حصلت «أخبار اليوم» على خلاصة تتضمن أهم مضامين مرافعة الصحافي، توفيق بوعشرين، أمام القضاء، ننشرها هنا خدمة للحقيقة
سيدي القاضي… منذ أكثر من ثلاثة أشهر وأنا صامت خلف هذا القفص الذي اعتدت الوقوف داخله بسبب تهم غير حقيقية بل “وهمية”، وقبل أن أدخل إلى صلب الموضوع أحب أن أقول ثلاث جمل مفيدة في هذه المحاكمة، التي سيكون لها ما بعدها، وستدخل إلى تاريخ المحاكمات الكبرى لحرية الرأي والتعبير، وستؤشر على تحول جذري؛ من التعامل “السياسي” مع الصحافيين إلى “التعامل الأمني”، والجميع يعرف الفرق بين الأسلوبين.
الجملة الأولى، هذه محاكمة بدون متهم؛ فالجميع هنا ضحايا، وأنا في مقدمتهم. النسوة اللواتي جيء بهن إلى المحكمة، أريد لهن أن يكن حطبا لإحراقي، وفي النهاية سأتحول أنا وهنّ إلى رماد. لهذا أتمنى من فريق دفاعي أن يكون “رؤوفا” بهن أثناء الاستجواب والأسئلة. فهن ضحايا، أيضا، اخترن الخضوع والإذعان تصورا منهن أنهن “سينجين” من هذه المحرقة إن طاوعن “مهندس” هذه المحاكمة.
الجملة الثانية، يا سيدي القاضي، هي أن هذا الملف دخل إلى هذه القاعة الجنائية من باب سياسي وأتمنى أن يخرج من باب قانوني. ليس دفاعي من سيّسه، بل “النيابة العامة”، التي تنازلت عن اختصاصاتها لجهات أخرى وتحولت إلى “متعهد حفلات مريعة”، في خرق لكل ضمانات المحاكمة العادلة إلى درجة أن النيابة العامة، وفي سابقة من نوعها، صارت تسابق وسائل الإعلام في المس بقرينة البراءة، فيما سماه النقيب عبداللطيف أوعمو – الذي أفتخر بوقوفه إلى جانبي – بمسابقة الزمن الإعلامي للزمن القضائي.
لقد اختارت النيابة العامة ومنذ الساعات الأولى أن تعرضني على “محاكمة الرأي العام”، وليس على أنظار القانون والقضاء والمساطر.. فأصدرت أكثر من سبعة بلاغات، ونظمت ندوات صحافية، وامتدت يدها إلى دفاعي حيث حركت دعوى قضائية ضد النقيب محمد زيان لإخافة باقي عناصر الدفاع. كما امتدت يدها إلى المصرحات، وشملت الشجاعة عفاف براني، حيث سارعت إلى عرضها على المحاكمة من أجل إخراس صوت الحق والحقيقة في هذا الملف.
الجملة الثالثة، هي عبارة عن مثال عملي لتبسيط جوهر هذا الملف الذي لا يحتاج إلى ذكاء خارق لفهمه، فالأمر أشبه بلص اقتحم بيت مواطن أو مكتب موظف وسرق دفتر شيكاته وعمد إلى تزوير توقيعه ووضع مبلغا كبيرا، ثم ذهب إلى القضاء يطالب بما زعم أنه حقه، مستخرجا من جريمة “سرقة الشيك وتزوير التوقيع وفبركة المبلغ”، دليل إدانة.. هل يحق له ذلك… لقد فبركوا مجموعة من الفيديوهات المستخرجة من كاميرات زرعوها في مكتبي تصور 24/24 ساعة لمدة أربع سنوات، ثم جاؤوا بثلاث مشتكيات لا رابط بينهن “نظريا”، فوضعن شكايتهن بالاغتصاب في 10 أيام، واحدة منهن مجهولة، ومع ذلك تسلمت منها النيابة العامة الشكاية وأعطت لصاحبها رقما تسلسليا. أما الغرض من هذه الشكايات الوهمية، – والتي يعود زعم بعضها إلى أكثر من سنة، فهو اقتحام مكتبي بحوالي 40 عنصرا أمنيا (سأشرح فيما بعد لماذا هذا العدد الضخم)، ودس أشرطة مفبركة، وأين؟ خلف التلفاز في مكتبي بعد ما غادرته للمرة الأولى بأمر من رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، الذي أصر على إخراجي من المكتب أول ما دخل هو وعناصره بدعوى تفقد باقي المكاتب، ولما رجعنا وجدنا أن العناصر الأمنية التي تركها خلفه تشهر هذه الفيديوهات في – قرص صلب– وDVR وكاميرات في مكتبي لمواجهتي بها، ولأنه لا توجد جريمة كاملة، فقد ألهمني الله أن ناديت على “مراد معبير”، مسؤول قسم المعدات الإلكترونية، والذي يتكلف بكل ما هو إلكتروني في مكتبي وباقي مكاتب الجريدة وسألته أمامهم ودون سابق إخبار لأن الشرطة داهمتني، وأنا في باب عمارة الأحباس متوجها إلى سيارتي.
