يستخدم منتقدو الإسلام وأعداؤه في الغرب بكثرة مصطلح “الفاشية الإسلامية” المثير جداً للجدل، وخاصة في السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد تم تحليل هذا المصطلح وخلفياته التاريخية تحليلاً علمياً شاملاً في ملحق مجلة “عالم الإسلام” الشهيرة. جوزيف كرويتورو يسلط الضوء على ذلك لموقع قنطرة.
يوضح المستشرق والمحاضر في مدينة بيرن السويسرية راينهارد شولتزه في ملحق خاص بمجلة “عالم الإسلام” أبعاد إشكالية تشبيهات الإسلام في الغرب. ففي الحقبة النابليونية، كان من المعتاد اتهام قادة الثورة الفرنسية على أنهم أنصار دين سياسي، وتشبيههم بالإسلام بسبب تشددهم، إذ كان (ماكسيميليان دو) روبسبيير يوصف بأنه “محمد جديد”.
وأثناء سنوات الصراع الثقافي في ألمانيا استخدم الناشرون المتدينون هذا النوع من التشبيهات لتشويه صورة خصومهم السياسيين من خلال اتهامهم بكونهم رسلاً لـ”إسلام جديد”.
وحتى في خضم الجدل القومي الألماني في ذلك الوقت، لم تكن تلك التشبيهات غائبة، وإن لم يكن مقصوداً بها الاتهام بالإلحاد، بل بتبني نظام مستبد.
هتلر وموسوليني “أنبياء”
كما شبّه الفيلسوف الألماني كونستانتين فرانتس، أحد معارضي سياسة بروسيا تجاه ألمانيا، بيسمارك بمحمد وشبّه نظامه السياسي بالإسلام. ومع ظهور الفاشية، عادت التشبيهات بالإسلام إلى الانتشار، إذ استخدمها المراقبون الأجانب في وصف التعصب الديني الذي ظنوه حاضراً لدى موسوليني.
فقد وُصف الدكتاتور الإيطالي، مثل هتلر أيضاً، بـ”النبي”، إذ قال عالم اللاهوت السويسري كارل بارت في إحدى محاضراته في ديسمبر 1938: “لا يمكن للمرء أن يفهم الاشتراكية القومية دون أن يراها بالفعل كإسلام جديد ودون أن يرى أساطيرها كرب جديد وهتلر نبيّه”.
إلا أن القواسم المشتركة بين الإسلام والفاشية، في نظرهم، ظلت غير واضحة من خلال استخدام هذه التشبيهات المثيرة للجدل، حتى قام عالم اللاهوت الألماني هانز إيرنبيرغ، الذي شارك في تأسيس حركة “الكنيسة المعترِفة”، بكتابة مقال سنة 1941 ساق فيه حججاً قوية، من وجهة نظره، تبرر هذه التشبيهات.
ومن وجهة نظر راينهارد شولتزه، فإن هذا المقال يحتوي تقريباً على كل الحجج التي يستخدمها منتقدو الإسلام في وقتنا الراهن عند استعمالهم لمصطلح الفاشية الإسلامية. ففي البداية، من منظور شولتزه، يتم فضح الإسلام على أنه في الأصل فاشي، ومن ثم يتم اقتباس بعض التصريحات الإيجابية التي أطلقها عرب أو مسلمون حول هتلر أو موسوليني.
تشبيهات في سياق الثورة الإسلامية
وفي نهاية الأمر، تتم الإشارة إلى هذا البلد المسلم أو ذاك، الذي يُفترض أن نظامه القمعي يستند على نموذج الدولة الفاشية. هذه الإشارة يمكن إيجادها في التوصيفات الغربية للثورة الإسلامية في إيران سنة 1979.
وفي هذا السياق، يُعتقَد بأن أول من استخدم مصطلح “الفاشية الإسلامية” كان ديتليف خالد دوران (1940-2010)، الذي اعتُبر لبعض الوقت في ألمانيا مستشرقاً. لكن هذا المصطلح بدأ يصبح دارجاً منذ يوليو 2001، حين استعمله دوران في مقابلة مع صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية المحافظة للإشارة إلى الإسلامويين.
لكن قمة استخدام هذا المصطلح لم تأت بعد الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، كما توضح الإحصائيات التي يوردها شولتزه، بل بين سنتي 2005 و2008. وأكثر السنوات التي استُخدم فيها هذا المصطلح كانت 2006، وذلك بعد تصريحات الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش، الذي حذّر في السابع من غشت من تحوّل “الفاشية الإسلامية”، بحسب قوله، إلى أيديولوجية ثابتة قد تهدد بالاستحواذ على الشرق الأوسط، ولذلك يتوجب محاربتها.
انتشار واسع في أوساط اليمينيين الشعبويين
وبعد أربعة أيام على تلك التصريحات، تحدث بوش عن حرب تخوضها الأمة الأمريكية ضد “الفاشيين الإسلامويين”، والذين لا يتوانون عن استخدام أية وسيلة للإضرار بالأمريكيين المحبين للحرية وبأمتهم، بحسب تعبيره.
أما اليوم، كما يلاحظ شتيفان فيلد في مقدمته، فإن مصطلح “الفاشية الإسلامية” منتشر بشكل واسع خاصة في أوساط اليمينيين الشعبويين والمتطرفين بأوروبا، وهو أمر لا يثير الاطمئنان، لأن ذلك المصطلح لم يحظَ حتى الآن بدراسة معمقة من قبل المختصين.
وبالفعل، فإن المقال الذي كتبه المؤرخ الألماني يوآخيم شلوتيزيك، والذي يعد جزءاً من هذا الملحق الجدير بالقراءة والمكوّن من 12 مقالاً، يوضح إشكالية إصباغ صفة “الفاشية” على العالم العربي، حيث كانت هناك بعض المحاولات السطحية، من قبل مجموعات فردية لا تحظى بنجاح سياسي كبير، لتقليد بعض الشخصيات الفاشية.
زد على ذلك فإن في العالم العربي غياباً لأهم العوامل التي يعتبرها الباحثون مطلوبة لصعود الحركات الفاشية كما كان في أوروبا، ألا وهي الدولة المركزية ذات البيروقراطية الفاعلة والدرجة العالية من الحضرية والعلمانية، إضافة إلى ديمقراطية راسخة ومتجذرة يتخذها الفاشيون عدواً لهم.