معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ينشر تقريرا حول تجسس بيغاسوس على نشطاء مغاربة

بيغاسوس

نشر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي، الذي يعد ضمن الخمس الجامعات الأولى في العالم،  في مجلته الخاصة بالتحاليل مقالا حول التجسس الذي تعرض له عدد من النشطاء المغاربة عبر تقنية بيغاسوس. ويستعرض المقال طريقة التجسس وتطورات هذا الملف الذي أثار الكثير من الجدل السياسي والحقوقي في البلاد.

المعطي منجب لا يتحدث بسرعة مثل أي رجل يعلم أن مكالماته الهاتفية خاضعة للتنصت:  كان يوم عيد ميلاده الثامن والخمسين عندما تحدثنا، ولكن نبرة صوته تدل على أنه ليس مشغولا  بالاحتفال, بادرني منجب قائلا : “التجسس أصبح  جهنميا ،إنه أمر صعب حقًا. إنهم يراقبون كل صغيرة كبيرة في حياتي  “.

يتذكر منجب ، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس في الرباط ، عاصمة  المغرب ذلك اليوم من عام  2017الذي تغيرت فيه حياته رأسا على عقب عندما اتهمه النيابة العامة  بالمساس بأمن الدولة بعدما عبر عن انتقاده الصريح والعلني للسلطات ، كان جالسًا خارج قاعة المحكمة عندما أضاء جهاز الأيفون الذي يستعمله فجأة منذرا بقدوم سلسلة من الرسائل النصية من أرقام لا يعرفها وكانت تحتوي على روابط لأخبار بذيئة ، وعرائض، وحتى صفقات تسوّق يوم بداية التخفيضات التجارية.

بعد شهر ، نشر  مقال يتهمه بالخيانة على موقع إخباري وطني شهير مقرب من القصر الملكي المغربي . لقداعتاد منجب على الهجمات ، لكن يبدو الآن أن الذين يضايقونه  يعرفون كل شيء عنه: تضمنت مقالة أخرى معلومات حول ندوة مؤيدة  للديمقراطية كان من المقرر أن يحضرها  لكنه لم يخبر أحدًا بذلك  تقريبًا. حتى أن أحد المقالات أعلن صراحة إنه لا تخفى علينا أية أسرار من  تفاصيل حياة منجب”.

لقد تم اختراق هاتفه وكل تلك الرسائل النصية كانت تؤشر، حسب الخبراء  على أنها نابعة من مواقع رقمية تم إنشاؤها كمصائد من أجل اختراق هواتف المستهدفين من طرف برنامج Pegasus ، أشهر برامج التجسس في العالم.

Pegasus هو البرنامج الرائد لمجموعة NSO ، وهي شركة إسرائيلية متخصصة في تقنيات التجسس تبلغ قيمتها مليار دولار ولا تبيع برامجها إلا إلى أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات في جميع أنحاء العالم ، والتي تستخدم أدوات الشركة لاختيار هدف بشري  والاستحواذ على هاتف الشخص ببرامج التجسس. بمجرد أن يصبح Pegasus على هاتفك ، فإنه لم يعد هاتفك.

الأكاديمي المغربي والناشط في مجال حرية التعبير، الأستاذ  المعطي منجب خاضع للمراقبة من طرف السلطة منذ عدة سنوات، ولكن التجسس أصبح بحسب شهادته  جهنميا في الآونة الأخيرة.

تبيع شركة NSO  منتوجها  Pegasus كما يبيع تجار الأسلحة التقليدية بضاعتهم بصفتها أداة حاسمة في مطاردة الإرهابيين والمجرمين. في عصر التكنولوجيا والتشفير القوي في كل مكان ، برزت مثل هذه “القرصنة القانونية” كأداة قوية للأمن العام عندما يحتاج تطبيق القانون إلى الوصول إلى المعطيات. تصر شركة  NSO على أن الغالبية العظمى من زبنائها هم ضمن  الديمقراطيات الأوروبية ، على الرغم من أنها لا تنشر لوائح الزبناء بينما تلتزم الدول الصمت حول هذا الموضوع ولذلك فالتحقيق حول هذا الموضوع مغامرة صعبة للغاية.

