لعل هذا العنوان ” حين يمشي العار عاريا”، الذي اقتبسناه من مقال للمفكر الفلسطيني عزمي بشارة نشره عام 2009، يصف المغامرة التي أقدمت عليها السلطة في المغرب عندما قررت منع الأستاذ المؤرخ المعطي منجب من السفر للخارج في الصيف الماضي للمشاركة في ندوات علمية، ثم لفقت له ولصحافيين ونشطاء آخرين تهما ثقيلة من قبيل “المس بأمن الدولة” و “زعزعة ولاء المواطنين للمؤسسات الدستورية” وتلقي تمويلات من الخارج لأجل ذلك، و قد انعقدت الجلسة الأولى من المحاكمة يوم الخميس 19 نوفمبر2015 وأجلت ثم الجلسة الثانية يوم الأربعاء الماضي 27 يناير 2016 ليتم تأجيلها كذلك إلى يوم 23 مارس المقبل بسبب عدم استدعاء متابعين وغياب ثالث.
ما هو ذنب هؤلاء القوم في نظر السلطة؟ أو لنكون واضحين في نظر العقل الأمني المغربي الذي يمسك بكل السلط ويتحكم فيها بوسائل شتى ولا يخجل أن يفبرك محاكمات العار ويورط صورة البلاد في المهازل تلو المهازل؟
إن ذنبهم أنهم انخرطوا في عملية تكوين الصحافيين الشباب على تقنيات صحافة التحقيق،
وذنبهم أن منهم من أسس جمعية للحقوق الرقمية من بين أهدافها نشر الوعي حول موضوع الحقوق الرقمية المتعلقة باستعمال التقنيات الحديثة في ميدان التواصل والإعلام، وذنبهم أن بعضهم كالمعطي منجب وطارق رشيد من الأعضاء المؤسسين لجمعية “الحرية الآن” ومن ضمن مكتبها التنفيذي، والمعطي منجب هو رئيسها. والمعطي منجب تحقد عليه السلطة حقدا دفينا ومعتقا منذ أيام الحسن الثاني لأنه يكتب باللغات الثلاث تحاليلا علمية ورصينة ولكنها تعري السلطة فسادها واستبدادها، كيدها وخداعها، فهو يجرؤ على تسمية المستحوذين على السلطة بأسمائهم الحقيقية التي يعرفهم بها الجميع وليس باستعمال البدائل الديبلوماسية “كالمخزن” أو “النظام” أو الدولة” إلخ … ذّنبه أن بعض مقالاته وكتبه أصبحت مرجعا للباحثين والهيئات الحقوقية الدولية وحتى بعض الديبلوماسيين من الدول الديمقراطية ولهذا وجب التشهير به ليدخل الصف أو ليصمت على الأقل.
أما عن صحافة التحقيق، فمشكلتها إزاء السلطة أنها لا تكتفي بالتحقيق في الظواهر الاجتماعية بل قد تنبش في ملفات الفساد، الفساد السياسي والمالي والاقتصادي والرياضي والأمني والدبلوماسي، وكلها مواضيع تزعج السلطة التي تبني تدبيرها للبلاد ولشؤون العباد على الفساد ثم الفساد والانتقام من الذين يفضحون الفساد
من جهة أخرى ما معنى تهمة المس بأمن الدولة؟ كان على من حرر هذه التهمة أن يكتب المس بأمن السلطة. لماذا؟ لأن السلطة الحاكمة في المغرب قامت بعملية سطو على الدولة ومؤسسات الدولة ومكوناتها وسخّرتها لمصلحتها ثم هي تحاول جاهدة أن توهم الناس أنها هي الدولة وأن المجتمع والوطن مِلك لها تفعل بهما ما تشاء بينما الدولة في الحقيقة يجب أن تكون إفرازا للمجتمع ومِلك له وليس العكس.
ثم ما معنى “زعزعة ولاء المواطنين للمؤسسات الدستورية”؟ نفس المنطق التسلطي نجده في هذه العبارات هل ولاء المواطنين يجب أن يكون للوطن الذي يجمعهم أم لمؤسسات قد لا يتفقون مع طريقة تدبيرها للشأن العام ولم يستشرهم أحد ولم يستشر ممثليهم في تعيين المسؤولين عنها.
قضية الزعزعة هذه أو بالدارجة “التزعزيعة” تذكرنا بمهزلة “التفعفيعة” التي انبثق عنها ذهن وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، فهل أصبحت دبلوماسية الفعفعة وقضاء الزعزعة من السمات البارزة للاستثناء المغربي؟
و ما شأن جمعية الحرية الآن التي يرأسها الأستاذ منجب بكل هذه المهازل ؟ مشكلتها بدأت منذ نشأتها كامتداد للجنة التضامن مع الصحافي علي أنوزلا لما قررت السلطة أن تنتقم منه هو أيضا نظرا لممارسته نشاطه الصحافي بنزاهة وحرية فأدخلته السجن وصنعت له تهمة العار وهي دعم أفعال إرهابية، بضعة أسابيع بعد أن لعب الموقع الرقمي “لكم” الذي كان يديره أنوزلا أنذاك دورا كبيرا في إخبار الرأي العام الوطني ثم الدولي بفضيحة العفو الملكي عن المواطن الإسباني دانيال كالفان مغتصب الأطفال المغاربة.
إنه دائما نفس الاستثناء المغربي حيث تأتي فضيحة لتغطي على أخرى وحيث يمشي العار عاريا دون خجل.