سألت مراد هل سبق له أن رأى هذه المعدات في مكتبي فنفى أمامهم الأمر، وقال بالحرف: “هذه أول مرة أرى هذه الأجهزة هنا”. ومعلوم أن مكتبي يظل مفتوحا يدخله جل الصحافيين، علاوة على الكاتبة والمنظفة والضيوف حتى في غيابي..
سيدي القاضي، سادتي المستشارين،
لم تستمع الشرطة لمراد هذا، ولا بحثت في دفتر ممتلكات الشركة لتعرف هل سبق لها أن اشترت هذه المعدات أو لا؟
للسلطة سوابق مع الماثل أمامكم في “اختراع” تهم “الحق العام”، للهروب من تهم الصحافة المكلفة للسلطة أمام الرأي العام. لقد سبق وأن حوكمت بقانون “جريمة المس بالعلم الوطني”، في قضية الكاريكاتور الشهير، وكان التكييف القانوني ونص الحكم كما يلي في سنة 2008: إذا ما أكملنا الرسم الموجود في الكاريكاتور للنجمة في العلم الوطني، فإننا سنحصل على نجمة سداسية وليس خماسية كما هي علم المملكة – وسميت هذه المحاكمة محاكمة “لو أتممنا”، وبموجب هذه المحاكمة أغلقت الجريدة وصودرت وجرى تشميع المقر وحكم عليّ بسنة سجنا موقوفة التنفيذ، وبعد سنوات “أسقطت محكمة النقض” هذا الحكم “المعِيب”، والذي شكل سابقة هي الأولى من نوعها في باب أحكام “لو”، أي محاكمة النوايا في المحكمة. ثم بعد سنة من هذه المحاكمة جرى اختراع محاكمة أخرى توبعت فيها بجنحة “النصب والاحتيال”، وذلك عقابا لي على الرجوع لإصدار الجريدة والاحتفاظ بنفس خط التحرير المهني المستقل. هذه المرة جاؤوا بمهاجر مغربي في هولندا كان لي معه نزاع قضائي في المحكمة المدنية. وكانت المحكمة قد حكمت لصالحي في دعواي لإتمام إجراءات البيع، ثم جاء من نصحه بوضع شكاية ضدي لدى النيابة العامة بدعوى أني وعدته “بالنوار”، في صفقة بيع فيلا ولم أوف بوعدي ورغم أن المهاجر “المسكين”، لم يحضر ولا جلسة واحدة، فإن القضاء حكم عليّ بستة أشهر حبسا نافذا وأسبغ “شرعية قانونية”، على “النوار”، المزعوم في صفقة بيع عقار ثم توالت “الفضائح القانونية”، التي كان مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان الآن، شاهدا عليها كمحام، ثم كوزير للعدل.. حيث جرى فيها خرق قاعدة “من اختار لا يرجع”، كما تحول فيها الجنائي إلى مبرر يعقل المدني وليس العكس. المهم تحول الحكم إلى وقف التنفيذ بعد سنوات في الاستئناف… وكل هذا لبعث رسائل إلى الماثل أمامكم.
