صدر العديد الجديد من مجلة ” وجهة نظر” المتخصصة في الدراسات السياسية والاجتماعية، وركز أساسا على البحث والغوص في أعماق النخب التي أفرزها عهد الملك محمد السادس عبر مالات تحليلية متعددة. ويبدأ العدد بمذكرة للمؤرخ المغربي الشهير أبو القاسم الزياني يعكس فيها حياته كمثقف انتهازي ، شديد التعلق بالسلطة ، رغم المحن والهزات التي تعرضت لها حياته من جراء هذا التعلق .
والى جانب المذكرة ، تضمن العدد ستة دراسات تحليلية وقعها باحثون مغاربة حاولوا فيها مقاربة إشكالية النخب التي افرزتها حقبة الملك محمد السادس والتي تسمى “النخب المحمدية” في شكليها الرسمي المدعم للسلطة والمضاد للرسمي الذي يتجلى في إصلاح الملكية أو رفضها كما هو الشأن مع العدل والإحسان. ففي دراسة همت النخبة التقنوقراطية ، تم رصد وتتبع المرجعية المخزنية التقليدية التي أضحت خادمة أمينة لمفهوم التقنوقراط الحديث ، فبتوجيه من المخزن العتيق ، تم تحويل الممارسة السياسية / الحزبية إلى مجال للخدمة المؤدى عنها ، وخلف هذه الصورة ظل المخزن هو الفاعل السياسي الوحيد الذي يتحكم في كل شيء
وبتجاوز للإدعاءات الرسمية المروجة لوهم كون الاقتصاد المغربي بات اقتصاد سوق يحتكم لحرية الولوج إلى العمل المقاولاتي والمنافسة ، تصدت إحدى الدراسات لموضوع ” المقاولون المغاربة والهيمنة المخزنية على الاقتصاد “، مشرحة على حدة ، كل حالة من حالات المقاولون المغاربة الجدد ، مؤكدة على الجذور الريعية والمخزنية الكامنة خلف نجاحات هؤلاء المقاولين الذين لمع نجمهم في سماء العهد المحمدي.
النخبة الحزبية في العهد المحمدي تحضر في هذا العدد ، من خلال دراسة رصدت الخط النازل لرجالات السياسة في المغرب ، من محمد بلحسن الوزاني ، والمهدي بن بركة ، وعبدالله ابراهيم وعلال الفاسي ، إلى المستويات المنحطة جدا التي نشهدها حاليا والمتمثلة في عدة نماذج من قبيل شباط ، ولشكر ، وبن كيران. في الوقت ذاته، النخبة البرلمانية ، المتمثلة في الزوج والزوجة ، والإبن والابنة والأب ، والإخوة ، تحضر في هذا العدد باعتبارها معوقات تؤدي إلى انحصار الفعل البرلماني وانتشار طبائع السلوك غير القويم وعوز الفعالية .
وفي دراسة ذات مقاربة كلاسيكية للنخب ، تمت مقاربة موضوع النخب النسائية “للعهد المحمدي” من داخل الحقل الرسمي والحقل المضاد ، حيث تعرضت بالتشريح لنماذج متعددة لهاته النخب، محددة سمات هاته النخب، والمسارات التي قطعتها في طريقها إلى التنخيب. كما يعالج الملف موضوع النخب الدينية الجديدة ، مستعرضا في هذا الصدد نخب الحقل الرسمي ونخب الحقل المضاد.
كعادة مجلة ” وجهة نظر ” وخارج الملف ، تضمن العدد قراءة في موقف مؤسسة المخزن الرافض للدعوات الجهادية التي تبناها الزعيم الدرقاوي محمد العربي، بالإضافة إلى مقالة تبحث في تاريخ الزمن الراهن من حيث المفهوم والإشكالات، ودراسة حول ” آليات الإقناع في خطاب نهضوي من خلال تحليل نص لرفاعة رافع الطهطاوي ” ، وبحث في الجسد باعتبارة شرارة حراك وأيقونة تغيير .
اختتمت مجلة ” وجهة نظر ” عددها هذا ، بورقة شاعرية للمحام ” عبد الرحيم الجامعي ” يتذكر فيها ” عبداللطيف الدرقاوي ” أحد ضحايا سنوات الجمر ، وسنوات الديمقراطية المحمدية ، الذي يعاني في صمت مريب ، بعيدا عن الأضواء، “وهو المناضل الذي لم يغير جلدته ولا باع مبادئه”.