تحل الذكرى العشرين لتولي محمد السادس العرش العلوي، وهي مناسبة لإجراء تقييم موضوعي ومنطقي لهذه الفترة الزمنية من الحكم، التي تعتبر نسبيا طويلة بشأن استمرار شخص في أعلى المراتب في المسؤولية السيادية. والحديث عن التقييم هو طرح التساؤلات حول التقدم من عدمه، المسجل في مختلف القطاعات. وبالمفهوم الجيوسياسي (جيوبولتيك) هل نجح الملك محمد السادس في تحقيق قفزة نوعية في مسار التقدم، على شاكلة دول مثل إيران وتركيا وماليزيا، ومنح المغرب مكانة جديدة في الخريطة الدولية؟
وكل تقييم يستوجب معرفة الشروط التي وصل فيها الملك إلى تولي كرسي العرش، هل كانت مناسبة أو العكس؟ ومن خلال إطلالة على التاريخ المغربي منذ بداية الميلاد مع ملوك مثل يوبا الثاني، وحتى رحيل الملك الحسن الثاني، مرورا بمختلف الملوك الذين حكموا البلاد من سلالات المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والوطاسيين، لم يسبق لملك أن تولى العرش في ظروف داخلية وخارجية مريحة مثل محمد السادس. واجه أغلب الملوك السابقين ثورات وانتفاضات وتمردات وضغوطات خارجية وتشكيكا، بمن فيهم الملك الحسن الثاني، باستثناء محمد السادس الذي وجد الدعم اللامشروط من الداخل، حتى الحركات السياسية الراديكالية مثل العدل والإحسان الإسلامية، والنهج الديمقراطي الشيوعية التي منحت هدنة للملك الشاب، الذي بشّر بمغرب جديد تحت عنوان «العهد الجديد». في الوقت ذاته، حصل الملك على دعم مطلق من طرف القوى الكبرى مثل، الولايات المتحدة وفرنسا، ومن طرف الدول المجاورة مثل إسبانيا. وعليه، كان الملك محمد السادس في مستوى التطلعات، لتحقيق القفزة النوعية للمغرب في شتى المجالات، للالتحاق بقطار النهضة، هذا القطار الذي فقده المغرب منذ قرون، عندما أغلق أبوابه أمام النهضة الأوروبية، ومنع حتى دخول المطبعة لقرون طويلة ليغرق في الظلام الحضاري.
وهناك عنصر مهم لتقييم مرحلة محمد السادس، فهو من الملوك العلويين الذين حكموا فترة تعتبر نسبيا طويلة، وهذا يعني أنه توفر على الوقت الكافي لبلورة وتطبيق مشاريعه، وهي أطول فترة في السلالة العلوية، بعد كل من السلطان إسماعيل والسلطان عبد الرحمن والسلطان سليمان والسلطان الحسن الأول، وجده الملك محمد الخامس وأبيه الحسن الثاني. وهذه الفترة الزمنية، عقدان، تستوجب كذلك المقارنة مع إنجازات الملوك العلويين وباقي السلالات، رغم استمراره في العرش. ولترجمة التساؤل إلى شيء ملموس وواقعي: هل تحول المغرب إلى قوة اقتصادية؟ هذا يستدعي معرفة مستوى المديونية ومستوى النمو الاقتصادي ومستوى الدخل الفردي خلال العشرين سنة الأخيرة، علاوة على البنيات التحتية للبلاد، هل تساعد على القفزة الاقتصادية؟ لعل الجواب سنجده في التقارير الدولية ومنها تقارير الأمم المتحدة حول الرتبة التي يحتلها المغرب بين باقي الأمم.
في الوقت ذاته، وفي جانب آخر لتفكيك التساؤل العريض إلى أسئلة، وهذه المرة في ما يتعلق بالمجتمع أو وحدة الشعب، هل شهدت العشرين سنة الأخيرة استراتيجية توظيف موارد الوطن وخيراته من أجل استفادة الجميع من هذه الخيرات لجعل الشعب يلتحم أكثر؟ أم أن البلاد شهدت فوارق طبقية كبيرة؟ وارتباطا بالمجتمع دائما، هل شهدت حقبة حكم الملك محمد السادس، جودة مجتمعية من حيث توفير تعليم يضمن معارف تهيئ لنهضة حقيقية؟ وهل جرى توفير نظام صحي لائق بمتطلبات المغاربة صحيا؟ وتعتبر الصحة والتعليم من الأركان الضرورية لكل نهضة حضارية ورقي مجتمع ومغادرة أي شعب ووطن التخلف نحو التقدم. ويفيدنا في هذا الصدد لمعرفة الحقيقة الوقوف ورصد مستوى التنمية وكذلك مدى رغبة الشباب في البقاء في وطنهم أو الهجرة منه بشتى الطرق إلى مستوى الهروب الجماعي.
وتعتبر الوحدة الترابية من أهم ركائز التقييم الجيوسياسي، وتكفي معرفة أن كل السلالات السلطانية أو الملكية التي حكمت المغرب، وتناوبت بالقوة على السلطة ارتكزت على عاملين لتبرير شرعيتها، الدفاع عن حوزة الوطن ومحاربة فساد السلطة القائمة. يعتبر المغرب من الدول القليلة الذي يفتقد لخريطة سياسية واضحة بسبب استمرار التوتر في الصحراء، وبسبب استمرار احتلال إسبانيا لمدينتي سبتة ومليلية، وبعض الجزر في المتوسط. وعليه، هل ارتقى المغرب بدبلوماسيته إلى مســـتويات قوية للحسم في السيادة على الصحراء أمام المنتظم الدولي، واستعادة تلك الأراضي التي يسيطر عليها البوليساريو، علاوة على الضغط على إسبانيا لفتح مفاوضات حول مستقبل سبتة ومليلية أم لا؟
هل جرى وضع المغرب على سكة الإصلاح الديمقراطي بعد دستور 2011 الذي جاء بفضل الربيع العربي، وهذا يعني حرية التعبير للصحافة والانتقال من مركزية التسيير إلى الجهـــوية أو الحكم الذاتي لتطوير المغرب؟ هل نجح الملك محمــد السادس في تخليص البلاد من آفة الفساد، بحكم أن الفساد أصبح المعرقل الرئيسي في مختلف الدول بما فيها المغرب، للانتقال نحو شروط موضوعية تقنع المواطن بالثقة في مستقبل بلاده؟
تختلف وتتعدد زوايا عملية تقييم 20 سنة من حكم الملك محمد السادس، إن باستحضار المعطيات الدقيقة المتعلقة بالتساؤلات التي نطرحها في المقال، أو بعبارة أخرى، إيجاد القارئ المعطيات والاجتهاد على التساؤلات، كافية لكي يحصل على جواب وفق رؤيته وقناعاته بدل الاكتفاء أو التأثر بتحاليل كثيرة قد تكون قاسية أو متملقة أو أقرب إلى الموضوعية حول عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس. للقارئ الحكم على عقدين من تولي الملك محمد السادس العرش.