ومع ذلك ، فإن حالة المعطي منجب هي واحدة من قائمة طويلة من الحالات التي استُخدم فيها برنامج بيغاسوس كأداة للقمع والتضييق. وقد تم ربطه بملفات شائكة مثل  مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، واستهداف العلماء والناشطين الذين يضغطون من أجل الإصلاح السياسي في المكسيك ، ومراقبة الحكومة الإسبانية للسياسيين الانفصاليين الكتالونيين. ونفت حكومة المكسيك وحكومة إسبانيا استخدام بيغاسوس للتجسس على المعارضين ، لكن الاتهامات بأنهما مارستا ذلك بالفعل مدعومة بأدلة تقنية قوية.

وقد برزت بعض هذه الأدلة خلال دعوى قضائية أقامتها شركة واتساب وشركتها الأم فيسبوك  في أكتوبر الماضي في كاليفورنيا تشتكي فيها من كون برنامج   بيغاسوس  تلاعبت بالبنية التقنية  لبرنامج واتساب من أجل استهداف أكثر من  1400 هاتف محمول وقد وجد المحققون في فيسبوك أن من بينهم أكثر من مائة من  المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والشخصيات المعروفة ، وفقًا لوثائق المحكمة واكتشفوا أن كل مكالمة تم التقاطها من طرف الهاتف  ترسل رمزًا مسيئا عبر البنية التحتية لبرنانج واتساب تتسبب في قيام هاتف المستلم بتنزيل برامج تجسس من الخوادم المملوكة لشركة NSO وهو ما اعتبرته شركة واتساب انتهاكا ا للقانون الأمريكي.

لطالما واجهت NSO مثل هذه الاتهامات بصمت. مدعية أن الكثير من أعمالها هي من أسرار الدولة الإسرائيلية وقد قدمت القليل من التفاصيل المهمة حول عملياتها أو زبنائها أو ضماناتها واحترازاتها.

الآن ، على الرغم من ذلك ، تدعي الشركة أن الأمور تتغير. في عام 2019 ، تم إعادة بيع NSO ، التي كانت مملوكة لشركة أسهم خاصة ، لمؤسسيها وشركة أسهم خاصة أخرى  تسمى Novalpina ، مقابل مليار دولار وقرر المالكون الجدد اعتماد استراتيجية جديدة: الخروج من الظل. وظفت الشركة شركات علاقات عامة راقية  وصاغت سياسة جديدة  في مجال حقوق الإنسان ، ووضعت وثائق جديدة للتدبير، حتى أنها بدأت في عرض بعض منتجاتها الأخرى ، مثل نظام تتبع فيروس كورونا المسمى Fleming وبرنامج Eclipse الذي يمكنه اختراق الطائرات بدون طيار التي تعتبر تهديدًا أمنيًا.

على مدار عدة أشهر ، تحدثتُ مع مدراء شركة  NSO لفهم كيفية عمل الشركة وما تقول إنها تفعله لمنع انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب باستخدام أدواتها كما أنني تحدثت إلى منتقديها الذين يرون أنها تشكل خطرا على القيم الديمقراطية ومع أولئك الذين يحثون على مزيد من التنظيم لأعمال التجسس والقرصنة  وللمسؤولين الإسرائيليين عن تقنين هذا الميدان وقد تكلم مدراء الشركة عن مستقبل NSO وسياساتها وإجراءاتها للتعامل مع المشاكل ، وعرضوا الوثائق التي توضح بالتفصيل علاقتها مع الأجهزة التي تشتري منها برامجها مثل  Pegasus وبرامج أخرى ولكني وجدت نفسي أخاطب تاجر سلاح له تجارة مزدهرة، أما  داخل الشركة ، يعترف الموظفون بأن Pegasus هوسلاح حقيقي  يكافح مع مستويات جديدة من التدقيق تهدد أسس صناعتها بأكملها.

مهمة صعبة

منذ اليوم الأول الذي انضم فيه شموئيل سانراي إلى NSO كمستشار عام لها ، واجه حادثًا دوليًا تلو الآخر. تم تعيينه بعد أيام فقط من رفع دعوى واتساب، ووجد مشاكل قانونية أخرى تنتظره على مكتبه بمجرد وصوله. تمحورت جميعها حول  نفس الاتهام الأساسي: يتم بيع أدوات التجسس التي تطورها مجموعة  NSO Group، ويمكن إساءة استخدامها من طرف الأنظمة الغنية والقمعية التي تشتغل بدون حسيب ولا رقيب.

كان سانراي يتمتع بخبرة كبيرة في التستروالجدل: وظيفته السابقة كانت نائب رئيس شركة تصنيع أسلحة كبرى. خلال العديد من المحادثات ، كان ودودًا حيث أخبرني أنه تلقى تعليمات من المالكين لتغيير ثقافة ونمط اشتغال

NSO لكي تصبح  أكثر شفافية وللسعي نحو منع حدوث انتهاكات حقوق الإنسان. لكن من الواضح أنه كان محبطًا أيضًا من السرية التي شعر أنها تمنعه من الرد على الانتقادات.

قال لي سانراي عبر الهاتف من مقر الشركة في هرتسليا شمال تل أبيب: “إنها مهمة صعبة”. “نحن نفهم قوة الأداة ؛ نحن نتفهم تأثير إساءة استخدام الأداة. نحن نحاول القيام بالشيء الصحيح. لدينا تحديات حقيقية في التعامل مع الحكومات  ووكالات الاستخبارات ومسألة السرية والاحتياجات التشغيلية والقيود التشغيلية. إنها ليست حالة كلاسيكية لانتهاك حقوق الإنسان من طرف شركة، لأننا لا نشغّل البرامج بنفسنا ولسنا مشاركين في العمليات الفعلية للبرامج – لكننا نتفهم أن هناك خطرًا حقيقيًا لسوء الاستخدام من جانب الزبناء ونحن نحاول إيجاد التوازن الصحيح “.

وهذا يدعم حجة NSO الأساسية ، وهي حجة شائعة بين مصنعي الأسلحة: الشركة هي منشئ تقنية تستخدمها الحكومات، لكنها لا تهاجم أي شخص بنفسها ، لذلك لا يمكن تحميلها المسؤولية.

ومع ذلك ، وفقًا لـلسيد سانراي، هناك عدة طبقات من الحماية في البرنامج  لمحاولة التأكد من عدم استهداف الأفراد الخطأ.

إنجاح صفقة البيع

مثل معظم الدول الأخرى ، تفرض إسرائيل ضوابط على صادرات السلاح و تفرض الحصول على ترخيص من طرف شركات تصنيع الأسلحة وتخضعها  لرقابة الحكومة. بالإضافة إلى ذلك ، تباشر شركة  NSO إجراءاتها الخاصة ، كما يقول سانراي : يقوم موظفوها بفحص ملف دولة ما والنظر في سجلها في مجال حقوق الإنسان ، وفحص علاقتها بإسرائيل ثم  يقيّمون سجل الجهاز المحدد فيما يتعلق بالفساد والسلامة والتمويل وسوء المعاملة- بالإضافة إلى مراعاة مدى حاجتها إلى البرنامج المعني بالصفقة.

في بعض الأحيان يتم وزن السلبيات مقابل الإيجابيات. والمغرب، على سبيل المثال ، لديه سجل متدهور في مجال حقوق الإنسان ولكن لديه تاريخ طويل من التعاون مع إسرائيل والغرب في مجال الأمن ، بالإضافة إلى مشكل حقيقي هو خطر الإرهابي ، لذلك تمت الموافقة على البيع. على النقيض من ذلك ، قالت

NSO إن الصين وروسيا وإيران وكوبا وكوريا الشمالية وقطر وتركيا من بين 21 دولة لن تكون  أبدً من بين زبنائها.

أخيرًا ، قبل إجراء عملية البيع ، يجب أن توافق “لجنة الحكامة والمخاطر والملاءمة”  التابعة لـ NSO على الصفقة وتقول الشركة إن اللجنة ، المكونة من مديرين ومساهمين ، يمكنها رفض المبيعات أو إضافة شروط ، مثل القيود التكنولوجية ، يتم تحديدها كل حالة على حدة.

 

كيف تفادي التعسفات ؟

تقول الشركة إنه بمجرد الموافقة على البيع ، تمنع الحواجز التكنولوجية أنواعًا معينة من الانتهاكات. على سبيل المثال ، لا تسمح Pegasus باستهداف  أرقام الهواتف الأمريكية ، كما تقول NSO ، ولا يمكن حتى تحديد مكان الهواتف الموجودة فعليًا في الولايات المتحدة: إذا وجد المرء نفسه داخل الحدود الأمريكية ، فمن المفترض أن يقوم برنامج Pegasus بالتدمير الذاتي.

وتضيف  NSO إن أرقام الهواتف الإسرائيلية محمية أيضًا ، على الرغم من أن تحديد من يحصل على الحماية ولماذا لا يزال أمرا غير واضح.

عندما يصل إلى علم الشركة أن تعسفا ما قد حدث ، يجتمع  فريق متخصص يصل إلى 10 من موظفي الشركة من أجل التحقيق في النازلة فيربطون الاتصال بالزبون من أجل الاستفسار حول الادعاءات ، ويطلبون سجلات بيانات Pegasus.  ولا تشتمل هذه السجلات على المحتوى الذي استخرجته برامج التجسس ، مثل الدردشات أو رسائل البريد الإلكتروني – تصر NSO على أنها لا ترى معلومات استخباراتية محددة أبدًا – ولكنها تتضمن بيانات وصفية مثل قائمة بجميع الهواتف التي حاول برنامج التجسس اختراقها ومواقعها في ذلك الوقت.

ووفقًا لأحد العقود التي حصلت عليها مؤخرًا ، يجب على الزبناء  “استخدام البرنامج  فقط للكشف عن الجرائم وعن أفعال الإرهاب ومنعها والتحقيق فيها وضمان عدم استخدام النظام لانتهاكات حقوق الإنسان” كما يجب عليهم إخطار الشركة بسوء الاستخدام المحتمل. تقول NSO إنها أنهت ثلاثة عقود في الماضي بسبب مخالفات بما في ذلك تعسفات من طرف برنامج  Pegasus ، لكنها ترفض تسمية  الدول أو الأجهزة المتورطة أو من هم الضحايا.

نحن لسنا سذجا

ليس الافتقار إلى الشفافية هو المشكلة الوحيدة: فالضمانات لها حدود. في حين يمكن للحكومة الإسرائيلية إلغاء ترخيص

NSO لانتهاكات قانون التصدير ، فإن الجهات التنظيمية لا تأخذ على عاتقها البحث عن إساءة من قبل الزبناء المحتملين ولا تشارك في تحقيقات إساءة الاستخدام من طرف الشركة.

العديد من الإجراءات الأخرى هي مجرد رد فعل أيضًا. لا يوجد لدى NSO فريق دائم للانتهاكات الداخلية ، على عكس أي شركة تقنية أخرى تبلغ قيمتها مليار دولار تقريبًا ، ومعظم تحقيقاتها لا يتم تحديدها إلا عندما يدعي مصدر خارجي مثل منظمة العفو الدولية أو سيتيزن لاب وجود مخالفات. يقوم موظفو NSO بإجراء مقابلات مع الأجهزة  والزبناء  الخاضعين للتدقيق ولكنهم لا يتحدثون إلى الضحايا المفترضين، وبينما تعارض الشركة غالبًا التقارير التقنية المقدمَة كدليل ، فإنها تدعي أيضًا أن كلاً من سرية الدولة وسرية العمل تمنعها من كشف  المزيد من المعلومات.

كما تثير سجلات Pegasus التي تعتبر بالغة الأهمية لأي استفسار عن إساءة الاستخدام الكثير من الأسئلة. إن زبناء NSO Group هم قراصنة يعملون لدى وكالات تجسس ؛ ما مدى صعوبة العبث بالسجلات من طرفهم؟ وقد أصرت الشركة في بيان لها على أن هذا غير ممكن لكنها رفضت تقديم التفاصيل.

إذا لم يكن هناك خلاف على السجلات ، فإن NSO وزبائنها  سيقررون معًا ما إذا كانت الأهداف مشروعة ، وما إذا كانت هناك جرائم حقيقية قد ارتكبت ، وما إذا كان التجسس  قد تم بموجب الإجراءات القانونية اللازمة أو ما إذا كانت الأنظمة الاستبدادية تتجسس على المعارضين.

يقول سانراي غاضبًا بصوت مسموع  إنه يشعر كما لو أن السرية تجبره على العمل ويداه مقيدتان خلف ظهره.

قال لي “إني محبط ونحن لسنا سذجا و إن  كان هناك سوء استخدام فهو سوء استخدام. نبيع للعديد من الحكومات. حتى حكومة الولايات المتحدة ولا توجد حكومة مثالية كاملة الطهارة ، يمكن أن يحدث سوء الاستخدام، ويجب معالجته”.

التدقيق المتزايد

لقد نمت سوق التجسس القانوني والتجسس الإلكتروني بشكل كبير كمجال تجاري على مدار العقد الماضي ، دون أي بوادر على التراجع. اشترى المالكون السابقون لمجموعة

NSO الشركة في عام 2014 مقابل 130 مليون دولار، أي أقل من سُبع التقييم الذي بيعت فيه العام الماضي وكل الفاعلين في هذا المجال تنمو  أحجام معاملاتهم ، مستفيدة من انتشار تكنولوجيا الاتصالات وتزايد عدم الاستقرار العالمي. تقول دانا إنجليتون ، نائبة مدير منظمة العفو الدولية: “ليس هناك شك في أن أي دولة لها الحق في شراء هذه التكنولوجيا لمكافحة الجريمة والإرهاب”. “الدول قادرة بشكل قانوني وشرعي على استخدام هذه الأدوات. ولكن يجب أن يكون ذلك مصحوبًا بشكل أكبر بنظام تنظيمي يمنع الانتهاكات ويوفر آلية للمساءلة عند حدوث الانتهاكات “. وتقول إن تسليط ضوء أكثر إشراقًا على صناعة التجسس سيسمح بتنظيم أفضل وبمزيد من المساءلة.

في وقت سابق من هذا العام ، لجأت منظمة العفو الدولية إلى القضاء في إسرائيل بحجة أنه يجب على وزارة الدفاع إلغاء ترخيص

NSO بسبب انتهاكات Pegasus. ولكن بمجرد بدء القضية ، طُلبت المحكمة من مسؤولي منظمة العفو الدولية و29 من الملتمِسين الآخرين مغادرة قاعة المحكمة وتم وضع أمر حظر النشر على الإجراءات بناءً على طلب الوزارة. ثم ، في يوليو رفض القاضي على الفور معالجة الملف.

تقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة أنييس كالامارد: “لا أعتقد ، كمسألة مبدأ وكمسألة قانونية ، أن

NSO يمكن أن تدعي عدم تحمل للمسؤولية عن الطريقة التي تُستخدم بها أدواتها، هذه ليست الطريقة التي يشتغل بها القانون الدولي.”

 

تقدم كالامارد المشورة للأمم المتحدة بشأن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء ، وكانت تتحدث عن مجموعة NSO وصناعة برامج التجسس منذ أن تبين أن Pegasus كان يستخدم للتجسس على أصدقاء الصحفي خاشقجي وشركائه قبل وقت قصير من مقتله. بالنسبة لها ، فإن هذه القضية لها عواقب حياة أو موت.

