لا ترغب اسبانيا في مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي لكن احتمال مغادرتها مستقبلا هذا التجمع سيدفع بمدريد الى طرح مسألة سيادة وتصفية الاستعمار من جبل طارق بشكل قوي.
وكان وزير الخارجية الإسباني المؤقت مانويل غارسيا مارغايو قد أعرب منذ أيام في تصريحات للإذاعة الرسمية عن رغبة مدريد في بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي نظرا لوزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري، لكنه لم يستبعد انتصار أنصار خروج هذا البلد من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي سينظم حول هذه القضية. ووقتها ستكون معادلة سياسية مختلفة منها تحول اسبانيا الى مخاطب رئيسي لواشنطن وسط الاتحاد الأوروبي ومنها كذلك إعادة طرح ملف جبل طراق بشكل أكبر مباشرة بعد الاستفتاء.
ومن القضايا التي تهم اسبانيا هو ملف جبل طارق، المستعمرة البريطانية عند المدخل الشرقي لمضيق جبل طارق، حيث ستتغير طرق التعامل مع سكان الصخرة وخاصة الحدود التي تجمعها مع اسبانيا وسيتم العودة الى العمل بالحدود وإعادة النظر في الامتيازات المالية التي يتمتع بها سكان الصخرة بشكل غير مباشر.
وعملت الحكومة الإسبانية الحالية برئاسة ماريانو راخوي، وهي مؤقتة نتيجة فشل الأحزاب في تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات 20 ديسمبر، على استحضار ملف جبل طارق بشكل قوي في السياسة الوطنية الداخلية والمحافل الدولية والحيلولة دون مشاركة منتخبات الصخرة في اللقاءات الرياضية الدولية. ويحدث هذا بشكل لم يسبق أن شهدته اسبانيا خلال الثلاثة عقود الأخيرة في تركيزها على استعادة الصخرة باستثناء خلال حقبة حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو.
وتنطلق الحكومة المؤقتة من منطلقات يومية محافظة ترى في استمرار الوجود البريطاني في الصخرة بمثابة عار سياسي على الدولة الإسبانية. وعملت خلال السنوات الأخيرة على محاربة تبييض الأموال في الصخرة، ومحاولة تقييد حرية الملاحة من خلال عدم تساهلها مع الصيادين من جبل طارق أو توسيع مرافئ ميناء الصخرة على حساب المياه الإقليمية.
في الوقت ذاته، تنسق مع الأرجنتين لتشكيل جبهة موحدة للضغط على بريطانيا لتصفية الإستعمار، جبل طارق بالنسبة لإسبانيا وجزر المالوين بالنسبة للأرجنتين. وعمليا، حقق البلدان تقدما في هذا الشأن من خلال وضع لندن في موقف حرج في الأمم المتحدة خاصة بعد الدعم القوي الذي تحظى به الأرجنتين من شركاءها في أمريكا اللاتينية.
لكن تطبيق اسبانيا استراتيجيتها السياسية الجديدة تجاه صخرة جبل طارق مرتبطة ببقاء الحزب الشعبي اليميني المحافظ في الحكم لأنه الوحيد الذي يركز على هذا الملف بشكل أكبر من الباقي. وفي المقابل، لا يهتم الحزب الاشتراكي الذي يتناوب على الحكم كثيرا بهذا الملف الاستعماري، ويتجاهل اليسار الراديكالي مثل اليسار الاشتراكي الموحد أو الحزب الجديد “بوديموس” ملف صخرة جبل طارق بشكل مطلق بل ويطالب بتمكين بعض الأقاليم مثل كتالونيا وبلد الباسك من استفتاء تقرير المصير للبقاء ضمن اسبانيا أو الاستقلال وتكوين دولة جديدة.
وتوجد ومنذ سنوات مفاوضات بين لندن ومدريد حول مستقبل جبل طارق، لكنها لم تؤدي الى نتائج تذكر حتى الآن، الأمر الذي يدفع اسبانيا الى الضغط بين الحين والآخر وخاصة إذا كان الحزب الشعبي المحافظ في الحكم.