قبل اعتقالي يوم 23 فبراير 2018 بأكثر من شهرين، وصلتني عدة إشارات تكشف أن جهات في السلطة ما عادت تستطيع احتمال كتاباتي، وخط جريدة “أخبار اليوم”، الذي يعرف الصغير قبل الكبير أنه خط مستقل، وأن “أخبار اليوم” هي آخر تجربة ليومية مستقلة ومهنية وجريئة ولو بشكل عقلاني…
ففي 15 دجنبر 2017، كنت قد توجهت إلى قطر في زيارة مهنية، فحصلت يوم الخميس على تأشيرة قطر عبر الإيميل. وركبت يوم الجمعة في الخطوط الملكية المغربية في اتجاه مطار الدوحة، فلما وصلت ليلا في الثانية صباحا من يوم السبت بتوقيت الدوحة منعت من دخول قطر ولما سألت قالوا: أنت موضوع على “اللائحة السوداء للممنوعين من دخول تراب قطر”، فسألتهم كيف؟ ومتى حدث هذا؟ أنتم منحتموني تأشيرة يوم الخميس فكيف وضعتموني في اللائحة السوداء يوم الجمعة وهو يوم عطلة في قطر؟ رد علي مسؤول أمني في المطار وقال: يبدو أن طلب منعك من دخول قطر جاء من المغرب… هنا توجهت إلى باريس ومنها إلى الرباط وأنا أسأل لماذا تطلب جهات في المغرب من قطر منعي في دخول أراضي هذه الأخيرة؟ وقد سبق لي زيارة قطر عدة مرات: بل سبق واشتغلت في قناة “الجزيرة” لعدة أشهر سنة 2003… لما رجعت إلى المغرب طلبت موعدا مع وزير الخارجية ناصر بوريطة لفهم اللغز، لكن وقته لم يسمح إلى غاية الأسبوع الثالث من فبراير، بعث له رسالة أخبره بما وقع وأسأله، هل فعلا وزارة خارجيته من طلبت من قطر منعي من دخول البلاد؟… لم يرد عليّ. جاء الرد بعد أسبوع باعتقالي في مكتبي بطريقة “هتشكوكية”.
كل هذا وقع حتى قبل أن توضع أية شكاية ضدي من قبل أي فتاة. أول امرأة وضعت شكايتها ضدي في 12 فبراير 2018، أي يوم صدور حكم قضائي ابتدائي ضدي عن محكمة عين السبع قضى بتعويض للوزيرين عزيز أخنوش ومحمد بوسعيد قدره 440 ألف درهم، في الوقت الذي كان يطالبان “أخبار اليوم” بمليار سنتيم بسبب نشرها خبر “انتزاع” صلاحية الآمر بالصرف في صندوق تنمية العالم القروي من رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران لصالح وزير الفلاحة عزيز أخنوش، وهو ما شكل أزمة في حينه، واتهم الماثل أمامكم، يا سيدي، بالمسؤولية المباشرة عن اندلاع أكبر أزمة في حكومة بنكيران. يبدو أن الحكم لم يعجب “صاحب أفريقيا”، فدفع نعيمة الحروري، التي تشتغل في ديوان لمياء بوطالب كاتبة الدولة في السياحة عن حزب الأحرار، لتقدم شكاية ضدي بالاغتصاب في يوم من أيام أكتوبر 2017، لم تعد تذكره؟ وهي أول مرة أسمع فيها عن سيدة لم تعد تتذكر يوم اغتصابها؟
الحادثة الثانية، التي سبقت اعتقالي هي مقال نشرته في “أخبار اليوم”، حول الأمير محمد بن سلمان، تحت عنوان: “أمير يبيع الوهم”، وقد وصلني من مصادر دبلوماسية مغربية أن الرياض غضبت من هذه الافتتاحية، رغم أنها خلت من أي سب أو قذف. وهو الأمر الذي دفع ناصر بوريطة، وزير الخارجية، للتصريح في ندوة صحافية بضرورة توقير السعودية في الإعلام المغربي، وكنت أنا المقصود طبعا. الرياض كانت تنوي تقديم شكاية للقضاء المغربي عبر سفارتها بالرباط، لكن هناك جهات أخرى طلبت منها عدم فعل ذلك، وترك أمر “هذا العبد الضعيف” لجهات في السلطة ستربيه وتعاقبه شر عقاب على “صداع الراس”، الذي تسبب فيه، أما متابعته على مقال أو رأي أو افتتاحية، فلن يفيد مادام قانون الصحافة الجديد لا عقوبات حبسية فيه.
الحادثة الثالثة، التي سبقت اعتقالي هي توصلي من صديق– حسن طارق– برسالة توصل بها من مجهول تخبرني بكل تفاصيل ما سيجري، أربعة أيام قبل اعتقالي. ومازلت أحتفظ بهذه الرسالة التي يقول صاحبها إن له غيرة على حرية الصحافة وعلى حق الجمهور في معرفة ما يجري، ويستنكر فبركة ملفات أخلاقية للصحافيين. كما أخبر “فاعل الخير” هذا، عبر رسالته أن مكتبي يعج بكاميرات، وأن هناك ضغوطا مورست على فتيات لتقديم شكايات للقضاء، وطلب مني هذا “المجهول” نشر خبر في الجريدة عن وجود أعداد كبيرة من أفراد الأمن حول الجريدة. لكنني لم أفعل لثقتي في براءتي، ولسذاجتي، أيضا، لم أتصور أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ستهجم على مكتبي بكومندو من 40 شخصا، وأنها تحمل “حجة مفبركة” لإدانتي وقتلي معنويا ورمزيا، وربما ماديا بدفعي “للجنون”، من خلال متابعتي بجناية تصل عقوبتها إلى 20 سنة، وعزلي الكلي عن العالم في زنزانة انفرادية وجناح انفرادي، ومنع حتى موظفي السجن من الحديث معي.