يقول أحد المحامين إنه إذا خسرت NSO قضية  واتساب ، فإنها تثير التساؤل عن كل تلك الشركات التي تكسب رزقها من خلال اكتشاف الثغرات في البرامج وتستغلها.

تقول كالامارد: “نحن لا ندعو إلى شيء جديد جذريًا”. “نحن نقول إن ما هو قائم في الوقت الحالي يثبت أنه غير كافٍ ، وبالتالي يتعين على الحكومات أو الهيئات التنظيمية التحرك في اتجاه مختلف بسرعة. الصناعة آخذة في التوسع ، ويجب أن تتوسع على أساس الإطار المناسب لتنظيم ومحاصرة  سوء الاستخدام. إنه مهم للسلام العالمي “.

كانت هناك دعوات  قضائية لوقف مؤقت للمبيعات حتى يتم سن تنظيم أقوى ، لكن ليس من الواضح كيف سيبدو هذا الإطار القانوني. على عكس الأسلحة التقليدية ، التي تخضع لقوانين دولية مختلفة ، فإن الأسلحة الرقمية  لا تخضع حاليًا لأي اتفاقية عالمية لتحديد الأسلحة. وبينما تم اقتراح معاهدات حظر الانتشار النووي ، إلا أن هناك القليل من الوضوح حول كيفية قياس القدرات الحالية ، أو كيفية عمل المراقبة أو الإنفاذ ، أو كيفية مواكبة القواعد للتطورات التكنولوجية السريعة. وبدلاً من ذلك ، فإن معظم التدقيق اليوم يحدث على المستوى القانوني الوطني.

 

في الولايات المتحدة ، يبحث كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي والكونغرس في عمليات اختراق محتملة لأهداف أمريكية ، بينما يريد تحقيق يقوده مكتب السناتور رون وايدن معرفة ما إذا كان أي أميركي متورط في تصدير تكنولوجيا المراقبة إلى الحكومات الاستبدادية. تتطلب مسودة قانون الاستخبارات الأمريكية الأخيرة تقريرًا حكوميًا عن برامج التجسس التجارية وتكنولوجيا المراقبة.

 

في غضون ذلك ، اتخذت دعوى واتساب  القضائية هدفًا قريبًا من مهنة NSO. يجادل عملاق وادي السيليكون بأنه من خلال استهداف الثغرات في شركات  كاليفورنيا – أي واتساب و فيسبوك – أعطت NSO المحكمة في ولاية سان فرانسيسكو الفرصة لإنتاج اجتهاد قانوني ، وأن القاضي يمكنه منع الشركة الإسرائيلية من المحاولات المستقبلية لإساءة استخدام شبكات واتساب و فيسبوك ويفتح ذلك الباب أمام الكثير من الاحتمالات: يمكن لشركة أبل ، التي كان هاتفها أي فون هدفًا رئيسيًا لـ NSO ، أن تشن هجومًا قضائيا  مماثلًا كما يمكن لشركة غوغل أن تتحرك في نفس الاتجاه نظرا لاختراق برنامج أندرويد من طرف  NSO.

والتعويضات المالية ليست هي السيف الوحيد الذي يخيم على رأس NSO. تجلب مثل هذه الدعاوى القضائية معها أيضًا خطر اكتشاف قاعة المحكمة ، بل هناك أيضا احتمال إرغامها على كشف التفاصيل المتعلقة بصفقاتها التجارية ولائحة زبنائها أمام الجمهور.

