نجح عبد الإله بن كيران، رئيس أول حكومة مغربية يقودها حزب إسلامي، في إنقاذ حكومته بإدخال حزب جديد وشخصيات مستقلة لتعويض حزب الاستقلال(محافظ) المنسحب من الأغلبية في يوليو/ تموز الماضي. لكن التحاق حزب التجمع الوطني للأحرار(وسط ليبرالي)، الخصم الرئيسي للإسلاميين خلال انتخابات 2011 بحكومتهم، يثير التساؤل حول كلفة التعديل الحكومي بالنظر لمصداقية خطاب الإصلاح وصورة حزب العدالة والتنمية. خاصة في ظل ارتفاع أصوات الاستياء، حتى من داخل الحزب الإسلامي نفسه، من كثرة عدد الوزراء والعودة القوية للتكنوقراط في التشكيلة الجديدة.
حجم الاستياء كان بالغا لدرجة كونه غطى على ارتفاع عدد النساء في الحكومة من وزيرة واحدة إلى ستة وزيرات، ما خلف ارتياحا نسبيا لدى الحركة النسائية.
مصداقية خطاب الإصلاح
في يوليو/ تموز الماضي قبِل الملك محمد السادس استقالة خمس وزراء من حزب الاستقلال ثاني قوة نيابية في البرلمان المغربي، لتفقد حكومة عبد الإله بن كيران الإئتلافية أغلبيتها في البرلمان. وكان أمام رئيس الحكومة خياران إما حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات جديدة أو مباشرة مفاوضات مع أحزاب المعارضة لترميم حكومته. من مفارقات المشهد السياسي في المغرب أن حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان المنافس الرئيسي للإسلاميين في انتخابات 2011، بدا منذ الوهلة الأولى الأقرب لتعويض حزب الاستقلال.
انطلقت مفاوضات طويلة تميزت على الخصوص بمطالبة صلاح الدين مزوار، رئيس حزب الأحرار بتولي وزارة المالية كاملة، وإبعاد الإسلامي إدريس الأزمي من منصبه وزيرا منتدبا مكلفا بالميزانية. تطور مثير بالنظر لكون صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع، كان محط اتهامات من قبل الإسلاميين بتلقي علاوات غير قانونية لما كان وزيرا للمالية على عهد الحكومة السابقة. حتى أن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات سبق له أن أعلن للصحافيين في يونيو 2012 فتح تحقيق قضائي فيما بات يعرف بقضية “العلاوات”، قبل أن تتجه الأمور نحو متابعة موظفين في وزارة المالية اٌتهما بتسريب وثائق القضية للصحافة.
بعد أسابيع من الغموض والترقب نجح بن كيران في إبعاد حليفه الجديد عن وزارة المالية والاحتفاظ بالأزمي وزيرا للميزانية. نجاح لا يستبعد أن يكون ساهم فيه ضغط الرأي العام الافتراضي في المغرب، من خلال موجة الغضب التي عبر عنها نشطاء المواقع الاجتماعية ودعوة بعضهم للاحتجاج في الشارع إن عين مزوار وزيرا للمالية.
لكن ذلك لم يكن كافيا لإقناع معارضي خيار بن كيران باللجوء لخصمه القديم. “من دون شك أن عودة حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، تشكل ضربة لمصداقية خطاب الإصلاح عند الإسلاميين. فالعدالة والتنمية لم ينل الرتبة الأولى في انتخابات 2011 إلا لكونه قدم عرضا سياسيا مناقضا لعرض مجموعة الثمانية التي كان يتزعمها حزب التجمع.” كما يرى أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حوار مع DW.
أخفُ الأضرار
موجة الغضب طالت صفوف الحزب الإسلامي نفسه. عبد العالي حامي الدين يوضح لـDW أن “هناك داخل الحزب من هو راض عن تشكيلة الحكومة الجديدة، وهناك من هو منزعج لنتيجة المفاوضات. الأمين العام للحزب وحده يعلم تفاصيل وأسباب ما حدث بناء على التفويض الممنوح له بمباشرة المفاوضات. لذلك لا يمكنني الحديث عن تقييم الحكومة الجديدة قبل أن تجتمع الأمانة العامة للحزب ونسمع من عبد الإله بنكيران كل التفاصيل الضرورية لفهم ما جرى.”
