كشفت الأزمة المغربية الفرنسية التي انفجرت على خلفية استدعاء القضاء الفرنسي لمدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي لاستجوابه بخصوص اتهامات بالتعذيب، مفارقة مثيرة للغاية ومتناقضة بل وتدعوا إلى السخرية تخص تدبير العلاقات الخارجية للمغرب مع شركاء دوليين في هذه الحالة فرنسا. فقد أظهرت أن شرف المغرب لم يمس من قبل فرنسا إلا بسبب الحموشي، بينما تناست في الوقت ذاته قضايا أخرى قد تكون أهم في معركة السيادة المفاجئة مع باريس. ويوحي الامر كله بتناقضات تدعو إلى السخرية بجرعة مأساوية زائدة.
و منذ قرار القضاء الفرنسي استنطاق مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي على خلفية التورط المفترض للجهاز الذي يديره في عمليات تعذيب لبعض المواطنين المغاربة، وإقدام الدولة المغربية على إجراءات قوية على رأسها تجميد الاتفاقيات القضائية مع فرنسا والتقليل من زيارات المسؤولين الفرنسيين الى المغرب،
ارتفعت أصوات تدافع عن سيادة المغرب وشرفه والتنديد بالمؤامرة التي تستهدف استقراره وتشجب استمرار الأوساط الفرنسية في ممارستها الاستعمارية. وأكد أكثر من مسؤول مغربي أنه يتعين “على فرنسا الادراك أن المغرب حصل على استقلاله سنة 1956″، ونادى مقربون من القصر والطبقة السياسية الموالية بوضع حد لتبعية المغرب لفرنسا ثقافيا وسياسيا. ولكن فجأة، يسقط المغرب الرسمي في تناقضات صارخة تمس سيادته.
والإجراءات والأحداث التي تكشف زيف هذه الشعارات ومحدودية فهم أسس السيادة هي الاتي:
-تنديد الدولة المغربية بالقضاء الفرنسي الذي حاول ملاحقة الحموشي، وهذا من حق الدولة المغربية الدفاع عن موظفيها، ولكنها فجأة لم تتردد في اللجوء الى القضاء نفسه بدعوى مضادة ضد المغاربة الثلاث، عادل المطالسي وزكريا مومني ونعمة الأسفاري والجمعية المسيحية لمناهضة التعذيب. والمنطق يفرض التساؤل التالي: كيف يمكن تجميد الاتفاقيات القضائية مع فرنسا وتلجأ الدولة الى القضاء الفرنسي؟
-إقدام المغرب على تبني الباكالوريا الفرنسية نموذجا في وقت تؤكد الأبحاث العلمية الفرنسية فشل نموذج التعليم الفرنسي، ويبقى التساؤل هنا، لماذا تبنت الدولة المغربية الباكالوريا الفرنسية في وقت كان الأجدر البحث عن نموذج يتماشى والتقدم العلمي الذي حققته بعض الدول؟ ونضيف تساؤلا آخر: ألا يعتبر هذا التبني تبعية حقيقية “لماما فرنسا”؟
-إقدام الناطق الرسمي باسم القصر ومؤرخ المملكة عبد الحق المريني على المشاركة في ندوة تاريخية يومه الأحد تحمل عنوان “المغرب وفرنسا، تاريخ عسكري مشترك: تادلة أزيلال نموذجا”. وأشار المريني في الندوة إلى أن المغرب شارك إلى جانب فرنسا في الحربين العالميتين من أجل الدفاع عن الحرية ومقاومة النازية والفاشية والديكتاتورية، مذكرا بأن الملك الراحل دعا المغاربة إلى التعبئة “لمساندة فرنسا وحلفائها حتى النصر” بموجب رسالة وجهها إلى الشعب المغربي تليت من على منابر أهم المساجد، مدافعا عن الديمقراطية والحرية بتبصر وحنكة واستشراف للمستقبل رابطا بين مفاهيم الحرية والتحرير”. والمنطق هنا يستوقفنا مرة ثانية، هل يمكن في ذروة التوتر مع فرنسا الإشادة بمشاركة المغاربة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، علما أن هذه المشاركة كانت تحت الضغط. كيف يمكن استحضار مثل هذه الأطروحات التي تعمل على تجميل وجه الاستعمار في وقت تقوم الكثير من الدول بإعادة كتاباتها انطلاقا من مفاهيم مختلفة تقوم على التنديد بالإستعمار وليس تجميله. كلام المريني قد يكون نسبيا لو صدر عن مؤرخ هاو، ولكن ليس عن شخص يشغل منصبا ذا دلالة رمزية من قيمة الناطق باسم القصر الملكي ومؤرخ المملكة.
لقد تساءل الناطق السابق باسم القصر وهو كذلك المؤرخ السابق للقصر، حسن أوريد في مجلة زمان، قائلا:” ألا يكون المغرب قد ساهم في رسم “صورة الخليلة” في علاقاته مع فرنسا، مستعرضا الكثير من المعطيات. والآن تأتي الدولة، في ذروة التوتر مع باريس، لتختزل سيادة وشرف المغرب في “ملف الحموشي” وتقدم هدايا لفرنسا مثل الباكالوريا الفرنسية والإشادة بطريقة أو أخرى ، عبر الناطق باسم القصر، بالإستعمار الفرنسي وإضفاء المصداقية على القضاء الفرنسي الذي وصفته بالمتآمر.
حقا إنه تفكير ودبلوماسية “موازين”.