يقول آلان روزنشتاين ، المحامي السابق بوزارة العدل وهو  الآن أستاذ في كلية الحقوق بجامعة مينيسوتا: “يعتمد الكثير على الطريقة التي تحكم بها المحكمة تحديدًا ومدى اتساع نطاقها في الانتهاك الذي يُزعم أن NSO ارتكبته هنا”. “كحد أدنى ، إذا خسرت NSO هذا الملف ، فإنها تثير التساؤل حول كل تلك الشركات التي تصنع منتجاتها أو تكسب رزقها من خلال اكتشاف الثغرات التقنية في برامج المراسلة وتقديم الخدمات التي تستغل هذه الثغرات . سيخلق هذا قدرًا كافيًا من عدم اليقين القانوني لدرجة أنني أتصور أن  الزبناء المحتملين سيفكرون مرتين قبل التعاقد معهم. أنت لا تعرف ما إذا كانت الشركة ستستمر في العمل، وإذا كان سيتم جرجرتها إلى المحكمة ، وما إذا كانت أسرارك ستكشف “. NSO رفضت التعليق على كل ذلك .

نحن دائما ضحايا للتجسس

في المغرب ، تعرض المعطي منجب لأربع هجمات تجسس  أخرى على الأقل طوال عام 2019 ، كل واحدة  منها أكثر تقدمًا من السابقة. في مرحلة ما ، تمت إعادة توجيه متصفح هاتفه بشكل غير مرئي إلى مجال مشبوه يشتبه الباحثون أنه تم استخدامه لتثبيت البرامج المسيئة  بصمت. بدلاً من شيء مثل رسالة نصية يمكن أن تثير الانتباه  وتترك أثرًا مرئيًا ، كان هذا الهجوم أكثر هدوءًا بحقن الشبكة وهو تكتيك محبوب لدى المتجسسين لأنه  غير محسوس تقريبًا إلا للمهندسين  الخبراء.

في 13 سبتمبر 2019 ، تناول منجب طعام الغداء في المنزل مع صديقه عمر الراضي ، الصحفي المغربي الذي يعد من أشد منتقدي النظام. في ذلك اليوم بالذات ، وجد البحث التقني أن هاتف الراضي  تعرض لنفس النوع من هجمات حقن الشبكات التي استهدفت هاتف منجب. قال باحثو منظمة العفو الدولية إن حملة التجسس  ضد الراضي استمرت حتى يناير 2020 على الأقل وقد تعرض منذ ذلك الحين لمضايقات الشرطة بشكل منتظم.

تلقى ما لا يقل عن سبعة مغاربة آخرين تحذيرات من شركة واتساب  للتجسس حول التجسس على هواتفهم ، بما فيهم  نشطاء حقوق الإنسان وصحفيون وسياسيون. هل هذه هي أنواع أهداف التجسس المشروعة – الإرهابيون والمجرمون – المنصوص عليها في العقد الذي يوقعه المغرب وجميع عملاء NSO؟

في ديسمبر ، أرسل منجب والضحايا الآخرون رسالة إلى الهيئة المغربية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي  يطلبون فيها إجراء تحقيق واتخاذ الإجراء الضروري المناسب . لم يأتِ أي جواب رسمي منها  ، لكن الخبير الاقتصادي المؤيد للديمقراطية ، فؤاد عبد المومني ، قال إن أصدقاءه في الهيئة أخبروه أن الرسالة ميؤوس منها وحثوه على التخلي عن الأمر. في غضون ذلك ، ردت الحكومة المغربية بالتهديد بطرد منظمة العفو الدولية من البلاد.

ما يحدث في المغرب هو نموذج لما يحدث في جميع أنحاء العالم. في حين أنه من الواضح أن الديمقراطيات هي المستفيد الرئيسي من التجسس  القانوني، فإن قائمة طويلة ومتنامية من التحقيقات الموثوقة والمفصلة والتقنية والعامة تظهر أن برنامج بيغاسوس يساء استخدامه من طرف الأنظمة الاستبدادية ذات السجلات الطويلة في انتهاكات حقوق الإنسان.

يقول عبد المومني: “المغرب بلد تحكمه  سلطة  استبدادية  تعتقد أنه يجب تدمير أشخاص مثل منجب وأنا. ومن أجل لتدميرنا فإن  الوصول إلى جميع المعلومات أمر أساسي. نحن نعتبر دائمًا أنه يتم التجسس علينا وكل معلوماتنا توجد بين يدي القصر “.

 

 

Sign In

Reset Your Password