في هذا الخضم خرج الموقع الالكتروني الرسمي لحزب العدالة والتنمية بافتتاحية يوضح فيها تقييم الحزب لما وقع. تذكر هذه الافتتاحية أن السياق الذي تمت فيه مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة تميز بـ”تأثيرات مسار إجهاض ثمار الربيع الديمقراطي وإنهاء حكم من حملتهم إرادة الشعوب إلى تلك المواقع،”. وأن “التجربة المغربية لم تكن بمنأى عن تلك التأثيرات لالتقاء إرادة خصوم التجربة السياسية المغربية مع إرادة نظرائهم في الخارج”.
وتستنتج الافتتاحية”لذلك كان متصورا أن تنهار المفاوضات لتشكيل الأغلبية الجديدة في أي لحظة، وأن يدخل المغرب بسبب ذلك في المجهول، لضيق الإمكانات التي تتيحها المرحلة، وهو ما كان من شأنه لا قدر الله أن يمس بالاستقرار الذي ينعم به المغرب وسط محيط إقليمي متقلب ومفتوح على كل الاحتمالات.” لكن عبد الإله بن كيران، يضيف المقال، فضل “التصرف بمنطق التوافق مع كل الفرقاء السياسيين وتغليب المصلحة الوطنية على اعتبارات المصلحة الذاتية، فيما تعلق بتوزيع بعض الحقائب الوزارية، وهذه “ضريبة” من يقود السفينة أن يتنازل بالقدر الممكن لركابها حتى لا تتوقف أو تغرق.”
بعض المتتبعين يرى مع ذلك أن بنكيران تمكن من تحقيق بعض المكاسب السياسية مثل حفاظه على محمد الوفا، وزير التربية الوطنية الوحيد الذي لم يستقل مع الوزراء الاستقلاليين الخمسة، رغم تغيير منصبه نحو وزارة الشؤون العامة والحكامة.
عودة التكنوقراط
استناد الموقع الالكتروني الرسمي لحزب العدالة والتنمية على “إكراهات(ضرورات) السياق الإقليمي” في مواجهة الانتقادات الواسعة لما أسفرت عنه مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، لا يبدو كافيا لإقناع الغاضبين. فإذا كانت هذه “الإكراهات” قد أجبرت بن كيران على التحالف مع من ظل يكيل له تهم الفساد وخدمة الاستبداد، فإنها لا تبرر العدد الكبير للوزراء الذي انتقل من 31 إلى 39 وزيرا. ما ولد شعورا بأن ترضية الأحزاب والأشخاص هي التي تحكمت في تشكيل الحكومة الجديدة وليس الحاجة الموضوعية لهذه الوزارة أو تلك. حتى أن الحكومة الجديدة صارت تضم وزيرة منتدبة لدى وزير التعليم العالي دون تحديد وظيفة الانتداب. “انتقلنا من حكومة تصريف الأعمال إلى حكومة تفريخ الأعمال” يعلق أحد رواد موقع “فايسبوك” ساخرا.
عودة الوزراء التكنوقراط غير المنتمين لأحزاب سياسية شكلت هي الأخرى مبعث استياء. فبعد فترة قصيرة قضاها أمين عام حزب الحركة الشعبية( توجه أمازيغي) امحند العنصر على رأس وزارة الداخلية كأول سياسي يسير هذا الجهاز في عهد الملك محمد السادس، غادر منصبه لصالح محمد حصاد. نفس الشيء بالنسبة لوزارة التعليم التي عاد إليها رشيد بلمختار بعدما سبق له تسييرها في تسعينيات القرن الماضي، وذلك خلفا لوزير سياسي هو محمد الوفا الذي خص الملك محمد السادس حصيلته على رأس هذه الوزارة بانتقادات مباشرة في خطاب 20 غشت الماضي.
ويُنظر إلى أغلب الشخصيات التكنوقراط التي تتولى حقائب وزارية في حكومة بن كيران، بأنها قريبة من القصر. ويُعد التكنوقراط في سياق المشهد السياسي المغربي، عبارة عن ضِرار للأحزاب السياسية، حيث يتنامى نفوذ التكنوقراط عندما يتراجع دور الأحزاب.