يوجد توجس كبير في المكسيك من احتمال تدخل عسكري أمريكي مستقبلا بحجة مواجهة عصابات تهريب المخدرات التي تشكل دولة داخل دولة في هذا البلد. وقد يحدث التدخل إذا جرى تصنيف عصابات المخدرات بالمنظمات الإرهابية بعدما تخصصت في مخدر فينتالينو الذي يخلف مائة ألف ضحية سنويا في الولايات المتحدة.
ومنذ سنوات، يتم بين الحين والآخر طرح ضرورة التدخل في شمال المكسيك للقضاء على عصابات تهريب المخدرات وخاصة الكوكايين، غير أن هذه المرة تتضاعف قوة الأصوات المنادية بالتدخل، وجعلها الحزب الجمهوري نقطة رئيسية في خطابه السياسي مؤخرا، وقد يحولها الى نقطة في برنامجه الرئاسي المقبل. ويعتبر المشرعون الأمريكيون وكذلك الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أن عصابات المخدرات المكسيكية تحولت الى أحد العناصر الخطيرة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، وخطرها يتفاقم تدريجيا. ويتضاعف التخوف من خطر استغلال دول أجنبية هذه العصابات ومساعدتها على تهريب أكثر للمخدرات لتدمير المجتمع الأمريكي عبر الرفع من عدد المدمنين.
ارتياب في دور خارجي
وترتاب الولايات المتحدة في وجود مخطط يتحكم في هذه العصابات لتدمير المجتمع الأمريكي بعدما أصبحت هذه العصابات تقوم بتصنيع الأقراص المخدرة فينتالينو التي تعد قوتها عشرات المرات أكثر من الهيروين والمورفين. ويتساءل خبراء هيئة مكافحة المخدرات الأمريكية وكذلك وزارة الصحة الأمريكية كيف نجحت هذه العصابات في صنع هذه الأقراص من مستوى هذا التخدير، إذ لا تتوفر تقنية التصنيع سوى عند دول لديها تجربة في البحث العلمي. وانطلاقا من هذا، تشكك الإدارة الأمريكية في وجود مخطط أجنبي لضرب المجتمع الأمريكي، ويتم التلميح الى استخبارات أجنبية، في إشارة الى روسيا والصين وإيران. ويعتقد خبراء الصحة الأمريكية أن “انتشار أقراص فينتالينو أخطر من الكوكاببين، فهو يجعل البلاد وكأنها تعيش جائحة مثل كوفيد 19 بشكل مستمر ودائم”.
ويخلف هذا المخدر الجديد منذ ثلاث سنوات مائة ألف من القتلى سنويا في الولايات المتحدة، وهو رقم يتجاوز الضحايا الأمريكيين في كل الحروب التي خاضها البنتاغون، حرب الفيتنام الذين لا يتجاوز عددهم 60 ألف بمن فيهم المفقودين وحوالي 2500 في حرب أفغانستان وقرابة 8000 في حرب العراق، نصفهم من المتعاقدين من شركات عسكرية وليس فقط الجنود الأمريكيين ثم بعض عشرات في سوريا.
نحو تصنيف عصابات المخدرات بالإرهابية
وشكل مقتل أمريكيين اثنين بداية الشهر الماضي بعد اختطافهما رفقة أربعة من طرف هذه العصابات نقطة تحول في معالجة هذا الملف، حيث تدافع مشرعون جمهوريون في الكونغرس الى الدفاع عن ضرورة التدخل العسكري في شمال المكسيك للقضاء على هذه العصابات. في هذا الصدد، تزعم السيناتور الجمهوري المعروف ليندسي غراهام الحملة مؤكدا أنه حان الوقت للتدخل في شمال المكسيك. وكان مشرعون جمهوريون قد تقدموا مؤخرا أمام الكونغرس بمقترح قانون يحمل اسم H.J.Res.18 – AUMF CARTEL Influence Resolution” للتدخل العسكري في شمال المكسيك ضد عصابات المخدرات.
