فاز فيلم “نعاس الشتاء” للتركي نوري بلجي جيلان بالسعفة الذهبية في النسخة ا67من مهرجان كان السينمائي، وأهدى المخرج الجائزة لشباب تركيا وخصوصا “لمن مات منهم في المظاهرات”.
وفاز هذا العام فيلم “نعاس الشتاء” للتركي نوري بلجي جيلان بالسعفة الذهبية، وسلمه الجائزة الثنائي كنتين ترنتينو وايما تورمن بعد 20 عاما على فوز ترنتينو بالسعفة الذهبية عن فيلم “بولب فيكشون”. وبدى نوري بلجي جيلان متأثرا بحصوله على هذا التكريم فاهدى السعفة لـ “شباب تركيا بمن فيهم أولائك الذين لقوا حتفهم في مظاهرات العام الماضي”. وهزت تركيا في صيف 2013 مظاهرات عنيفة معارضة لحكومة رجب طيب أردوغان. واتسمت مشاركة بلجي جيلان هذا العام بطابع سياسي منذ حضوره عرض فيلمه قبل بضعة ايام حيث صعد الفريق مدرج قصر المهجانات المغطى بالبساط الأحمر حاملين على بدلاتهم شارة الحداد على عمال المناجم الذين قضوا في حادثة هزت تركيا في الفترة الأخيرة. وذكرنا إهداءه بسعفة العام 2013 والتي أهداها الفائز عبد اللطيف كشيش للشباب الفرنسي والشباب التونسي مشددا على حقهم في الحب بحرية.
وصور جيلان “نعاس الشتاء” في منطقة الأناضول فكانت الثلوج “ملكية” بأدق معنى الكلمة، ويعتبر جيلان اليوم من أكبر صناع الفن السابع. السياسة والفن عالمان كثيرا ما التقيا في مهرجان كان الذي غالبا ما أبقى عينه يقظة على ما يحدث في العالم رغم بذخ الاحتفالات ودلال النجوم.
وبقوة العنف الناعم الذي امتهنه جيلان في أفلامه السابقة “أوزاك” و”مناخات” يوسع المخرج حلقة الذاتي لتطال الجماعي. فلا نسأم طيلة المدة ،3ساعات و20 دقيقة التي يستغرقها الفيلم التركي لإتقان جيلان العجيب تصوير المشاهد الثلجية بصمتها وصخبها ومجازيتها في ترجمة تقلبات الشخصيات، في تجاوز للأطر والرؤى السينمائية المعتادة. فمن دون حروب ولا صراعات عدا التوترات الصغيرة التي تواجهنا يوميا، يثير “المعلم” التركي مسائل حول الروحانيات في احتكاكها بالدين، والمال في اقتحامه طموحات البشر… وأمام كل الوحل الذي يغرق فيه عالمنا، جاءت شخصية طفل صغير يحمل كل الحقد الناشئ ضد الظلم ويحمل كرامة البسطاء فكانت صورة سالبة لضمير البطل المثقف “إيدن” المعذب ولسهو الناس عن النداء الصاخب – الصامت للحق في الحياة والكرامة.
جائزة لجنة التحكيم بالتساوي لدولان وغودار
والمفاجأة الأخرى لجوائز اليوم كانت جائزة لجنة التحكيم التي فاز بها بالتساوي الكندي غزافيه دولان عن فيلم “أمي” و”وداعا للغة” لجان لوك غودار. ويبلغ دولان من العمر 25 سنة، في حين يعتبر الفرنسي السويسري غودار أحد عمالقة السينما. فكان إهداء جائزة لجنة التحكيم لكليهما رمزا قويا يرمي جسرا بين أصغر المخرجين وعميدهم فيبرهن عن حداثة الاختيار. والجائزة الكبرى لأفضل فيلم تختلف عن السعفة في كونها تعبر عن رأي لجنة التحكيم الخاص ولا تخضع بالضرورة للمعايير السينمائية العامة.
وأثار فيلم عبقري السينما الكندية دولان دهشة لدى الكثير بسبب نسقه الجنوني ووتيرته المتصاعدة. تختار أرملة في الفيلم الاحتفاظ بابنها بعد أن رفضته المؤسسات بسبب اضطراب في الشخصية ونشاط مفرط، فتنساق بحب معه في أزماته ونزواته. وكان لـ “أمي” مفعول المنشط في مهرجان كان فحيت الأغلبية حيويته وقوته. أما غودار ورغم مسيرته المهنية الأسطورية فهو يفوز لأول مرة بجائزة في مهرجان كان. ويترك غودار في “وداعا للغة”، نوعا من الوصية السينمائية المازحة الجدية في آن. ورغم تقدمه في السن إن اهتمامات الفيلم وشكله حديثين وقريبين من مشاكل إنسان القرن 21. “وداعا للغة” فيلم ثلاثي الأبعاد يصنع أزمة بصرية في نوع من “تجربة تحقيق سينمائي” ويوسع أكثر حدود الفن. بكى دولان فرحا وعانق رئيسة لجنة التحكيم جين كاميون معبرا لها عن إعجابه بعملها وخصوصا بفيلمها “درس البيانو” الحائز على السعفة الذهبية للعام 1993. فبدى دولان بعمر غودار وغودار الغائب عن الحفل في عمر دولان… لقاء أجيال وكسر حواجز بين الحضور والغياب، هذا هو سحر مهرجان كان.
