بدأ المغرب يتوصل بمليار دولار سنويا على مدى خمس سنوات المقبلة كهبة من الأنظمة الملكية الخليجية في إطار دعم اقتصاد واستقرار المغرب وتفادي هزات الربيع العربي. ولم تقدم المؤسسة الملكية تصورا حول كيفية توظيف هذه الأموال وإن كان الرأي السائد هو توظيفها في مبادرة التنمية البشرية وفي سد بعض أوجه العجز في ميزانية الحكومة علاوة على مشاريع أخرى. وسيكون مفيدا لمستقبل البلاد تخصيص جزء من هذه الأموال في خلق صندوق لدعم المشاريع الاستثمارية للشباب.
ومن ضمن العراقيل التي تمنع تطور الاقتصاد المغربي، احتكار عائلات ونافذين للكثير من مجالات النشاط الاقتصادي، وهذا معطى كلاسيكي وتقليدي في الثقافة والممارسة الاقتصادية المغربية. وإذا كان نضال الشعب وتطور المجتمع قد بدأ يقلص من هذه الممارسات بفضل ارتفاع الوعي السياسي، فهناك معطى آخر مقلق بدأ يتحول الى عنصر هيكلي عائق في الاقتصاد المغربي ويتجلى في قصور الأبناك المغربية وعدم قيامها بالواجب المنوط بها والمتمثل في عدم إضفاء دينامية خاصة على اقتصاد البلاد لأنها تتحفظ على تقديم القروض وإن منحتها فبشروط تعجيزية، علما أن دور الرئيسي للأبناك هو تقديم القروض.
وتشير معطيات الواقع أن الأبناك ترفض تمويل مشاريع الشباب المغربي وهو ما يحول دون تطوير طبقة متوسطة في البلاد، هذه الطبقة المكونة عموما من موظفين ومحامين ومهندسين ويشكل فيها رجال أعمال متوسطين نسبة قليلة جدا.
ويزداد الوضع تفاقما في غياب مؤسسة عمومية تقدم القروض للشباب الذي يمتلك مشاريع ولا يمتلك ضمانات بنكية. وفي الدول الأكثر ليبرالية مثل اسبانيا والولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا واليابان، توجد مؤسسات القرض العمومي التي تقدم قروضا أو تضمن القروض البنكية التي تعطى للشباب. وبل وفي ظل تراجع البنوك عن دورها الكلاسيكي ونظرا لتفاقم الأزمة، تراهن الدول الغربية على تعزيز دور صناديق القروض العمومية وتشترط على الأبناك تقديم قروضا للشركات ورجال الأعمال الصغار.
وفي اسبانيا، جارتنا الشمالية، يوجد معهد القرض العمومي أو صندوق القرض العمومي Instituto de Crédito Oficial وهو بنك عمومي من مهامه العمل على توزيع عادل للثروات الوطنية من خلال برامج تمويل أنشطة الشركات المتوسطة والصغرى وخاصة تلك التي يؤسسها الشباب والشرائح “الضعيفة” مثل الذين تجاوزوا 55 سنة أو المهاجرين. ويزداد دور هذا الصندوق الذي تبلغ ميزانيته عشرات الملايير من اليورو إبان الأزمات الاقتصادية مثل التي تشهدها اسبانيا في الوقت الراهن، حيث تحول صندوق القرض العمومي الى عامل لتنشيط الاقتصاد عبر القروض التي يقدمها أو توفيره لضمانات للأبناك في منحها قروضا للذين لا ضمانات لهم.
وفي دولة مثل المغرب، تشهد قصور الثقافة البنكية، سيكون من الأنسب تأسيس الملك محمد السادس صندوقا للقرض العمومي من هبات الخليج لا يتعدى 200 مليون دولار سنويا يساهم في تمويل مشاريع الشباب ويقدم ضمانات للأبناك في حالة منحها قروضا للشباب بدل تخصيصها فقط لمشاريع التنمية البشرية، التي رغم نبل الفكرة، لم تساهم في خلق مناصب شغل حقيقية لأنها عموما، تقوم مقام أنشطة منوطة بالحكومة وذات طابع أقرب الى أنشطة المجتمع المدني.
فصندوق من هذا النوع، الذي سيبلغ ميزانيته العامة مليار يورو خلال خمس سنوات بمعدل 200 مليون دولار سنويا، سيعمل على تطوير اقتصاد البلاد والمساهمة في إنشاء طبقة من رجال الأعمال المتوسطين قادرين على منح الاقتصاد المغربي دينامية جديدة تساهم في غنى البلاد.
ويبقى قرار الدولة على تقليص صندوق المقاصة دون الرهان على خلق دينامية اقتصادية جديدة، عبر آليات منها صندوق القرض العمومي، تساهم في بروز طبقة متوسطة من رجال الأعمال وأساسا من الشباب مجازفة بالاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد.