اعتقلت الشرطة المغربية وبأمر من النيابة العامة في العاصمة الرباط الزميل علي أنوزلا مدير النشر الموقع الأخباري لكم يومه الثلاثاء بتهمة التحريض على الإرهاب بسبب شريط للقاعدة في المغرب الإسلامي. وعمليا، الجريدة الرقمية لكم لم تنشر نهائيا شريط القاعدة في المغرب الإسلامي بل فقط نشرت رابطا له نقلا عن جريدة الباييس الإسبانية وهذه الأخيرة نقلته عن موقع يوتوب ويستمر الشريط متواجدا في موقع دايلي مويشن الخاص بأشرطة الفيديو، كما نشرته مواقع فرنسية معروفة مثل ليكسبريس وهافتنغتون بوست.
وقررت الدولة المغربية رفع دعوى ضد جريدة الباييس الإسبانية ولكنها لم تبادر الى تقديم دعوى ضد يوتوب وموقع دايلي مويشن الذي مازال يعرض الشريط حتى كتابة هذا المقال. وستجد الدولة المغربية صعوبات كبيرة في ملاحقة الباييس لأن القوانين في الغرب الدولية فصلت في كيفية تغطية الإرهاب، فنشر أخبار عن الإرهابيين ونشر أشرطة الإرهابيين لا يدخل نهائيا تحت طائلة التحريض على الإرهاب. فهناك فرق واضح بين نشر الخبر وتبني مضمونه والتشجيع على ذلك.
وعندما كانت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي تبث أشرطة الجيش الإيرلندي إيرا أو منظمة إيتا أو حتى أشرطة التنظيم الإرهابي القاعدة، فإنها لم تكن تشجع على الإرهاب بل يدخل في إطار الممارسة الإعلامية. ومن أبرز الأمثلة في الممارسة المهنية أن وسائل الاعلام الأمريكية كانت تنشر أشرطة زعيم التنظيم الإرهابي القاعدة، أسامة بن لادن ولم يتهمها أحد بتشجيع الإرهاب، ولم نسمع أن القضاء الأمريكي فتح تحقيقا بتهمة الإرهاب ضد صحفي ما أو وسيلة إعلام ما.
وفي اسبانيا، فهذه الدولة عانت وتعاني من شتى أنواع الإرهاب منذ عقود، إرهاب إيتا وباقي الحركات الانفصالية والشيوعية مثل غرابو وإرهاب التطرف الإسلامي. ولقي أكثر من ألف شخص حتفه في عمليات إرهابية لإيتا وحدها علاوة على مقتل 191 شخصا في التفجيرات الإرهابية 11 مارس 2004. ومقارنة مع المغرب، تتوفر اسبانيا على ترسانة قانونية متطورة لمكافحة الإرهاب وملاحقة من يحرض عليه، وتتابع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسبانية كل ما يبث في الإنترنت واطلعت على شريط القاعدة في المغرب الإسلامي الذي يهدد المغرب. والتساؤل هنا: لماذا لم يقرر القضاء الإسباني ملاحقة جريدة الباييس بسبب نشر شريط القاعدة الذي يحاكم بسببه علي أنوزلا والموقع الإخباري لكم؟ هل القضاء المغربي أكثر تطورا من الإسباني؟ بطبيعة الحال لا.
وفي مثال آخر، نشرت معظم وسائل الاعلام الفرنسية هذه الأيام ومنها جريدة لوموند شريط فيديو لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي حول أربعة فرنسيين مختطفين، لم يعلن القضاء الفرنسي تحقيقا ضد وسائل الاعلام هذه بتهمة التحريض على الإرهاب.
وعلاقة بمقال الجريدة الرقمية لكم، علاوة على أنه لا يتضمن عرض الشريط بل فقط الرابط لجريدة الباييس الإسبانية، فهو نشر مقالا يتحدث عن الشريط دون أن يتبنى مضمونه أو يدعو الى اعتناق الأفكار الواردة فيه علاوة على هوية موقع لكم التقدمية. فهل القانون المغربي يختلف عن الأمريكي والإسباني والفرنسي في قضايا النشر بشأن الإرهاب.
وبدأ خبراء القانون الإسباني يؤكدون استحالة ملاحقة القضاء الإسباني لجريدة الباييس بحكم أن نشر رابط شريط فيديو عن يوتوب لا يعتبر تحريضا للإرهاب. وسبق لهذه الجريدة وجرائد أخرى أن نشرت أشرطة للتنظيم الإرهابي القاعدة تهدد فيه بضرب اسبانيا، ولم تتعرض للملاحقة من طرف القضاء الإسباني، علما أن هذا القضاء متطور للغاية في مكافحة الإرهاب بسبب منظمة إيتا.
والسيناريو الذي سيحدث هو احتمال ملاحقة علي أنوزلا سواء بقانون النشر أو الإرهاب في المغرب، بينما قضاء الدولة الإسبانية لن يدين جريدة الباييس. وهذا الذي سيحدث، وسيكون مفارقة قضائية حقيقية بين المغرب واسبانيا.