تعاني السلطة في المغرب، من ثلاثة مشاكل بنيوية خطيرة؛ الأولى، أنها لا ترى في الصحافة إلا “بوقا” لتمجيد منجزاتها والتهليل والتطبيل لسياستها ومشاريعها، عكس هذا، فالصحافة في نظرها مجرد متآمرة مع الخصوم وعدوة لها و للوطن، إنها تعجز أو ترفض أن ترى الصحافة سلطة مستقلة عنها شريكة لها في بناء هذا الوطن؛
المشكلة الثانية، أن السلطة لا تُقدر قيمة وجود صحافة مستقلة، على مصلحتها الاقتصادية وصورتها الحقوقية، فبوجود صحافة مستقلة يجد المستثمرون الغربيون ما يشجعهم على المغامرة باستثمار أموالهم في المغرب، وعلى مستوى صورتها الحقوقية يقتنع المغاربة والعالم بجديتها في مشروع الحكم الذاتي في الصحراء وتدافع عن نفسها قليلا ضد التقارير الدولية التي تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان؛
المشكلة الثالثة وهي الأخطر، من وجهة نظرنا المتواضعة، أن السلطة، إذا أحسنا بها الظن، تنطلق من فرضية نعتقد أنها غير صحيحة، قِوامهاُ أن التوازنات الاجتماعية والسياسية هشة في البلاد، وأن أي سُرعة صحافية أو حقوقية تفوق سرعتها في معالجة الأمور، قد تبعثر أوراقها وتدفع في اتجاه انفلات الوضع من يديها. لكن السلطة لا تريد أن تدرك أن التوازنات الهشة من صناعتها وتحكمها، كما لاتريد أن تدرك خطورة هذه المقاربة الأمنية على شرعيتها، التي هي أساس كل شيء، فمع إجهازها على الصحافة المستقلة والحقوقيين المستقلين، تقدم انطباعا للرأي العام الوطني والدولي بأنها خائفة على وجودها وكأنها بلا شرعية ومشروعية، ما قد يجعل حلفاؤها مستعدين للتخلي عنها، متى مالت موازين القوى لجهة ما، ولو قليلا، ولنا في دروس الربيع الديمقراطي عبرة لمن أراد أن يعتبر.
وكما تعاني السلطة مشاكل في الفهم، تعاني بعض النخب الراغبة في تغيير الأوضاع من مشاكل أعوص، إما أخلاقية سكيزوفرينية، تتعلق بالهوة الحاصلة بين الخطاب والممارسة، ويتجلى ذلك من خلال مقالات البعض وتدويناتهم على صفحاتهم وتصريحاتهم داخل البرلمان أو لوسائل الإعلام، في غياب أي حضور مادي لهم في الواقع من خلال مشاركتهم في الوقفات ضد محاكمة الصحافيين أو الاعتداء على القضاة، بل رئيس غرفة بمحكمة النقض، وإما مشكلة فكرية تتعلق فقط بعدم تقدير هذه النخبة لطبيعة المعارك الحقيقة ذات الأولوية في إطار الصراع من أجل مغرب ديمقراطي، لا يمكن بناؤه بدون صحافيين وحقوقيين وقضاة مستقلين وفاعلين في جميع المجالات بتوافق مع الوطنيين والشرفاء داخل السلطة، ضد أعداء الوطن الموجودين داخل السلطة وخارجها.
كما تعاني بعض النخب والراغبين في التغيير، أمرين (نحن نتحدث عن البعض وليس الكل فهناك اسثتناءات طبعا) الامر الأول أنهم لا يفرقون بين الشخص وبين صفته كصحفي، وإذا كانت حياة الشخص لا تعني أحدا، وبالتالي فليذهب إلى الجحيم، فإن صفته كصحفي تعني الجميع لأنها ليست ملكا له بل ملك للصحافيين والمثقفين والحقوقيين وكل الشعب المغربي، شأنه شأن أي شخص يحمل هذه الصفة؛ وحين نصمت علي أي اعتداء ضده فنحن لا نصمت فقط عن جريمة ضد شخص، وإنما نصمت على جريمة ضد شعب باكمله، مادام الصحفي/ الفريسة، يتابع على ممارسته المهنية، وليس على أفعال شخصية تتعلق بحياته الخاصة. الأمر الثاني أن هذه النخبة المعنية بكلامنا، لا تقدر جيدا خطورة الإجهاز على موقع أو جريدة، على مصلحتها ومصلحة الوطن ككل، فحين تنعدم المواقع والجرائد المستقلة من حياة بلد، فإن الجهات الفاسدة ستذبح الجميع عاجلا أم آجلا.
