تواجه إسبانيا تحديات دبلوماسية كبيرة سنة 2023 على رأسها توطيد العلاقات مع المغرب في القمة المرتقبة على مستوى رئيسي حكومتي البلدين، ثم إنقاذ العلاقات مع الجزائر التي وصلت الى مستوى قطيعة عملية منذ الصيف الماضي.
وتستعد إسبانيا لرئاسة الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من السنة الجديدة، وتأمل في تطوير العلاقات الأوروبية مع الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وخاصة منطقة المغرب العربي. وترغب في الوصول إلى الرئاسة الدورية وقد أرست علاقات طبيعية بدون توتر مع كل من المغرب والجزائر.
وعلاقة بالمغرب، ينتظر عقد القمة المغربية-الإسبانية على مستوى رئيسي حكومتي البلدين نهاية يناير أو بداية فبراير المقبل، ولم تعقد القمة منذ سنة 2015، علما أن اتفاقية الصداقة وحسن الجوار تنص على عقد القمة سنويا وبشكل دوري في البلدين. وحالت مشاكل كثيرة دون عقد القمة وأبرزها على خلفية موقف إسبانيا من نزاع الصحراء الذي كان يعارض الحكم الذاتي، وعارض موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما اعترف بمغربية الصحراء خلال ديسمبر 2020. وكان رئيس حكومة مدريد بيدرو سانشيز قد أكد في رسالة الى الملك محمد السادس تعود الى مارس دعمه لمقترح الحكم الذاتي، واشترطه بقبول جبهة البوليساريو.
وعلقت وكالة أوروبا برس في مقال تحليلي لها الاثنين من الأسبوع الجاري أن القمة المغربية-الإسبانية تعد أول امتحان حقيقي لدبلوماسية مدريد سنة 2023. وعمليا، لن تحل القمة المقبلة المشاكل العالقة ومنها الحدود البحرية ثم رغبة المغرب في استعادة مراقبة أجواء الصحراء، ذلك أن مدريد ورغم خروجها من الصحراء سنة 1975، مازالت هي المسؤولة عن مراقبة الطيران لدى المنظمة الدولية للطيران المدني. بل سترمي، وفق مصادر سياسية إسبانية لتعزيز سياسة التفاهم بعد التوتر ما بين 2019-الى منتصف 2021 للانطلاق نحو علاقات متينة. وعلق وزير خارجية إسبانيا خوسي مانويل ألباريس على القمة يوم الأحد قائلا ” “القمة ستعني دفعة جديدة في العلاقة الثنائية تعود بفائدة غير عادية لكليهما، فقد ارتفعت التجارة بين البلدين بنسبة 30٪ تقريبا سنة 2022 وأن الهجرة غير القانونية من المغرب انخفضت”.
ويبقى التحدي الحقيقي للدبلوماسية الإسبانية هو استئناف العلاقات مع الجزائر بعدما وصلت على مستوى القطيعة. فقد سحبت الجزائر سفيرها من اسبانيا منذ شهور، وجمدت الواردات من إسبانيا وأبقت على صادرات الغاز لخضوعها لاتفاقية دولية، وذلك كرد فعل من الجزائر بسبب موقف مدريد الداعم للحكم الذاتي حلال لنزاع الصحراء.
وإذا كان دعم الحكم الذاتي في الصحراء هو المفتاح السري لتحسين علاقات مدريد مع الرباط، فهو المفتاح السحري نفسه لتحسين العلاقات مع الجزائر ولكن في اتجاه معاكس، أي التراجع عن دعم الحكم الذاتي وفي المقابل دعم تقرير المصير. وقال ألباريس في تصريح لوكالة أوروبا برس الأحد الماضي أن مدريد تحافظ على “يدها ممدودة نحو الجزائر” وهي واثقة من أن العلاقة يمكن إعادة توجيهها على ضوء الصداقة بين الشعبين. مبرزا في هذا الصدد، أن “إسبانيا تريد علاقة مع الجزائر مثل تلك التي تربطها بجيرانها الآخرين تقوم على الاحترام المتبادل ، والمنفعة المتبادلة ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وتلك التي تسترشد بالصداقة”.
واعترف بتجميد الجزائر للواردات من إسبانيا ابتداء من يونيو الماضي بعدما أوقفت العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار. وأوضح بإخبار المفوضية الأوروبية تدريجيا بكل العمليات التجارية التي يجري تجميدها، بحكم أن المفوضية لديها الآليات المناسبة للتحاور مع الجزائر في مجال التبادل التجاري.
وكانت إسبانيا قد بدأت تغازل الجزائر بشكل محتشم عندما تفادى رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في خطابه أمام أشغال الأمم المتحدة خلال سبتمبر الماضي تأييد الحكم الذاتي علانية في نزاع الصحراء، واكتفى بدعم قرارات الأمم المتحدة في هذا النزاع.
وبهذا، تعتبر علاقات إسبانيا بكل من الجارين الجنوبيين المغرب وإسبانيا أكبر امتحان لدبلوماسيتها خلال سنة 2023، وكل شيء رهين بنوعية موقفها من نزاع الصحراء.