صدر هذه الأيام تقرير عن منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونيسكو عن وضع التعليم في العالم وشمل المغرب، حيث وصف التعليم المغربي بالكارثي وجاء تصنيفه ضمن العشرين أسوأ دولة في العالم. وقطاع التعليم يعتبر استراتيجيا في تاريخ ومسار الدول، فهو الركيزة الذي تساعد دولة على النهوض أو التخلف. ولم يحظى تقرير اليونيسكو بالمعالجة الإعلامية والسياسية اللازمة في المغرب بسبب تولي المؤسسة الملكية الإشراف على هذا القطاع الذي يدخل ضمن القطاعات السيادية الحساسة.
والتقرير صدر منذ أيام، وتسترت عليه وسائل الاعلام الرسمية بسبب علاقته بالمؤسسة الملكية. واعتادت وسائل الاعلام التستر على هذه التقارير القائمة على أسس علمية التي تخلف المغرب في قطاع ما ولكنها في المقابل تنشر والى مستوى الإشهار البروبغاندا تصريحات مسؤولين سياسيين يزورون المغرب وتكون تصريحاته مجرد مجاملة ليس إلا.
تقرير اليونيسكو يبرز قصور التعليم المغربي على شاكلة دول إفريقية متخلفة للغاية. ويختزل أهم مظاهر هذا القصور في عنصرين رئيسيين، الأول وهو بقاء شريحة لا يستهان بها من الأطفال المغاربة خارج التعليم دون وصولهم الى المدرسة أو إكمالهم على الأقل المرحلة الابتدائية، ويحدث هذا في القرن الواحد والعشرين. والعنصر الثاني هو الفقر المعرفي للتعليم في المغرب الذي لا يمنح التلميذ الأدوات المعرفية لاكتسابات مهارات تفيده في حياته المستقبلية.
وعليه، يترتب عن الفشل في تعميم التعليم استمرار الأمية، وينتج عن عدم اكتساب المعرفة للمهارات الفشل في الحياة المهنية، وهذا الفشل الثنائي يلقي وسيلقي بتأثيراته السلبية للغاية على المغرب راهنا ومستقبلا.
وفشل قطاع التعليم في المغرب يفسر التخلف الذي يعيشه المغرب حاليا سواء على مستوى التنمية البشرية الذي يحتل فيها تقريبا المركز 130، إذ أنه لا يمكن تحقيق أي تنمية بشرية في غياب الركيزة الأساسية وهي التعليم. في الوقت ذاته، فشل التعليم يفسر استمرار التفاوت الطبقي في المغرب بحكم أن الأغنياء بما فيهم الوزراء يراهنون على التعليم الأجنبي والخصوصي. وبهذا، فالتعليم الذي شكل خلال العقود الأخيرة “المصعد الاجتماعي” للفقراء، أصبح ينتج فقط المهمشين. وما ينطبق من تقييم سلبي على التعليم الابتدائي ينطبق على التعليم الثانوي والجامعي.
وتتعدد العوامل التي تساهم في تأخر التعليم المغربي، ومهما كانت قوتها فهي تبقى قاصرة أمام مفارقة تاريخية خطيرة وهي: المغرب الذي يقع جغرافيا في ملتقى الحضارات في البحر الأبيض المتوسط وعلى بعد مسافة قصيرة للغاية من أوروبا التي شهدت النهضة العلمية والحضارية منذ قرون والذي يتوفر على خمسة ملايين مغربي في الخارج، يجري تصنيف تعليمه رفقة دول إفريقية لم تكتسب صفة الدولة إلا في الستينات بعد خروج الاستعمار منها وبقيت بعيدة كل البعد عن التيارات الثقافية العالمية.
ويمكن اختزال فشل التعليم في عاملين رئيسيين وتتفرع عنهما عوامل أخرى متعددة، الأول وهو سياسي والثاني مرتبط بالتخطيط الاستراتيجي.
وعلاقة بالعامل السياسي، المؤسسة الملكية هي التي تتولى الإشراف على التعليم عبر المجلس الأعلى للتعليم الذي يعينه الملك سواء في عهد الراحل الحسن الثاني أو الحالي محمد السادس. ويخضع التعيين لحسابات ضيقة للغاية مرتبطة بمدى ولاء من وقع عليه التعيين لشخص الملك أكثر بكثير من الولاء للوطن. ويكفي أن يكون لخبير ما أن سبق وطالب بملكية برلمانية حتى يتم إقصاءه فبالأحرى عندما يتعلق الأمر بخبير يفترض أن له ميولات جمهورية أو انتقد ثروة الملك وأداء الملك وأصدقاء الملك.. وهذه المسطرة في الاختيار تتم على حساب الكفاءات وإن تعلق الأمر بقطاع حساس مثل التعليم الذي يهم مستقبل الوطن. وكان وزير التعليم العالي لحسن الداودي قد صرح منذ شهور في البرلمان أن “التقارير الأمنية تتحكم في التعيينات”. وسياسيا، لا يمكن تحميل الحكومات المتعاقبة مسؤولية فشل التعليم بالمغرب بل المسؤولية الأولى تعود الى المؤسسة الملكية.
وعلاقة بعامل التخطيط، عادة ما يسند الملك ملف التعليم الى محيطه، وهذا المحيط يلجأ الى التعاقد مع مراكز أجنبية للدراسات أغلبها تكون فرنسية . ويبقى الخطئ هو أنه إذا كانت مراكز الدراسات الأجنبية قادرة على مساعدة المغرب في الولوج الى بعض الأسواق الدولية، فالتجارب تؤكد أنه لا يمكن نهائيا أن تفيد في الاقلاع التعليمي. فالنهضة التعليمية مرتبطة بالبيئة المعاشة وليس بالنماذج المستوردة وخاصة من دول متقدمة مثل فرنسا لأن تاريخها وما راكمته من تجربة تعليمية يعود الى قرون بينما المغرب حديث العهد بالتعليم في صورته الحديثة.
وتبرز التجربة أن الدول التي نجحت في نهضتها الاقتصادية والعلمية وتصنف الآن بالدول الصاعدة مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وأندونيسيا والبرازيل أو الواعدة مثل الإكوادور وإيران وجنوب إفريقيا اعتمدت على خبراء خاصين بها في تسطير برامج تعليمية واستقرت على تطبيق نموذج مخططات على مدى “الجيل الثقافي أو الجيل التعليمي” (15 سنة وليس الجيل البيولوجي 30 سنة) وهو ما أهّل جيلا كاملا لتحقيق ثنائية “مجتمع المعرفة والرأسمال الاجتماعي”، وهما عنصرين ضرورين للإقلاع المعرفي نحو التقدم. لكن في المغرب، يغلب طابع العشوائية على تطبيق مخططات التعليم التي لا ترتكز على نموذج قار.
والمسؤولية التي تتحملها الملكية بالدرجة الأولى لا تعني أن الملك لا يرغب في التقدم للبلاد وإنما استمرار المنطق السياسي الأمني الضيق في اختيار الخبراء علاوة على عقدة الأجنبي في الدراسات والتقارير ركائز لا تساعد على إعداد تعليم حقيقي يشكل نهضة حقيقية ليغادر المغرب المرتبة 130 في التنمية البشرية التي يحتلها منذ سنوات طويلة.