تنجح السلطة في القضاء على الصحافة، بنسبة ثلاثين في المائة حين يكون الحقوقيون والفاعلون المدنيون والبرلمانيون والمثقفون والنشطاء الاجتماعيون، في معسكرها ضد “الصحفي/ الفريسة، من خلال استغلالها لصمتهم ضد ما يُحاك ضده، وتتكفل المؤسسات الإعلامية بنسبة 70 في المائة الباقية، إما عبر نشر معطيات مغلوطة ومغرضة عن الصحفي/ الفريسة، وإما عبر استغلال السلطة لعدم تعبئة الصحافة للرأي العام لموضوع الجريمة ضد “الضحية”. وفي جميع بلدان العالم، حين لا تجد السلطة رأيا عاما يحتج على ممارستها، تُفتَحُ شهيتها على التغول أكثر، وتزداد رغبتها في اكتساب مساحة أكبر من السلطة والتحكم، فتكون الديكتاتورية.
وحين لا يُغَطوا الصحافيون محاولات إجهاز السلطة على الصحفي/الفريسة، فليس بالضرورة أن يكون ذلك بإيعاز من السلطة أو توجيها منها، فقد تكون بواعثه فقط نفسية لدى بعض الصحافيين تجاه الصحفي/ الفريسة، إما لغيرة من مشواره، أو لنرجسية مفرطة بموقعهم ومنتوجهم الإعلامي، أو لانطباع سلبي تشكل لدى المعنيين عن الصحفي/ الفريسة، نتيجة وشاية من مُغرض، أو سوء فهم نجم عن مقابلة، أو تعبير من المعني في لقاء معين، لكن كل هذا لا يبرر الصمت على الجريمة ضد الصحفي/ الفريسة، لكون معلومة الإجهاز على “الضحية”، حق للرأي العام في معرفتها، على الجريدة او الموقع الإلكتروني نقلها بصرف النظر عن علاقتها به أو انطباعات الصحفيين اتجاهه.
تخيلوا معي فقط نوابا برلمانيين يطرحون سؤالا عن سر متابعة صحفي واستثناء زعيم سياسي مثل ادريس لشكر أو شخص مثل الناطق الرسمي سابقا باسم القصر الملكي حسن اوريد إذا كانت النيابة العامة اقتنعت أن ما كتبه الصحفي في قضية شاب الحسيمة كريم لشكر يعد جرما، مع وقوف زعماء سياسيين وكتاب وصحافيين ونشطاء يوم محاكمة الصحفي أمام محكمة عين السبع، أو يصدرون بيانات، هل كانت السلطات ستفتح للصحفي ملفين جديدين وتحقق معه لمدة خمس ساعات دون أكل ولا حتى كوب ماء، تخيلوا نفس الوضع مع القاضي الهيني والقاضي نجيب البقاش هل كانت السلطات ستجرؤ على “بهدلة” رئيس غرفة بمحكمة النقض وهو محمد عنبر بتلك الطريقة المسيئة للملك باعتباره رئيس المجلس الأعلى للقضاء والشعب والوطن؟ وهل كان الرميد سيجرؤ اليوم على توقيف قاضي العيون، فقط لأنه طالبه بمحاربة الفساد داخل المحكمة؟ تخيلوا فقط.
وعندما نثير مشاكل بعض النخب، فليس بغرض استدرار عطف أحد، أو أننا في موقف ضعف، فنحن والحمد لله في موقع قوة لعدالة قضايانا، و بدليل تعاطف الآلاف معنا، وتحالف أكثر من وزارة ضدنا في أكثر من ملف معروض على القضاء، وإنما نثير هذه القضية بغرض التنبيه إلى أن العيب لا يوجد فقط في السلطة، كما يتوهم كثيرون وإنما في بعض النخب أيضا، فأنا لا يؤلمني أن يكون وزير الداخلية وراء متابعتي، بحكم تاريخه الإداري وموقعه والجهة التي يأتمر بأوامرها، وإنما يؤلمني أن يقفز “الحقوقي والمحامي السابق” وزير العدل على آلاف الشكايات الموجودة فوق مكتبه لشهور طويلة، ليحرك شكاية لوزير الداخلية ضدي، لم يتوصل بها إلا قبل أيام قليلة ماضية، فقط لأني أنتقد تدبيره للسياسة الجنائية، أو ربما وصل لعلمه أني سأجل حوارا صحفيا مع قاي العيون محمد قنديل مساء الخميس 08 يناير، بمدينة سطات، عند الساعة الرابعة بعد الزوال، كما لا يؤملني أن تهاجمني أو تصمت على قضيتي الجرائد والمواقع المعروفة لدى الشعب بموالاتها للأجهزة، لكن يؤلمني أن لا تنشر جرائد ومواقع، أعدها زميلة، وبعض مدرائها يدخل عندي على الخاص إما لأنشر له مقال رأي، على “بديل” أو ليطلب رأيي في أمر.
وعندما يرى الصحفي/ الفريسة السلطة تشحذ سكاكينها لـ”ذبحه” في وقت ينشغل فيه البعض فقط بهموم صحفيي الجزيرة في مصر أو فرنسا أو كاتب في موريتانيا، ويبخلون عليه بمجرد مشاركة رابط كأضعف الإيمان على صفحاتهم إن عجزوا عن تغطية جلسات المحاكمات او الاستنطاقات والتحقيقات، فمى عساه أن يقول إلا اللهم اهدي عبادك ونور بصريتهم لما فيه خير لهذا الوطن.