اختلفنا، ونختلف، مع شبكة “الجزيرة” الفضائية والاذرع العربية منها على وجه الخصوص، لانها حادت كثيرا عن المهنية والموضوعية في بداية الازمات السورية والليبية واليمنية وما زالت، ولكننا نقف في خندق صحافييها المعتقلين من قبل السلطات المصرية بتهم ملفقة من بينها تصوير “مناطق فارغة” في ميدان التحرير اثناء الاحتفالات بالذكرى الثالثة للثورة المصرية وبما يوحي بأن عدد المشاركين كان اقل من المتوقع.
ندرك جيدا ان دولة قطر التي تملك شبكة الجزيرة تدعم حركة الاخوان المسلمين، وتشهر سيف العداء لحكومة الانقلاب العسكري الذي اطاح برئيسهم، وزج بقياداتهم في السجون والمعتقلات، ولكن هذا لا يبرر اعتقال فريق تابع للمحطة بعد التعدي عليهم بالضرب ومصادرة كاميراتهم في مصر الثورة.
الثورة المصرية تفجرت قبل ثلاث سنوات من اجل الحريات، والاعلامية منها على وجه الخصوص، والغاء قوانين الطوارئ والاحكام العرفية، وترسيخ قيم العدالة والديمقراطية ومؤسساتها في البلاد، ولكن ما نراه حاليا يشكل تراجعا كاملا عن هذه القيم والانجازات التي انتزعها الثوار، ومعظمهم من الشباب، من براثن الديكتاتورية ودولة الفساد التي تعود حاليا بمسميات اخرى.
صحافيو “الجزيرة” القابعون خلف القضبان في مصر، ومن بينهم من فاز بجوائز عالمية لموضوعيته، والمخاطرة بحياته من اجل الحقيقة، لا يمكن ان يكونوا اعضاء في حركة الاخوان المسلمين، او يبيعوا ضميرهم المهني ويفبركوا تقارير اخبارية، فحملات القمع التي يتعرض لها مناصروا المعارضة وانصار الرئيس مرسي، لا تحتاج الى فبركة، لانها واضحة للعيان، ويكفي الاشارة الى مقتل خمسين شخصا منهم برصاص قوات الامن في ميدان التحرير، وميادين اخرى، اثناء مظاهرات الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير.
يكفي ان تحمل كاميرا، وتكون غير تابع للقنوات الرسمية او شبه الرسمية، لكي تتعرض للضرب والاهانات والاعتقال لاحقا من قبل رجال الامن الذين من ابسط واجباتهم حماية الناس، وضبط الامن وتطبيق القانون.
لجنة حماية الصحافيين الدولية اكدت في تقرير لها ان 25 اعتداء وعملية اعتقال استهدفت صحافيين اجانب يوم الذكرى الثالثة للثورة المصرية، ونقل اكثر من صحافي الى المستشفيات لتلقي العلاج.
عشرون صحافيا من قناة “الجزيرة” من بينهم بريطانيان واسترالي وهولندي اتهموا بفبركة اخبار، وتشويه صورة مصر في الخارج ولكن من يشوه صورة مصر هم الذين يعتقلون هؤلاء بتهم مفبركة، ويزجون بهم خلف القضبان، ويعيدون تاريخ البلاد المشرف الى الوراء.
الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي يواجه العديد من التهم المفبركة هو وزملاؤه من اعضاء قياديين في حركة الاخوان لم يعتقل صحافيا واحدا، ولم يغلق اي محطة تلفزيونية محترمة، رغم ان الاعلام المصري، حوله الى “مسخرة” وخاض في خصوصياته، وزور اخبارا عن افراد اسرته، بما في ذلك زوجته.
حتى الفنان باسم يوسف صاحب البرنامج الشهير “البرنامج” بنى امجاده وشهرته على شرشحه الرئيس مرسي والسخرية منه والتطاول عليه بأفظع الالفاظ والمشاهد، ومع ذلك لم يقض يوما واحدا خلف القضبان، واضطر اخيرا الى الهجرة الى دبي حاملا برنامجه على ظهره باحثا عن محطة عربية تبثه بعد ان اغلقت جميع المحطات المصرية شاشاتها في وجهه تماما مثلما فعل الزميل حمدي قنديل عندما اوقف نظام الرئيس مبارك برنامجه “قلم رصاص”.
من يستحق الاعتقال والمحاكمة بتهمة تشويه صورة مصر هم معظم مقدمي البرامج في التلفزيونات المصرية الذين ابتعدوا كثيرا عن المهنية والموضوعية، وباتوا يقدمون لونا واحدا، ويمارسون اكبر عملية تضليل للشعب المصري من خلال ادارة ظهرهم لقيم الثورة ودماء شهدائها، واعادة البلاد الى مراحل القهر والاستبداد وتأليه الحاكم الفرعون.
توقعنا ان يستعيد الاعلام المصري مكانته العربية والعالمية بعد الاطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق وبما يحقق التوازن مع القنوات الخليجية الاخرى التي تهيمن على المشهد الاعلامي العربي مثل “الجزيرة” والعربية. ولكن توقعاتنا لم تكن في محلها للاسف الشديد، وشاهدنا هذا الاعلام او معظمه يقدم النموذج الاسوأ في الموضوعية والمهنية ورفع سقف الحريات التعبيرية والتصدي للديكتاتورية العسكرية التي تحكم البلاد حاليا.
لا نتردد لحظة في التضامن مع زملائنا الصحافيين المعتقلين خلف القضبان في السجون المصرية، وعلى رأس هؤلاء الزملاء في محطة “الجزيرة”، وسنظل دائما وابدا في خندق الحريات ندافع عنها لانه بدونها سنظل في ذيل الامم.