أشاد العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب الذكرى ال14 لاعتلائه العرش بالمساعدات التي قدمتها الأنظمة الملكية في الخليج للمغرب وهي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر. مساعدات تخفف عن المغرب الأخطار الاقتصادية التي يعاني منها في ظل الأزمة الحالية، غير أن هذه المساعدات المالية الخليجية خصوصا في فترة ما بعد الربيع العربي باتت تحمل معها عدة تساؤلات تشغل بال الرأي العام في المغرب وفعالياته السياسيىة والمدنية والإعلامية المستقلة.
وكشف الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 14 لعيد العرش أن مبلغ هذه المساعدات هو مليار دولار سنويا ولمدة خمس سنوات، وهو ما يشكل أكثر من 1% من النمو الاقتصادي المغربي.
ويفضي هذه الانشغال في المغرب بهذه المساعدات إلى اختمار سؤال محوري يختزل الجدل خاصة الدائر في الصالونات غير الرسمية، ويأخذ الصيغة الآتية:” كيف ينظر المغاربة إلى المساعدات الخليجية هل باعتبارها دعما اقتصاديا محضا ام رهنا سياسيا لمصالح استراتيجية لأنظمة الخليج العربي؟”.
منذ تبلور التحولات السياسية والاجتماعية بتفاوت في خريطة العالم العربي بفضل هبة الربيع العربي تشكل سياق جديد لمبررات الفعل السياسي الخارجي على الساحة العربية بالنسبة إلى دول خليجية خصوصا السعودية والإمارات- قطر كان دورها بالاتجاه المعاكس- التي وجدت نفسها مهددة بامتددات تلك التحولات الجارفة التي أعادت على نحو ما تشكيل خريطة السلطة في بلدان عربية، وتحول هذين البلدين الخلجيين أساسا إلى مطرح يلقى فيه “منبوذو” الربيع العربي. فيما يزحف هذه الربيع حتى بات على حدوهما في اليمن وداخل رقعتها في البحرين وفي أطراف العالم العربي بتونس ومصر وليبيا والمغرب.
غير أن البلدان العربية ذات الأنظمة الملكية كانت حساسيتها أقرب من حبل الوريد بالنسبة إلى عصب النظام الخليجي الملكي في الرياض ودبي والدوحة والكويت، وكانت حدودها الأولى في وجه زحف الربيع على بلدان مثل المغرب والأردن. وأي تحول يمسها تعتقد معها تلك النظم الخليجية لا محالة سوف يطالها خصوصا في فترة الربيع الجارفة التي كانت عدوى التحولات والاحتجاجات تنتقل في المجتمعات العربية كما تنتقل النار في الهشيم.
وفي ظل هذه المخاطر السياسية عمدت دول الخليج إلى الا ستثمار في إمكاناتها المالية أساسا، وتحويلها إلى حواجز تبطئ عملية الانتقال وتعيقها.
وابتكرت في هذا السياق البلدان الخليجية مبادرة ضم المغرب والاردن الى مجلس التعاون الخليجي باعتبارهما نظامين ملكين إلى اتحادهما في محاولة إلى تحصين هذه النظم أمام تقلبات الربيع العربي. وقرأ جزء كبير من المغاربة من خارج دائرة السلطة الرسمية في هذه الدعوة توجسا وقلقا يتربص الدوائر بتطلعات المواطنين إلى التغيير والتحول، بل لم يغر المواطنين المغاربة ظاهرها الذي قد يوحي به من إمكان توفير فرص العمل والتنقل إلى هذه البلدان، ولم تغرهم الصناديق السيادية المكتنزة في هذه البلدان التي تسطيع أن تبيد الفقر عن الخريطة العربية من أقصاها إلى أقصاها.
وعكست التحليلات السياسية في وسائل الإعلام المستقلة في الصحافة المغربية تخوف الرأ ي العام المغربي من هذه الدعوة خصوصا في مرحلة كان المغاربة يطالبون بمزيد من الإصلاحات السياسية بالمغرب. وترسب لدى المغابة صورة سلبية عن المبادرة التي كانت تحمل وعودا اقتصادية لا غير، وهي صورة تنطق برفض ضمني للمبادرة لانعكساتها السياسية السلبية، والدليل على ذلك هو ان الخطاب الإعلامي المغربي المستقل لم يحمل أي مضامين أسف على فشل الفكرة.
وعكس جزء من الصحافة وخاصة المستقلة منها وشبكات التواصل الاجتماعي أثناء زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى دول الخليج منذ شهور، كيف بدت الحكومة المغربية المنتخبة في وضع ثانوي أمام “محيط القصر المغربي القوي”، لأنها الصورة التي تروق نظم الخليج ولا تزعجمهم خصوصا في فترة يتعلق بها الامر بطلب مساعدات.
وفي الفترة الحالية تبادر بلدان خليجية وخاصة السعودية والإمارات في ظل الخلاف والانقسام الحاد سواء في مصر نفسها او في العالم العربي حول الازمة المصرية، لتضع مدخراتها المالية الضخمة تحت تصرف السلطة الجديدة في مصر بقيادة الجيش الذي قام بعزل الرئيس المصري محمد مرسي إثر حشد جماهيري في ميدان التحرير تطالب بإسقاطه، فيما كانت تحبسه عن الرئيس المعزول الذي انتخب لاول مرة بشكل ديمقراطي في مصر .
وكان لتهافت السعودية والإمارات وبلدان خليجية أخرى على دعم عزل مرسي بتقديم سخاء مالي لمصر، “كافيا لفهم ما يحدث في مصر “والتطلع إلى مستقبلها، وارتبط هذا الدعم المالي في رأي عدد مهم من الراي العام المغربي” بوأد اول تجربة ديمقراطية في هذا البلد المغاربي”.
ويسطر طيف مهم من المتجادلين المغاربة في المواقع الاجتماعية انطباعات يؤكدون فيها أن “النظم الخليجية البارزة لن تمنح مالها لدعم الديمقراطية في العالم العربي أو سلطة يقودها إسلاميون خاصة التي وصلت عن طريق انتخابات نزيهة”.
ويتراكم مع هذه المعطيات لدى المغاربة توجس من المساعدات المالية من بلدان الخليج للمغرب، ويعظم لديهم القلق من “احتمال وجود رهن سياسي” ينعكس على الإصلاحات المؤسساتية في المغرب وعلى تضحيات أبنائه في التحول السياسي نحو ديمقراطية أصح، على الرغم مما قد يحمله من تنفيس للخنق الاقتصادي المتربص بالمغرب. فمساعدات دول الخليج ليس كمساعدات الدول الاوروبية على الرغم من اختلافهما في طبيعتهما ، حيث يرهن الاوربيون ما تيسر من مساعدات بالإصلاحات و حقوق الإنسان، وتطالب بشفافية مراقبتها،وهو امر ينتفي في حال المساعدات الخليجية التي لا يعلم في المغرب من يتصرف فيها.