وتدخل ويليام بيلهام بار النائب العام الأمريكي السابق في عهد الرئيس دونالد ترامب، واتهم الرئيس المكسيكي لوبيث أوبرادو بالتستر وحماية عصابة المخدرات، وشدد في مقال له منذ ثلاثة أسابيع في والت ستريت جورنال على ضرورة التدخل العسكري قبل فوات الآوان. وكتب “من الضرورة مجهود أمريكي أكثر قوة داخل المكسيك أكثر من أي وقت مضى بما في ذلك حضور مهم للقوات الأمنية والاستخبارات وقوات النخبة العسكرية”.
وأمام توجس الإدارة المكسيكية من احتمال تدخل أمريكي لاسيما بعدما رفع البنتاغون خطر المخدرات المكسيكية الى مصاف الدرجة الأولى، أكد الرئيس جو بايدن لنظيره المكسيكي لوبيث أوبرادو أربع مرات خلال الأسابيع الأخيرة بأن التدخل العسكري غير مطروح نهائيا. وبدوره، قال رئيس الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي في حوار له الجمعة الماضية مع الجريدة الرقمية المتخصصة في القضايا العسكرية “ديفانس وان” أنه لا يحبذ تدخل عسكري في المكسيك بل التعاون للقضاء على عصابات المخدرات”. وكان مارك ميلي قد شارك في السابق في محاربة عصابات المخدرات في كولومبيا في التسعينات عندما كانت تلك العصابات تكاد تقضي على الدولة بسبب عمليات الاغتيال والتفجير اليومي تقريبا.
ويترز الصحافة المكسيكية أن خطر التدخل الأمريكي عسكريا قد يحصل في حالة ما إذا رفعت واشنطن تصنيف عصابات المخدرات الى مصاف عصابات إرهابية، أو فقدان الدولة المكسيكية سيطرتها على مناطق من البلاد. وجاء مثول المكلف بشؤون امريكا اللاتينية في الخارجية الأمريكية بريان نيكولس بأن هناك مناطق في المكسيك تحت سيطرة كارتيلات المخدرات وليس السلطات المكسيكية. وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد قدم تصريحا مشابها في الكونغرس الأمريكي منذ عشرة أيام، لكنه لم يصنف هذه العصابات بالإرهابية. وإذا أقدمت وزارة الخارجية على تصنيف هذه العصابات بالإرهابية، وقتها ستسهل التدخل العسكري.
ومن ضمن الصعوبات التي يواجهها الجيش المكسيكي في مواجهة العصابات هو ضعف التكوين، ثم عدم امتلاكه سلاح طيران قادر على تنفيذ الهجوم على الأماكن التي يتحصن فيها المهربون وخاصة المناطق التي تضم مختبرات صنع وتحويل المخدرات. والمفارقة ، أنه رغم شساعة المكسيك ، فهي لا تملك سلاحا جويا متطورا بعد طائرات تعود لعقود.
ولهذا، يطالب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بحصول البيت الأبيض على ترخيص من مكسيكو لقصف هذه المختبرات، أو تصنيف الخارجية الأمريكية لهذه المنظمات بالإرهابية للتدخل العسكري.
ويقول المحلل ميغيل زافالا في مقال له في جريدة إسي بي نوتسياس أمس السبت أن أعضاء من الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ وتيارات في الجيش والاستخبارات الأمريكية تهيئ أرضية التدخل العسكري من خلال تراكم المواقف والتصريحات والإجراءات. ويركز أساسا على رسالة وجهها 21 من مسؤولي النيابة العامة في 21 ولاية يوم 8 فبراير الماضي يطالبون الرئيس جو بايدن بضرورة إعلان عصابات المكسيك تنظيمات إرهابية بسبب انتقالها الى تصنيع مخدر فينتالينو الذي تحول الى أكبر خطر على الأمن القومي الأمريكي.
ومن جهته، كتب أوكتافيو دياث غارسيا منذ أيام أن الولايات المتحدة لم تتدخل في المكسيك عسكريا منذ أكثر من مائة سنة، وهذه المرة يبدو أنها لن تصبر كثيرا أمام دراما حقيقية بوفاة أكثر من مائة ألف شخص سنويا بسبب مخدر فينتالينو الذي يأتي في غالبيته من المكسيك. قد نرى تدخلا يشمل ضرب مختبرات التصنيع ومراكز التهريب وملاحقة الإداريين الفاسدين.