تضاعف أنصار المطالبين بتقرير المصير والداعين الى الانفصال عن المغرب في الصحراء بشكل كبير جدا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وهذه الظاهرة المقلقة لم تحظى حتى الآن بدراسة وبحث من الحكومة المغربية والوقوف على فشل بعض المؤسسات ومنها الاستخباراتية في احتواء هذا الانفصال وفشل أخرى مثل الكوركاس في القيام بدورها.
وعمليا، ارتفعت ظاهرة أنصار تقرير المصير والانفصال عن المغرب في الصحراء، وفي ظرف سنوات قليلة أصبحت مهيكلة بشكل كبير عبر جمعيات معلنة أو غير مرخص لها وانتقل تأثيرها من منطقة الصحراء الى الخارج.
وكانت البداية مع جمعيات حقوق الإنسان مثل “كوديسا” التي من أبرز وجوهها أميناتو حيدر، حيث أصبح المغرب يواجه في منتديات أسماء صحراوية من الداخل وليس بالضرورة ممثلين عن البوليساريو.
وانتقلت الآن الى تجمعات الصحفيين الصحراويين التي تؤسسة لخطاب إعلامي في مواجهة الخطاب الرسمي والحزبي المغربي، إذ تحولت منابر رقمية صحراوية الى مصدر رئيسي للخبر لساكنة الصحراء. ويجري هذا في وقت تستمر وسائل الاعلام الرسمية في تبني خطاب عتيق للغاية، أو رهان بعض المنابر الرقمية التي تتبنى السب والقذف بدل تبني خطاب ذكي قادر على الإقناع وكأن السب سيمنع من ارتفاع حدة الانفصال.
وفي الوقت ذاته، جرى تأسيس مرصد مراقبة الثروات الطبيعية في الصحراء الذي يخلق للمغرب قلقا حقيقيا بسبب دوره في ثني شركات بترولية من التنقيب في الصحراء، وكذلك خلق مشاكل حقيقية للمغرب في تجديد اتفاقية الصيد البحري التي تنتظر معركة قوية بشأن مصادقة البرلمان الأوروبي عليها علاوة على بدء بعض المتاجر في شمال أوروبا عدم استيراد المنتوجات المغربية من الصحراء.
ويأتي ارتفاع حدة الانفصال في الداخل ليزيد من ملف الصحراء صعوبة بحكم التراجع الذي يسجله المغرب في الخارج، إذ فشلت الدبلوماسية والاستخبارات العسكرية نسبيا في احتواء تقدم البوليساريو بدعم من الجزائر في المنتديات الدولية وآخرها تأسيس لجنة في الكونغرس الأمريكي منذ أسبوعين لدعم “البوليساريو” علاوة على اعتراف البرلمان السويدي بما يسمى جمهورية الصحراء ونتائج أخرى في الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية.
وإذا كان المغرب قد استطاع الصمود في الدفاع عن حقوقه ومواقفه، فالفضل يعود بقدر كبير الى غياب الانفصال في الصحراء في الماضي وضعف أنصار تقرير المصير. لكن هذا المعطى بدأ يتغير بشكل كبير في الوقت الراهن وله انعكاسات خطيرة على مستقبل نزاع الصحراء بشكل لا يصب في مصلحة المغرب نهائيا.
ورغم التطورات المقلقة الحاصلة، لا يشهد المغرب نقاشا حول الخلل وراء هذه الظاهرة التي تزيد من إضعاف المغرب رغم التصريحات الرسمية التي تحاول تقديم معطيات غير حقيقية في بعض المناسبات. ومن أبرز عناصر الخلل:
-فشل السلطات الرسمية في فتح حوار مع دعاة أنصار تقرير المصير وتغليب العنف في بعض الأحيان لمواجهتهم خلال التظاهرات التي يقومون بها.
-فشل مؤسسات أحدثتها مثل المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية “كوركاس” الذي لم يفشل في دوره بل زاد الوضع تأزما.
-تماطل الدولة في الرهان على الأحزاب الوطنية والديمقراطية لتلعب دورا في مواجهة أو إقناع دعاة الانفصال وتقرير المصير بحكم أن هذه الأحزاب لديها مصداقية تاريخية ومناضلين شرفاء.
-فشل أجهزة استخباراتية مثل المخابرات المدنية التي يرأسها عبد اللطيف الحموشي. فالدور الرئيسي والنبيل للإستخبارات في الدول الواعية يتجلى في مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن القومي ومن ضمن ذلك وضع مخططات وأجندة لاحتواء المخاطر التي تهدد البلاد وليس التنصت على المكالمات وتسريب أعراض الناس للصحافة المأجورة كما يحدث في بعض الدول ومنها…. ويبقى الخطر الرئيسي الذي يهدد وحدة المغرب هو القوة المتصاعدة لأنصار تقرير المصير والانفصال.
ويذكر أن عمل المخابرات المغربية لا يخضع لأجندة تسطرها الحكومة ولجنة برلمانية بل لجهات عليا والجهاز نفسه يسطر هذه الأجندة، كما لا تخضع المخابرات للمراقبة القضائية والبرلمانية والحكومية.
والتساؤل هنا: ما هي أجندة المخابرات المدنية في الصحراء؟ لا أحد يجادل أن للمخابرات المدنية أجندة تهدف بها الى احتواء الانفصال، لكن كل مؤشرات الواقع المعاش تدفع الى القول بفشلها على شاكلة نظيرتها العسكرية وأساسا الدبلوماسية المغربية. وهذا الفشل يعود الى خلل في التصور وآليات تطبيقه.
ورغم وجود خلل في عمل الكوركاس والمخابرات المدنية، يستمر الخلل بدون نقاش عام وسط البرلمان والحقل الحزبي ومؤسسات الدولة لتدارك الأمر.