اتهم حزب “كنارياس الجديدة” في جزر الكناري الحكومة المركزية في مدريد بالضعف أمام ما أسماه “سياسة الهيمنة” التي يمارسها المغرب في مياه الصحراء قبالة هذا الأرخبيل وخاصة التنقيب عن البترول. وهذا الموقف يبرز السياسة غير الودية التي تبناها الكثير من حكومات الحكم الذاتي أو الأحزاب القومية الإقليمية في إسبانيا تجاه القضايا المغربية، بل وتعرقل تطور العلاقات بين الرباط ومدريد.
وكان ناطق باسم هذا الحزب وهو بيدرو كيفيدو قد طرح هذا الموضوع في مجلس الشيوخ خلال الأيام الماضية، ثم عقد ندوة لهذا الغرض، مستعرضاً الكثير من الأمثلة التي يعتقد أن حكومة الائتلاف اليساري بزعامة بيدرو شانتيش في مدريد لا تتخذ مواقف صارمة تجاه بعض قرارات المغرب.
وجاء رد الحزب نتيجة منح المغرب ترخيصاً لشركة إسرائيلية التنقيب عن النفط والغاز في مياه الصحراء ثم شركات غربية أخرى. ويبرز الحزب أن “القرار يعد مخالفاً للشرعية الدولية ولمصالح الصحراويين ولمصالح ساكنة جزر الكناري”. ويحث الحزب مدريد على التحرك انطلاقاً من كون الصحراء لم يتم الحسم في سيادتها. وينطلق هذا الحزب من موقفه المساند لجبهة البوليساريو من جهة، ثم من حرص جزر الكناري على عدم وجود تنقيب عن البترول من الجانب المغربي في المياه الفاصلة بين الصحراء وهذه الجزر الواقعة قبالتها.
وغالباً ما تنفرد حكومات الحكم الذاتي أو الأحزاب القومية الإقليمية بمواقف سياسية راديكالية تجاه المغرب وتجاه سياسة حكومة مدريد المركزية تجاه المغرب. وكانت حكومة الحكم الذاتي في جزر الكناري أو الأحزاب القومية في هذا الإقليم تعارض الكثير من مبادرات المغرب أو المبادرات الثنائية بين مدريد والرباط. وكانت جزر الكناري قد عارضت إقامة المغرب محطة نووية في منطقة طان طان جنوب المغرب وقبالة هذا الأرخبيل منذ سنوات. وتنتقد سياسة مدريد في ملف الصحراء وتعتبرها منحازة وضد مصالح جبهة البوليساريو. وتعد جزر الكناري المعقل الرئيسي لأنصار جبهة البوليساريو.
وتتبنى حكومات الحكم الذاتي الأخرى مواقف راديكالية ضد الكثير من القرارات الخاصة بالمغرب. في هذا الصدد، تنفرد حكومة الأندلس بانتقاد ما تسميه تساهل مدريد والاتحاد الأوروبي مع الصادرات الزراعية المغربية إلى السوق الأوروبية وخاصة الطماطم وتضرر المزارعين الأندلسيين من هذه السياسة. كما تنتقد مدريد بسبب عدم مواجهة المغرب بسبب الهجرة غير القانونية، إذ تشكل شواطئ الأندلس البوابة الرئيسية للمهاجرين المغاربة والأفارقة نحو أوروبا.
وتاريخياً، تميل حكومات الحكم الذاتي في كتالونيا وفي بلد الباسك إلى تأييد ملف جبهة البوليساريو في مواجهة المغرب. وعادة ما توفر حكومات الحكم الذاتي مساعدات هامة إلى الصحراويين، وتصادق برلماناتها المحلية على قرارات تشجع تقرير المصير. وتتقدم حكومات أخرى مثل مورسية وفالنسيا بمبادرات سواء في البرلمان الإسباني بغرفتيه النواب والشيوخ أو أمام البرلمان الأوروبي عبر نواب إسبان للحد من الصادرات الراعية المغربية لأوروبا. وتطالب حكومة الحكم الذاتي في إقليم مدريد من المغرب استقبال مهاجريه من القاصرين الموجودين في مراكز الإيواء.
وتلعب حكومات الحكم الذاتي في الكثير من الأوقات عائقاً أمام تطوير العلاقات بين مدريد والرباط بسبب مطالبها بل والتسبب في بعض الأحيان في أزمات كبيرة، حيث تضطر الحكومة المركزية إلى الأخذ بعين الاعتبار هذه المطالب، الأمر الذي يثير قلق المغرب.
ونظراً لوزنها، حاول المغرب فتح جسور التفاهم مع حكومات الحكم الذاتي سواء إبان السنوات الأخيرة لحكم الملك الحسن الثاني أو العقد الأول للملك محمد السادس، حيث كان يتم استقبال بعض رؤساء هذه الحكومات مثل الأندلس وجزر الكناري وكتالونيا ليس فقط من طرف رئيس الحكومة بل من طرف الملك محمد السادس نفسه. لكن المغرب تراجع في منح هذه الأهمية البروتوكولية لحكومات الحكم الذاتي بسبب استمرار تبنيها خطاباً سياسياً راديكالياً ضد المغرب في الكثير من الأحيان، ولا سيما في ملف الصحراء.
وضمن العوامل الأخرى التي تدفع إلى سياسة غير ودية ضد المغرب، يحدث أن تكون الحكومة المركزية في مدريد من لون سياسي بينما حكومات الحكم الذاتي في الأقاليم من لون سياسي مختلف، وبالتالي يصبح المغرب موضوع توظيف سياسي في المواجهة الداخلية الإسبانية. ومن ضمن الأمثلة، تتبنى حكومة الأندلس الحالية مواقف متشددة تجاه المغرب في ملفات مثل الصادرات الزراعية والهجرة لأنها يمينية بينما حكومة مدريد المركزية يسارية.
وتتبنى إسبانيا نظام الحكم الذاتي الذي يتقرب من الفدرالية نسبياً، حيث حكومات الحكم الذاتي تتمتع بصلاحيات كبيرة في مختلف المجالات باستثناء بعض المجالات الحساسة التي تعود للحكومة المركزية مثل الدفاع والضمان الاجتماعي وبعض تخصصات الشرطة الوطنية مثل قسم الأجانب.
وما زالت العلاقات المغربية-الإسبانية على مستوى المركز لم تشهد انفراجاً حتى الآن بعد أزمة الصيف الماضي على خلفية الهجرة السرية والصحراء. ولم تحدد الرباط أي تاريخ لزيارة وزير خارجية مدريد أو إجراء لقاءات هاتفية.
موقف حكومات الحكم الذاتي في اسبانيا يزيد من عرقلة تطور علاقات مدريد والرباط
الملك محمد السادس وملك اسبانيا فيلبي السادس