يعتبر المغرب من الدول التي تسجل مستويات من الفساد مرتفعة وهو ما يؤدي الى مزيد من تخلف البلاد في التنمية البشرية. ورغم مستوى الفساد الذي تشهد به التقارير الوطنية والدولية لا يتحرك القضاء لملاحقة المفسدين رغم التقارير، وهو ما يزيد في الاحتقان الاجتماعي وفقدان الدولة المغربية هيبتها.
وبعد اهتمام الجمعيات الدولية بحقوق الإنسان وحرية التعبير والمشاركة السياسية، تعزز خلال السنوات الأخيرة عمل الجمعيات الرامية الى فرض الشفافية في العلاقات الدولية مثلما جعلت حقوق الإنسان ركيزة لهذه العلاقات. ولهذا تقوم عدد من الجمعيات بالتركيز على مستوى شفافية عمل الإدارات في تطبيق الصفقات، وفي ارتباط بها مستوى شفافية المعلومات لجعل الرأي العام يطلع على المعطيات الحقيقية، ومستوى تهريب الأموال الى الخارج ثم مستوى تحرك القضاء لوضع حد للتسيب علاوة على مدى تورط الحاكين في المجال الاقتصادي، أي الاحتكار عبر النفوذ السياسي والسلطة.
ويحتل المغرب مراكز غير مشرفة في كل التقارير الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد، إذ يوجد في الشرط الثالث أو الرابع في التصنيف العالمي، ولم يسبق له احتلال مرتبة ضمن الشطر الأول، وهو الأكثر نزاهة، وعادة ما يكون بين المركز الأول والأربعين، ثم الثاني وعادة ما يكون بي 41 والثمانين.
ويعد المغرب من الدول القليلة في العالم التي تتكتم مثلا على المعلومات الخاصة بالصفقات وكأنها معلومات تتعلق بالأمن القومي للبلاد رغم أن الأمر يهم قطاعات عادية مرتبطة بحياة الناس. وفي الوقت ذاته، يعتبر من الدول التي تشهد تهريبا للأموال الى الخارج ضدا على القوانين المعمول بها والتي لا تسمح بنقل الأموال إلا بشروط محددة.
وجاء ذكر المغرب في ملفات فساد عالمية مثل الحسابات السرية في الأبناك السويسرية لمسؤولين ورجال أعمال مغاربة ، كما جاء ذكر عدد من المسؤولين في أوراق بنما المتعلقة بتسجيل شركات في الخارج للتهرب من الضرائب. ووطنيا، كشف المجلس الأعلى للحسابات الذي يشرف عليه الوزير الأول السابق إدريس جطو عن مخالفات وخروقات فظيعة في تسيير عدد من مرافق الدولة.
وكانت دراسة للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أنجزت سنة 2018 قد كشفت كيف تحول الفساد الى عنصر بنيوي ضمن هيكلة الدولة. ويقول في هذا الصدد، عز الدين أقصبي، عضو الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن الدراسات التي تم إنجازها بالمغرب حول مؤشر الرشوة، أظهرت أن جل القطاعات يعتريها فساد، وأن “الفساد المزمن” يتواجد أكثر في قطاعات القضاء والشرطة والصحة والإدارات العمومية.
ورغم مستوى الفساد المخيف الذي ينخر البلاد ويستبب في أزمة اجتماعية من نتائجها غياب الثقة في مؤسسات البلاد، يتبنى القضاء موقف المتفرج تقريبا. بل توجد تصريحات لمسؤولين كبار مثل رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران الذي استعمل في وصف الفاسدين “عفا الله عما سلف”، أو وزير العدل في حكومته الاسلامي مصطفى الرميد الذي تحجج بغياب خبراء مغاربة للتحقيق في ملفات الحسابات السرية في سويسرا وأوراق بنما.
ورغم أن المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة رسمية ودستورية، لا يهتم القضاء بمضمونها عادة. وقد وقف المجلس على خروقات مرعبة مثلا في التعليم، لكن النيابة العامة تتبنى موقفا أقرب الى المتفرج منه الى دورها الرادع للدفاع عن ممتلكات الشعب.
ويتابع المغاربة، باستثناء الفاسدين، بإعجاب ملاحقة بعض الدول الحديثة بالديمقراطية في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا ملاحقة رؤساء دول بتهم الفساد وسجنهم مثلما حدث مؤخرا مع رئيسة كوريا الجنوبية ورئيس البارزيل السابق، ويقفون عند عجز القضاء المغرب عن محاكمة الفاسدين.
ومن أبرز العوامل التي تجعل القضاء لا يتحرك هو سلسلة الفساد المرتبطة على جميع مستويات الدولة، أو ما يدخل ضمن “زواج الثروة والسلطة” التي من مظاهرها هو الغنى الفاحش لمسؤولين في الدولة.