ماذا يعني وصول الصين الى الجانب المظلم من القمر؟ د. حسين مجدوبي

القمر

يوم الخميس 3 يناير 2019، أعلنت الصين عن نزول مسبار فضائي في الجانب المظلم للقمر، وهو حدث عظيم في تاريخ الإنسانية يؤكد قوة الصين في غزو الفضاء لتنضم الى الولايات المتحدة وروسيا، وربما ريادتها للإنسانية مستقبلا لتحل محل يادة الغرب التي طالبت قرونا.

صباح الخميس المذكور في الصين، وبينما كان الغرب مازال يعيش الساعات الأولى من الليل في الولايات المتحدة ومنتصف الليل في أوروبا بينما العالم العربي في ظلام ليس تعاقب الليل والنهار بل في ظلام معرفي، نجح المسبار الصيني تشينج إي  4 في الهبوط في الجانب المظلم للقمر، حيث عجزت الولايات المتحدة وروسيا حاليا وسابقا الاتحاد السوفياتي في الهبوط في تلك المنطقة رغم الطيران في أوائها وتصويرها عن بعد.  

وعملية هبوط المسبار يعد تحديا علميا للأمة الصينية، نعم الصين ذات تاريخ عريق ضارب في القدم، لكنها عانت خلال القرن التاسع عشر ومنتصف العشرين كوارث وأهوال جعلتها في مؤخرة الترتيب في التنمية البشرية في العالم، لكنها حققت في ظرف نصف قرن معجزة حقيقية. لم تعد الصين هي الدولة التي تستقبل استثمارات غربية أساسا بسبب اليد العاملة الرخيصة بل الأمة التي تبهر العالم في التقدم الصناعي والتكنولوجي في ظرف وجزي للغاية، نتحدث عن عقود من الزمن بشأن التحاقها بركب عصر التكنولوجيات المتقدمة.

ولنستحضر أحداث وقعت خلال نهاية ديسمبر الماضي وبداية يناير الجاري، في ظرف أسبوعين فقط، فقد بدأ الغرب يشن حربا قيقية ضد شركة هواوي للاتصالات بتهمة تورطها في التجسس لصالح الحكومة الصينية. وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات من عدمها، تعد الصين المنافس الحقيقي لصناعة الاتصالات الغربية ومن يدور في فلكها من يابان وكوريا الجنوبية والتايوان، سواء على مستوى آلات الهاتف أو الأقمار الاصطناعية أو مد شبكات الاتصالات، وهو ما لم تنجح فيه روسيا رغم صناعتها العسكرية المتقدمة.

ومنذ أسبوع، فاجأت الصين العالم بتجربة ما يعرف بأم القنابل وهي قنابل غير نووية ولكنها شديدة الانفجار والتدمير، ويتطلب صنعها تقدما تكنولوجيا هائلا تتوفر عليه فقط روسيا والولايات المتحدة، علما أن هذا البلد لم يشهد صناعة عسكرية سوى خلال الثلاثة عقود الأخيرة مقارنة مع البلدين المذكورين.

ويوم الخميس الماضي، فاجأت الصين العالم بالنزول في المنطقة المظلمة من القمر، ويعتبر الحدث منعطفا في تاريخ علاقة البشرية بالفضاء وليس فقط حدثا صينيا بل يدخل في طينة أحداث من وزن وصول الولايات المتحدة للقمر سنة 1969 أو إرسال وكالى الناسا الأمريكية مسبارا فضائيا الى المريخ منذ سنوات. وستقدم على مفاجآت أخرى خلال السنة المقبلة ومنها إنشاء محطة فضائية مأهولة على شاكلة مير الروسية والمحطة الدولية التي تشارك فيها عدد من الدول الكبرى.

لقد رفعت الصين شعار التحول الى أول قوة في العالم في منتصف الأربعينات من القرن الجاري، أي في ظرف أقل من ثلاثين سنة، ولا يتعلق الأمر بالتحول الى قوة اقتصادية بل الى قوة متعددة الأوجه تجمع بين السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي وأساسا العلمي. وسيتزامن هذا مع المائوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. ويعتقد الصينيون أنه جاء دور الصين في قيادة الإنسانية بعدما قام الغرب بهذا الدور خلال الثلاثة قرون، حيث كان رائدا في الإنتاج الفكري والعلمي ولاسيما في المجال الطبي والصناعة. وهذا التصور لا يعني نهاية دور الغرب بل فقط انتقال الريادة الى الصين.

توجد دراسات وكتب بالمئات حول مستقبل الصين وريادتها للعالم تحاول فهم التقدم الصيني ونوعية النموذج التنموي الذي تعتمده لاسيما وأنها دولة تفتقر الى عاملين رئيسيين، الأول وهو المواد الخامة ومصادر الطاقة، ثم غياب الديمقراطية، علما أن الكثير من الدراسات تربط التقدم بالحرية الحقيقية، على الأقل تجربة الغرب.

لكن رغم غياب العنصرين المذكورين، تعد الخطوات التي تقطعها الصين ملفتة للنظر الى مستوى المعجزة، فنسبة هامة من تفوقها العلمي خلال العقد الأخير يقوم على “البرنامج القومي متوسط وبعيد المدى لتطوير العلوم والتكنولوجيا” الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2006. قبل هذا التاريخ كانت الصين قوة علمية، لكن هذا البرنامج هو أساس النهضة العلمية في العقد الحالي والعقود المقبلة، حيث أصبحت بفضله تهدد عرش الولايات المتحدة والغرب في الإنتاج العلمي.

لعل الميزة في التقدم الصيني هو دمقطرة التقدم للإنسانية جميعا. تخيلوا لو كان الأيفون هو الهاتف الوحيد في العالم، لكان أكثر من ثلثي البشرية أو 80% بدون هاتف، لكن الشركات الصينية وضعت رهن الإنسانية منتوجا بأسعار في متناول الكثيرين. ويحد هذا مع الحاسوب ومعدات أخرى كثيرة بل وسيحدث مستقبلا في التجهيزات الآلية الطبية والأدوية التي ستعوض بدون شك دور الغرب الأناني في هذا الجانب بحكم الأسعار المرتفعة التي يفرضها.

يعترف الأمريكيون بالدور المستقبلي للصين، دراسات وندوات وكتب صادرة عن كبريات الجامعات ومراكز التفكير الاستراتيجي تعترف بهذه الأطروحة. ولنتذكر فيلما أمريكيا وهو 2012 للمخرج رولان إيميريش الذي يتحدث عن نهاية العالم، لقد كان الصينيون هم الذين صنعوا تلك السفن-الغواصات على شاكلة تصور سفينة نوح التي أنقذت جزء من البشرية لضمان استمرار الإنسان في الكرة الأرضية.

Sign In

Reset Your Password