كان تيار الاسلام السياسي هو الرابح الاكبر من انتفاضات الربيع العربي التي انطلقت في شتاء 2011 وازاحت عددا من الحكام العرب المستبدين من سدة الحكم. لكن تبدلت الامور في عام 2013 الذي شهد تراجعا واضحا لمكاسب هذا التيار خاصة في مصر اكبر الدول العربية سكانا وفي تونس مهد انتفاضات الربيع العربي وكذلك في ليبيا.
وفازت جماعة الاخوان المسلمين في خمسة انتخابات اجريت في مصر بعد سقوط حسني مبارك في انتفاضة 2011 وانتخب محمد مرسي المنتمي للجماعة رئيسا للبلاد ليتولى السلطة في يونيو حزيران 2012.
لكن في عام 2013 ومع تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد الصراع مع المعارضة الليبرالية التي كانت تشكو من سعي جماعة الاخوان للسيطرة على مفاصل الدولة فيما عرف انذاك بمصطلح “أخونة الدولة” زادت حالة الاحتقان والاستقطاب السياسي في البلاد.
واثناء ذلك ظهرت في الشارع حركة شبابية جديدة تسمى (تمرد) عملت على جمع توقيعات من المواطنين للمطالبة باجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وحظيت الحركة بدعم جبهة الانقاذ وهي تكتل المعارضة الليبرالية في البلاد انذاك. وقالت (تمرد) انها جمعت اكثر من 20 مليون توقيع وهو الامر الذي شككت القوى المؤيدة لمرسي في صحته.
وفي يوم 30 يونيو 2013 الذي وافق مرور عام على تولي مرسي الحكم استجابة لدعوة من الحركة تظاهر ملايين المصريين في القاهرة وعدة محافظات للمطالبة بتنحي مرسي.
ورفض مرسي هذا المطلب متمسكا بشرعية انتخابه لكنه فشل في ابرام اي اتفاق مع المعارضة للتوصل الى حل للازمة.
وعلى اثر المظاهرات قال الجيش انه حدد مهلة للقوى السياسية للتوصل الى حل والا فانه سيتدخل.
وفي الثالث من يوليو تموز اعلن وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي انتهاء المهلة دون التوصل لحل واعلن خارطة للطريق تضمنت عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد وتشكيل حكومة مؤقتة. كما تضمنت الخارطة تعطيل العمل بالدستور وتشكيل لجنة مؤلفة من 50 شخصا لتعديله.
وقوبل هذا الاعلان برفض تام من قبل جماعة الاخوان وحلفائها ووصفته بانه “انقلاب” على الشرعية.
وقتل المئات حين فضت قوات الامن يوم 14 غشت اعتصامين لانصار مرسي في القاهرة.
وبدأت السلطات حملة صارمة استهدفت قيادات الاخوان وانصارها. واحيل مرسي وعدد كبير من قيادات الاخوان والتيار الاسلامي للمحاكمة بتهم مختلفة من بينها قتل محتجين والتخابر مع جهات اجنبية.
ومنذ ذلك الحين ينظم الاسلاميون تظاهرات شبه يومية في القاهرة وغيرها من المحافظات والتي كثيرا ما يتخللها اعمال عنف وسقوط ضحايا. لكن الجماعة فشلت في حشد تأييد شعبي لموقفها.
وفي ديسمبر اتهمت الحكومة جماعة الاخوان بالوقوف وراء هجوم انتحاري استهدف مديرية أمن الدقهلية في مدينة المنصورة شمالي القاهرة وقررت الحكومة اعلانها “جماعة ارهابية”.
ولم يكن الوضع في مصر غائبا عن بال حركة النهضة الاسلامية في تونس التي قدمت العديد من التنازلات السياسية في 2013 خشية تكرار ما حدث في مصر على ما يبدو.
واستقالت الحكومة الائتلافية التي تقودها الحركة بقيادة حمادي الجبالي يوم 19 فبراير شباط بعد تزايد الاحتجاجات في اعقاب اغتيال المعارض البارز شكري بلعيد في السادس من فبراير شباط.
وادت حكومة جديدة برئاسة علي العريض المنتمي ايضا للنهضة اليمين يوم 14 مارس اذار. وعقب تولي العريض قتل عدد من افراد قوات الامن في هجمات بالغام في منطقة جبل الشعانبي قرب الحدود مع الجزائر.
