تعتبر أفعال المجلس العسكري الحاكم في مصر علامة غير جيّدة خصوصا بعد تضارب الأحداث الأخيرة عبر عبر المجلس العسكري خطّ اللاعودة بإفراجه عن الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك وتقتيله لأزيد من ألف متظاهر موالي لجماعة الإخوان المسلمين خلال سلسلة من عمليات إطلاق النار الشامل،مما يدل على أنه لن يكون هناك تصالح بين الإخوان و الجيش.
انتقد الرئيس أوباما هذا التدخل العسكري ليتم وقف إمدادات الجيش بمقاتلات إف16 و إلغاء المناورات العسكرية المصرية-الأمريكية، وربما سيكون هناك تخفيض في المساعدات الإقتصادية،إلا أن هذه العقوبات ستكون عديمة الجدوى بل ستأتي بنتائج عكسية كما حدث مع الباكستانيين في قضية أسلحة الدمار الشامل حيث انقطعت كل من واشطن و إسلام أباد. يبدو إذن أن الجيش المصري يعرف مايفعل وهو لن يردع.
هناك الكثير من السيناريوهات منها تصعيد الأحداث إلى حرب أهليّة على غرار ماحصل في الجزائر وسوريا في التسعينيات، فل اطالما كانت هناك مواجهات عنيفة بين المتطرفين الإسلاميين و الجيوش الحاكمة، وغالبا ما يضم الجيش حكومة استبدادية متألفة من بعض المدنيين كمظهر من الديموقراطية المتسلّطة، مما لايترك للولايات المتحدة خيارات جيّدة ولا أي نفوذ مؤثر.
من المحتمل أن الحكومة العسكرية الجديدة ستكون على رأس السلطة لفترة طويلة ،ومن المرجّح أنه سوف يتم حل و حظر جماعة الإخوان المسلمين التي ستعود إلى سنوات ما بين 1954 و 1970 حيث كانت جماعة تحرضية مدعومة من طرف السعودية حينما كانت تعارض نظام جمال عبد الناصر بشدّة أما الآن فالسعودية تماما مثل إسرائيل تدعم القوات المسلحة المصرية بشكل كبير .
فقد أعلن الملك عبد الله في بيان نادر للخارجية السعودية بث يوم الخميس على التلفزيون السعودي، أن ماحدث في مصر هو قضيّة عربية فقال ”فليعلم أولئك الذين يتدخّلون في الشؤون الداخلية لمصر أنه يأججون نار الفتنة و يشجعون الإرهاب الذي يسمونه جهادا” بدون إشارة إلى أي إسم أو دولة.
وهي بالضبط نفس اللغة التي استخدمتها المملكة السعودية باتهامها للولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر سنة 2011 عندما علّقت الرياض على دعم واشنطن لإسقاط مبارك. إسرائيل كذلك تعمل على شن حملة عالمية لإقناع الولايات المتحدة والغرب على عدم التخلّي عن الجنرالات المصريين كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤول إسرائيلي.
”إننا نحاول أن نتحدّث إلى الجهات الرئيسية الفاعلة والدول الرئيسية والتعبير عن وجهة نظرنا التي لاينبغي أن تكشف ولكن ليس هناك بديل” كما فسّر المسؤول : ”إن أصررت على المبادئ الكبيرة فستفوّت ماهو ضروري و جوهري وهو إرجاع مصر إلى مسارها الصحيح مهما كلّف الأمر.فأولا يجب الحفاظ على من تستطيع ثم الإتفاق بعد ذلك على الديموقراطية و الحرية و هلم جراُّ.
إنّه لمثير للإهتمام أنه بينما كانت إسرائيل و حلفاؤها الأمريكيين بمن فيهم لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية وللوبي اليهودي واشنطن، تسعى للإبقاء على دعم جنرالات الجيش المصري، حلّ وفد من شخصيات المحافظين الأمريكيين الرئيسيين مثل ”جون ماكين” و”ليندسي غراهام” بالقاهرة الأسبوع الماضي في محاولة فاشلة لكبح الأزمة التي انحرفت عن خط ”الأيباك” ليعلنو أنه ليس لحكومة الولايات المتحدة إلا أن تدين الإنقلاب إن توقف الدعم الأمريكي لمصر،تجدّد الضغط لأجل استعادة حكومة ديموقراطية في القاهرة.
ولكن لم تكن وجهات نظر ماكين و غراهام كما أرادو لها أن تكون فالإسرائيليون حلّو المسألة قبل ذلك فقد وجدو أن قطع علاقة أمريكا بمصر الأن سوف تعوّض بالدعم المادي من طرف السعودية و الكويت والإمارات و ربما قطرو ستنزاح مصر إلى روسيا و الصين من أجل الأسلحة والدعم السياسي.
