منذ عقود طويلة، والسلطات المغربية تتحدث عن استراتيجية لمحاربة التهريب من سبتة ومليلية المحتلتين، لكن التهريب لم يتراجع بشكل كبير ويستمر كمصدر رزق لنسبة من ساكنة الشمال، لكن هذا التهريب يخلف فسادا قويا، إذ تصل العمولات التي يحصل عليها العاملون في معبر سبتة مثلا من جميع أنواع الأجهزة الأمنية والجمركية الى 70 مليار سنتيم سنويا.
وكشفت جريدة الباييس مؤخرا نقلا عن مصادر ضرائبية في سبتة أنها تعتقد أن قيمة البضائع التي تخرج من سبتة الى المغرب في حدود 700 مليون يورو (سبعة مليار درهم و70 مليون درهم) سنويا.
ويبرز العارفون بالتهريب في معبر سبتة أن تمرير هذه البضائع الى الجانب المغربي يتطلب تأدية ما بين 6% الى 15% من قيمة البضائع. إذ يختلف الأمر بين تأدية عمولة على مواد غذائية مثل الجبن مقارنة مع المشروبات الكحولية مثل الويسكي أو شاشات التلفزيون والهواتف النقالة.
وهذا يجعل العمولات المستخلصة والمؤداة على السلع المهربة الى حدود 70 مليون يورو أي 770 مليون درهم تذهب الى جيوب كل أفراد الأجهزة الأمنية والجمركية.
وينقسم المهربون الى قسمين، مهربون صغار يتعاطون للتهريب المعيشي ومهربون كبار يتولون تهريب كميات هائلة من السلع. ويتعرض المهربون الصغار الذين يتعاطون للمعيشي للاحتقار والمهانة من طرف أفراد الشرطة والجمارك في بعض الحالات، ومنها ما تعرض له الشاب عبد الرحمان الشيخي الأربعاء الماضي عندما أضرم النار في نفسه بسبب تعرضه لمعاملة مهينة. وفي المقابل، يحظى المهربون الكبار بمعاملة حسنة لأنهم يسددون عن كل عملية مبالغ مالية ضخمة، بينما يعمل الجمركيون على مصادرة سلع الصغار ليظهروا أنهم يعملون.
وتجد الدولة المغربية نفسها في موقف حرج للغاية، فهي لم توفر بنيات الشغل كبديل للتهريب رغم الحديث عن استراتيجية اقتصادية للضغط على سبتة ومليلية في أفق تحريرهما. وبهذا، تتسامح مع التهريب المعيشي للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في عدد من مناطق شمال البلاد.
وهذا التسامح يجري استغلاله من طرف أفراد الشرطة والجمارك الذين يجنون مبالغ مالية طائلة تحت ذريعة أن الدولة تطالبهم بالتسامح مع التهريب. كما سمح هذا الوضع بظهور مهربين كبار يشرون ذمم أفراد الأمن والجمارك ولا يؤدون أي ضريبة للدولة المغربية.
ونتيجة هذا الوضع، تحول معبر باب سبتة الى أكبر مصادر الاغتناء السريع رفقة منطقة كتامة المتخصصة في إنتاج المخدرات. وقال شخص يتعاطى للتهريب المعيشي حضر جناز عبد الرحمان الشيخي أول أمس الجمعة في تطوان “جمركي بسيط يحصل على علاوات تفوق مرتب رئيس أقوى دولة في العالم باراك أوباما، ورغم ذلك لا يستحون ويهينوننا”.
وكان تحقيق قد أمر الملك بفتحه السنة الماضية، كشف أن حسابات بعض أفراد الجمارك تتجاوز مليار سنتيم. وإذا كان مرتب الملك هو 33 مليون سنتيم (دون احتساب مشاريعه التجارية الخاصة)، فبعض أفراد الجمارك يحصلون على علاوات تتجاوز مرتب الملك.