وأخيرا، بدأت وسائل الإعلام الدولية تدرك صعوبة إن لم يكن استحالة تنفيذ إسرائيل لهجمات ضد إيران بسبب مشروعها النووي، الذي يشكل خطورة على أمنها القومي. ورغم تلويح إسرائيل، بالحرب لا يتحرك المنتظم الدولي للتنديد بها، ونتساءل، ماذا لو كانت إيران هي الدولة السباقة إلى التهديد بالحرب، وفعل مثلها عدد من الدول من الجنوب نحو الشمال، مثل مطالبة المغرب والجزائر فرنسا وإسبانيا بالحد من التسلح.
وعليه، منذ قرابة عقدين من الزمن، وعدد من وسائل الإعلام الدولية تتحدث بين الحين والآخر عن فرضية شن الولايات المتحدة الحرب على إيران، ثم الحديث عن شن حرب إسرائيلية ضد إيران لوقف برنامجها النووي. وكان يجري تصوير إيران بأنها بمجرد ما ستحصل على القنبلة النووية ستعمل على إنهاء الحياة على الكرة الأرضية بتوجيه القنابل في كل الاتجاهات، وكأن قادة طهران هم نسخة متحورة من الدكتور «نو» في الفيلم الأول لجيمس بوند، وهو الدكتور الذي كان يرغب في خلق الفوضى والسيطرة على تدمير الكوكب. وتناسى الكثير من المحللين تصريحا مهما للرئيس جاك شيراك عند الحديث عن القنبلة النووية الإيرانية وهو: «تدرك إيران أنها إذا استعملت القنبلة النووية ضد إسرائيل ستنهال القنابل النووية عليها وتمحوها من الكرة الأرضية».
ولعل المثير للسخرية عسكريا هو الحديث عن حاجة إسرائيل إلى طائرات صهريج لتنفيذ ضربات ضد المشروع النووي الإيراني. وعليه، هل يعقل من الناحية العسكرية أن إسرائيل، التي تعتبر إيران العدو الأول، وتدعي أنها تستعد للحرب منذ سنوات طويلة، وتدرك أن تنفيذ كل عمل عسكري سيكون جوا، وتدرك جديا المسافة البعيدة الفاصلة بينهما، التي تحتاج إلى طائرات صهريج، وبالتالي لم تعمل منذ 20 سنة على اقتناء هذه الطائرات؟ منذ سنوات، وأنا أستبعد حدوث حرب أمريكية ضد إيران، وأخذا بعين الاعتبار القوة العسكرية الأمريكية الكبيرة، فكيف ستقوم إسرائيل بشن هذه الحرب، وهي القوة العسكرية المحدودة مقارنة مع الولايات المتحدة. ومن تلك المقالات «واشنطن لن تشن حربا ضد إيران لا الآن ولا مستقبلا» (القدس العربي 27 فبراير/شباط 2017) وكان بمناسبة تهديد الرئيس السابق دونالد ترامب لطهران بسبب تجربة صاروخ باليستي. وفي مقال آخر بعنوان «خرافة الحرب الأمريكية الإسرائيلية ضد إيران» بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اعتبرت التلويح بالحرب خرافة، لاسيما وأن إسرائيل تلوح بالحرب منذ سنة 2003، فما هي الأسباب التي منعتها من تنفيذ هذه الحرب وتركت إيران طيلة 18 سنة تطور برنامجها النووي وتطور أسلحة متطورة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة. الجواب بسيط وهو: إسرائيل لا تمتلك القوة العسكرية لضرب إيران، باستثناء استعمال القنبلة النووية، وهذا أمر لن يحدث. إن استعراض، من باب المقارنة، الترسانة العسكرية لإسرائيل وتلك التي تمتلكها إيران، لاسيما الصواريخ الباليستية والمضادات للطائرات ستجعل الحديث عن وقوع الحرب صعبا للغاية، لأن السؤال عن الجواب الرئيسي: هل ستحقق إسرائيل هدفها من هجوم جوي ضد منشآت إيران النووية؟ غير مضمون نهائيا. ما زال البعض في وقتنا الراهن يرى قوة إسرائيل العسكرية وفق حرب 1967، في حين يجب رؤية إسرائيل وفق حرب يوليو/تموز 2006 ضد حزب الله عندما فقدت قوة الردع والحسم، لكن هذا لا يعني فقدان القوة العسكرية أو ضعفها نتحدث عن الحسم. ويجب رؤية القوة الإيرانية في أحداث عسكرية ذات دلالة رمزية كبيرة وهي: قدرتها على إسقاط طائرة بلاك هاوك المتطورة جدا، خلال نوفمبر 2019 بمنظومة صواريخ محلية الصنع، ثم نجاح مسيّرات إيرانية في التحليق فوق حاملات طائرات خلال إبريل/نيسان 2019 كذلك، دون الحديث عن قوة الصواريخ الباليستية.ووسط هذا الجدل العسكري، يبقى اللافت للانتباه هو تهديد إسرائيل بشن الحرب الاستباقية ضد إسرائيل، دون صدور أي شجب من طرف الغرب ومن طرف الأمم المتحدة. يصدر التهديد وكأن جزءاً من العالم قد قبل بقيام إسرائيل بالدور الدركي، وكأن إسرائيل تمتلك القوة المعنوية والرمزية والأخلاقية للقيام بذلك. ونطرح هذا الإشكال بشكل عكسي: ماذا لو بدأت إيران بالحديث عن حقها في حرب استباقية ضد إسرائيل بسبب برنامجها النووي غير المعلن عنه الذي يهدد أمنها القومي (أمن إيران) وكذلك بصفتها مصدرا للخطر في الشرق الأوسط نظرا لاحتلالها فلسطين وجزءاً من سوريا؟ هذا النوع من السياسة «الحق في مهاجمة الآخر» أو «منعه من امتلاك القوة العسكرية» لا يقتصر فقط على إسرائيل بل هي استراتيجية تتبناها الدول الكبرى والغرب تقريبا برمته. وهكذا، نرى فرنسا تعرب عن قلق كبير بسبب التقدم الصناعي العسكري التركي أو التسلح الجزائري. في هذا الصدد، حذّر رئيس الأركان الحربية البحرية الفرنسية الأدميرال بيير فونديي نهاية أكتوبر/تشرين الأول من القوة التي أصبحت تتوفر عليها البحرية التركية والجزائرية، خلال السنوات الأخيرة. ويتكرر السيناريو نفسه مع إسبانيا تجاه المغرب، حيث يشهد البرلمان الإسباني أسئلة نواب من حزبي الشعبي وفوكس ينبهان الى خطر اقتناء المغرب أسلحة متطورة. ونرى هذه الأيام كيف تريد روسيا حرمان أوكرانيا من التسلح. وفي المقابل، لا يصدر تنبيه من فرنسا أو إسبانيا تجاه تطور القوة البحرية الإيطالية أو الألمانية. وعليه، وكأن القدر يحتم على دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط أن تبقى عسكريا دون الضفة الشمالية.
ولنتخيل، ماذا لو قامت الدول العربية والإسلامية والافريقية بمطالبة الدول الكبرى بالحد من تطوير الأسلحة والحد من التسلح، حتى لا تشكل خطرا على جيرانها الجنوبيين. ونتساءل: ماذا لو طلب المغرب من إسبانيا الحد من التسلح، وتفعل الجزائر الشيء نفسه مع فرنسا؟ تجنبا لتكرار أحداث الماضي تحت ذريعة الماضي الاستعماري للبلدين في احتلال الجنوب. عندما تقدمت فرنسا عسكريا قامت باحتلال المغرب والجزائر وتونس ودول أخرى.