين تتكدس.
بيد أن العامل الرئيسي هو جعل سكان الأحياء الفقيرة المهمشين والمستبعدين في الماضي، يساهمون الآن في الاقتصاد، ويعززون كل من الإنتاج والعرض والطلب.
“العديد يشعرون بأنهم مهددون من قبل الفقراء وعامل العرق، بما في ذلك تشافيز نفسه: “هل يعاملوننا كما نعاملهم”؟ وهل سينجحون في التفوق علينا؟”.
“قد يقوم البعض بالتخريب… لقد فات الأوان لقتل تشافيز، ولكن ربما بعض الاقتصاد. وسوف تشعر كثير من البلدان انها مهددة من البلدان الفقيرة الصاعدة، وذلك للأسباب نفسها، ولكن هل سيلهم ذلك شعبنا المضطهد بأن يفعل نفس الشيء؟”.
“هل يمكن للسود المنحدرين من تجارة الرقيق في ليفربول… سواء في الولايات الامريكية والخليج.. أن يهتموا بإقامة إتحاد فيدرالي مع بلدان منطقة البحر الكاريبي؟”.
لاشك في أن هناك من يعمل علي مدار الساعة للتأكد من عدم تحقيق فنزويلا النجاح. لكن قد يكون الأمر متأخراً جداً.
هناك أسئلة في الأفق تتجاوز مستقبل فنزويلا. وسيكون من الصعب على الاقتصاديين التمسك بالأوهام في ضوء التحركات الجريئة لتشافيز.
لكن التمييز الإيجابي يكون في بعض الأحيان كالعلاج بالصدمة، لا غنى عنه لرفع أوضاع الذين يعيشون في بؤس -مثل النساء في جميع أنحاء العالم ، والأشخاص غير البيض، والملاويون في ماليزيا، والداليت في الهند- حتى لو كان ذلك “يدمر آليات السوق”.. للفترة التي أثر فيها على فنزويلا.
يجب على الاقتصاديين المساعدة في رفع الفئة الدنيا، بما في ذلك في البلدان التي ليس لديها ثروة نفطية، وليس فقط لإظهار المشاكل، ولكن أيضا لأنه سيكون من الصعب على اللاهوتيين المسيحيين تجاهل هذا التحدي: “يسوع” عاش بين الفقراء، ولم يكن يعظ فقط على الجبل، ولكنه كان يقوم بالإطعام والتمريض، مع الرحمة على الأرض.
لقد دخل تشافيز -وهو ليس باللاهوتي- هذا المشهد الفكري، حيث كل خطوة ملغومة منذ ألفي سنة بالأخطاء، بالنسبة للبعض، وبالنسبة للكثيرين. لكنه تصرف.
هذه المناقشة الأبدية داخل الكنيسة ليست جديدة، وهانس كونغ يكتب له في رائعة “هل حان الوقت أخيراً، لربيع الفاتيكان؟” (انترناشونال هيرالد تريبيون، 1 مارس 2013).
إن لم يحدث ذلك، كما يقول كونغ، “سوف تقع الكنيسة في عصر جليدي جديد، وتتقلص إلى طائفة غير ذات صلة بالمسيحيين على نحو متزايد”.
يمكن لكونغ نفسه تحويلها، كبابا للعالم كله.
كذلك سوف يكون من الصعب أيضا للمتطرفين من الجناح اليساري رؤية خط فيدل كاسترو كخط وحيد وممكن. فالشرعية الديمقراطية الغربية المتنوعة تستند للتكافلية الاقتصادية والدافع الأخلاقي القوي.
لكن الغرب يميل إلى الخلط بين العنف والصراع، ووقف إطلاق النار مع نزع سلاح “المتمردين”، والديمقراطية المتعددة الأحزاب مع الوساطة، وسيادة القانون تستبعد أفعال الإغفال وحقوق الإنسان تستبعد حقوق الناس.
هناك عباقرة يجعلونا نفكر ونعمل بشكل مختلف، وهكذا نصنع التاريخ.
تشافيز كان واحداً من هؤلاء. شكرا لك يا هوغو
يوهان غالتون عميد جامعة السلام ومؤلف كتاب :” اقتصاديات السلام : من اقتصاد القتل إلى اقتصاد العيش”