أما الجائزة الكبرى فهي ثاني أهم جوائز المهرجان فمنحت لفيلم “العجائب” للإيطالية أليس روهفاشر وهي إحدى الإمراتين الوحيدتين المشاركتين في المسابقة الرسمية نحو السعفة الذهبية. ويتطرق “العجائب” إلى مسألة الطفولة والبراءة وعلاقتها بالعالم الخارجي وبرؤية الكهول عبر قصة عائلة من أربع بنات يربين النحل مع والديهن في قرية نائية. وتستقبل العائلة ولدا منحرفا ومنزويا لمحاولة إدماجه مجددا في “الخلية” العائلية، وعلى غرار “بنت على بابي” تميز فيلم “العجائب” برقة ودقة كبيرتين في تناول أبعاد التفكير الثاقب بشأن الإنسان في ضعفه وقوته.
وفاز الأمريكي بينيت ميلر بجائزة الإخراج عن فيلم “صياد الثعالب” الذي يسبر أغوار عالم الرياضة القاتم. واستلهم بينيت قصته من جريمة هزت أمريكا عام 1996 بعد أن قتل الميلياردير جون دوبون البطل الأولمبي السابق في المصارعة ديفيد شولتز. وحاول الميلياردير الاستحواذ على روح الرياضي التي تنقصه رغم ثروته الطائلة فأسكنه أراضيه وكلفه بتدريب فريق “صياد الثعالب” الذي يموله، وقاده عجزه عن إرضاخ شولتز بأمواله إلى تصفيته.
وفاز الروسيان أندريه زفيازينتشيف وأوليغ نجين بجائزة السيناريو عن فيلم “لفياتن” الذي يسرد قصة عمدة قرية في روسيا يحاول افتكاك أرض ميكانيكي بسيط. ويحلل الفيلم عالم الفساد والسياسة تقابلهما الديانة.
جوليان مور وتيموتي سبال يفوزان بجائزتي التمثيل
وفازت الأمريكية جوليان مور بجائزة التمثيل عن دورها في فيلم “خريطة النجوم” للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ الذي يبحث انحطاط عالم هوليوود ليسحقه أكثر. والفيلم عبارة عن لعبة كبيرة تعكس زيف هوليوود، فيركز كروننبرغ عدسة مجهره على كل السيئات من جشع ونرجسية وسادية وكل الغرائز التي تطلق لها العنان في عاصمة السينما. فتظهر هوليوود كتراجيدية مضحكة تجتمع فيها أغلب الفانتازما المحيطة بها في المخيلة الجماعية. وتتوسط عالم “النجوم” في الفيلم ممثلة لم تكف تتقدم في السن وغليلها من الشهرة لم ينطفئ فعوضت فيها “الأنا” كل حس أخلاقي، مع أداء باهر لجوليان مور.
أما جائزة التمثيل للرجال فحازها البريطاني تيموتي سبال عن دوره في فيلم “السيد تورنر” للبريطاني مايك لي. ولعب الممثل الكبير تيموتي سبال الدور ببراعة كبيرة. وأبدع في استحضار واقعية مذهلة في ذكر تفاصيل عن حياة رسام من القرن التاسع عشر وكان غليظ الملامح، فظ السلوك. فإلى جانب إهماله لأطفاله وزوجته، تعددت مغامرات تورنر الجنسية حتى لم نعد نفرق بين أسلوبه الخشن في أكله الخنزير ولمسه أرداف النساء. لكن بفضل سيرة هذا الرسام الأحمر الوجه الكبير الأنف، دخلنا في عالم إنكلترا وهي تسير نحو ثورتها الصناعية.
هكذا يسدل الستار على مهرجان كان 2014 الذي تميز برئاسة امرأة، جين كامبيون، للجنة تحكيم غلبت عليها النساء بعضوية خمسة منهن إلى جانب أربعة رجال. وكانت الخيبة كبيرة للمخرجين الفرنسيين الذين شاركوا بعدد كبير في المسابقة على غرار برتران بونيلو وأوليفيه أساياس وهازانافيسيوس. وبالطبع خابت آمال الجمهور العربي بعدم فوز الموريتاني عبد الرحمان سيساكو بأي جائزة عن فيلم “تمبكتو”…