وزاد الوضع سوءا بالنسبة للنهضة بعد اغتيال معارض اخر وهو محمد البراهمي امام منزله في اريانة يوم 25 يوليو تموز الذي يوافق الاحتفال بعيد الجمهورية.
وتلا الحادث موجات احتجاجية للمطالبة باستقالة الحكومة ومن بينها اعتصام امام المجلس التأسيسي وهو ما دفع اربع منظمات كبرى في البلاد لاطلاق مبادة للحوار الوطني وهي اتحاد الشغل واتحاد الاعراف ورابطة حقوق الانسان وعمادة المحامين.
وتوافقت اغلب الاحزاب على هذه المبادرة ووقعت في الرابع من اكتوبر تشرين الاول على خارطة طريق تضمنت استقالة حكومة العريض دون المساس بالمجلس التأسيسي وبرئاسة الجمهورية. وانطلق الحوار الوطني يوم 25 اكتوبر بعد ان تعهدت حكومة العريض بالاستقالة كتابيا.
وبعد مناقشات صعبة تعثرت مرارا اعلن مساء 14 ديسمبر كانون الاول عن اختيار مهدي جمعة وزير الصناعة في حكومة العريض ليشكل حكومة جديدة مستقلة ذات كفاءات لتسيير الاعمال حتى اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 2014.
وقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي تتبنى مبادئ فكرية مقربة من جماعة الإخوان المسلمين في مقابلة تلفزيونية في اواخر نوفمبر تشرين الثاني ان الموافقة على استقالة حكومة العريض لا يعني خروج الحركة من الحكم “لأن الحكومة ستكون حكومة الجميع”.
وكانت نهاية عام 2012 غير سعيدة لتيار الاسلام السياسي في ليبيا بعد فوز تحالف القوى الوطنية الليبرالي باكثرية مقاعد المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي اختار السياسي الليبرالي علي زيدان رئيسا للوزراء.
ورغم ذلك شارك حزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين في ليبيا في حكومة زيدان ممثلا بخمسة وزراء من اصل 24 وزيرا وهي وزارات النفط والاقتصاد والكهربا والإسكان والشباب والرياضة.
وكما هو الحال في تونس كان للاوضاع في مصر انعكاسا في ليبيا.. فقد هاجم محتجون مناهضون للجماعة عدة مكاتب ومقار لحزب العدالة والبناء في مناطق متفرقة في ليبيا في يوليو تموز. وحذر بشير الكبتي المراقب العام للجماعة في ليبيا من محاولة استدعاء المشهد المصري باقصاء الاخوان من الحياة السياسية في ليبيا وقال ان ذلك سيؤدي الى نتائج “كارثية”.
ورغم تراجع دور الجماعة الا انها تسعى على ما يبدو الى استغلال العديد من الازمات السياسية والاقتصادية والامنية التي تمر بها حكومة زيدان.
وتواجه حكومة زيدان صعوبة في بسط سيطرتها على البلاد التي تعاني من اضطرابات وحيث تنتشر الأسلحة منذ الاطاحة بالزعيم معمر القذافي بعد انتفاضة مسلحة في 2011.
فعقب زيارة قام بها زيدان الى مصر في سبتمبر ايلول ندد حزب العدالة والبناء بالزيارة ووصفها بانها مباركة لما وصفه “بالانقلاب” في مصر.
كما اعلن محمد صوان رئيس الحزب انه حصل على دعم 100 من أعضاء (البرلمان) لسحب الثقة من الحكومة الائتلافية التي يترأسها زيدان وهدد بالانسحاب نهائيا من الحكومة.
ووفقا للائحة الداخلية للمؤتمر الوطني المؤلف من 200 عضو يمكن ان يسحب 120 نائبا الثقة من الحكومة.
ودفعت الازمات السياسية والامنية المتلاحقة محمود جبريل رئيس الوزاء السابق ورئيس تحالف القوى الوطنية لطرح مبادرة جديدة تسمى (مبادرة الانقاذ الوطني) في محاولة للخروج من الازمة. وتلقى هذه المبادرة قبولا من حزب العدالة والبناء.