فقد تمت معالجة العجز الأمريكيّ المروع في مقالين مهمين جداّ من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست مطلع نهاية الأسبوع والجانب الأكثر إذهالا هو أن وزير الدفاع الأمريكي ”تشاك هاجل” و الذي أقنع نفسه على تأسيس نوع من العلاقات مع الجنرال المصري السيسي بما لايقل عن سبعة عشر مكالمة هاتفية بغرض إقناعه بعدم التحرّك بعنف ضد الإخوان المسلمين المعسكرين بالقاهرة و بأماكن أخرى و لكنّه فشل. ليس هذا فحسب بل قابل وفد رسميّ أمريكي نظيره العسكري المصري و آخرون بما فيهم أحمد البرادعي الزعيم المدني الفاشل و الذي استقال بعد المجزرة بدون أي جدوى كما ذكرت واشنطن بوسط.
قبل أسبوعين من حملة العنف الدامية التي وقعت في القاهرة،تباحثت إدارة أوباما مع الأوروبيين و حلفائها في الخليج إلى أن أوشكت التوصل إلى اتفاق مع الإسلاميين المناصرين للرئيس المخلوع محمد مرسي بإخلائهم لمخيّمات الشوارع في مقابل التعهّد بوقف السلطات المصرية للعنف مؤقّتا.
فشلت كافة الجهود التي بذلتها حكومة الولايات المتحدّة بجميع تملّقاتها و تهديداتها المبطنة و سبعة عشر مكالمة من طرف وزير الدفاع الأمريكي شاك هاجل، في منع وقوع أبشع سياسة إراقة دم في تاريخ مصر الحديث ،حيث قام الجنرالات في القاهرة بسهولة بتجاهل الأمريكين أوّلا بإطلاق سراح مبارك ثم بتجاهل البيان، بأعين باردة قاموا بعملية حسابية كونهم لن يخسروا شيئا بحل الشراكة العسكرية المصرية الأمريكية.
فبينما كانت الولايات المتحدة تعمل مع الإمارات على الأزمة خلال أسبوعين قبل المجزرة .تبيّن أن الإمارات على نفس موقف المملكة السعودية ببساطة قامت الولايات المتحدة بتكرير الأمر ببساطة.كما جاء في التايمز.
ولكنه في حين تحدّث كل من القطريين و الإماراتيين عن ”المصالحة” أمام الأمريكيين. اعتقد ديبلوماسيين غربيين هنا أن الإماراتيين قاموا بحثّ القوات العسكرية المصرية باتخاذ إجراءات صارمة ضد الإخوان المسلمين بشكل خاص.
فقد ذهب وزير الخارجية الإماراتي عبد الله ابن زايد آل نهيان إلى واشنطن الشهر الماضي لحث الأمريكيين على عدم وقف المساعدات .فأيّدت الإمارات إلى جانب السعودية بسرعة إستلاء الجيش على السلطة مع تعهد بتقديم ملايير الدولارات وتقويض التهديدات الغربية بقطع القروض الحاسمة و المساعدات.
مكالمات هاجل للسيسي الغير مجدية :
حاول هاجل وزير الدفاع الذي أصبح القائد الفعلي للبلاد، إقامة اتصال مع الجنرال السيسي، السيد هاجل رجل حرب الفيتنام المخضرم البالغ 66 سنة ،أحس بالجنرال السيسي 58 سنة خريج جامعة كلية الجيش الأمريكي الحربية ببنسلفينيا على الفور عندما التقيا في أبريل،كما قال أحد المسؤولين الأمريكيين.
فخلال سلسلة من المكالمات الهاتفية حاول هاجل الضغط على الجنرال السيسي لنقل السلطة مرّة أخرى إلى الحكم المدني ،فقد تحدّثوا هاتفياّ كل يوم تقريبا لساعة أو ساعة و نصف وقد طالت بسبب استخدام المترجمين. لكن الجنرال السيسي كان يشتكي من إدارة أوباما والتي لا تقدّر تماما أن الإسلاميين يشكّلون خطرا على مصر وجيشها،كما طالب الجنرال من هاجل نقل هذا الخطر إلى أوباما،كما صرّح مسؤولون أمريكيون.
”إن جميع التقارير التي وردت إلينا تشير إلى أن الإخوان المسلمين هي جماعة إرهابية” كما قال أحد الضبّاط الأمريكيين الذي لم يكن مخوّلا للتحدث عن حوار هاجل و السيسي علنا.