يا سيدي القاضي، لو كنت فعلا أتوفر على 15 ساعة من التسجيلات الجنسية، هل كنت أتركها في مكتبي الثلاثاء والأربعاء والخميس لتأتي الشرطة يوم الجمعة في الخامسة مساء وتحجزها وتدينني بها؟ هل هذا منطقي؟
يا سيدي القاضي، دور قضاة النيابة العامة تطبيق القانون الذي وضعه المشرع، وليس وظيفتهم التغطية على خروقات “الشرطة السياسية”. والنيابة العامة لا يمكن أن تكون أداة من أدوات إدارة الصراع السياسي مع خصوم بعض الجهات النافذة. ليس من أجل هذا نالت النيابة العامة استقلاليتها وخرجت من تحت رقابة وزارة العدل، حتى دون أن تكون تحت رقابة أي مؤسسة في الدولة. إننا أمام “دولة النيابة العامة” على وزن “دولة القضاة” التي عرفتها بعض دول آسيا، حين أصبح القضاة هم الذين يديرون الملفات السياسية الحساسة عن طريق “القانون الجنائي”. إن أول جملة قلتها للوكيل العام للملك، عندما وقفت أمامه بعد نهاية فترة الحراسة النظرية هي: يا سيدي أنا لا أطلب شيئا، أنا أطلب فقط، من النيابة العامة أن تبسط يدها على هذا الملف. وللأسف، فقد سايرت النيابة العامة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي اخترعت لي تهمة “الاتجار في البشر”، وسعت جاهدة لإلباسي إياها بكل الطرق حتى وإن كانت تخرق القانون والدستور وشرف مهنة الشرطة القضائية التي تبحث عن الوقائع والجرائم بمهنية واستقلالية، ولا تدخل إلى مكاتب الصحافيين، وتحت “عباءتها” فيديوهات مفبركة، مادتها الأولى من عمل غير مشروع وتجسس غير قانوني، تم ترتيب صورها في إطار جُرمي. الفرقة لم تقف هنا، بل عمدت إلى خرق بنود المسطرة الجنائية في التفتيش دون إذن، وفي الحجز دون قفازات لحفظ البصمات، وفي اعتقالي قبل صدور قرار النيابة العامة. (اعتقلت في 17:05 ولم يصدر قرار وضعي في الحراسة النظرية إلا في 19:30، بحسب المحاضر وليس بادعائي، فأكون قد تعرضت لاعتقال تحكمي لمدة ساعتين و35 دقيقة، ولو كنا أمام قضاء مستقل لأمر بالإفراج عني في أول جلسة لأني معتقل خارج القانون).
كانت وزارة الداخلية في السابق هي التي تقوم بالتحكم في المشهد الإعلامي وفي خطوط تحرير الصحف، اليوم، سوف تُعطى هذه المهمة للنيابة العامة وللقانون الجنائي، والذي لا تهمة له تصنعها له فضيلة النيابة العامة.
سيدي القاضي، إن المحاضر التي أمامكم ورغم قراءتها وتحريفها للوقائع، وتكييفها لجرائم تعلم بعدم وقوعها، فهي نفسها حجة على براءتي. كيف ذلك: يقول في المحضر الذي أمامكم ضابط الشرطة إنه بدأ في تفريغ الأشرطة المحجوزة على الساعة الثامنة من مساء يوم 23 فبراير 2018، وأنه انتهى على الساعة الثامنة صباحا من يوم 24 فبراير، أي إنه استغرق 12 الساعة في هذه العملية. وعندما ترجعون، دائما، حسب محاضر الشرطة، إلى عدد الساعات التي يتضمنها القرص الصلب نجدها تتجاوز 15 الساعة، أي حتى على فرض أن رجل الشرطة القضائية ظل معتكفا على القرص الصلب ولم يأكل ولم يشرب ولم يتحرك من أمام الحاسوب، فإنه لن ينتهي من مشاهدة الأشرطة سوى فية الـ 11 صباحا وليس الثامنة صباحا، هذا دون احتساب الوقت المطلوب للتعرف على الوجوه التي تظهر في الأشرطة. ماذا يعني هذا؟ هذا معناه أن ضابط الشرطة القضائية كان يعرف مسبقا مضمون الأشرطة، ولم يكن يحتاج إلى وقت لتفريغها، ولا للتعرف على الوجوه التي فيها..
كل شيء كان معدا قبل اعتقالي.. تقول لنا النيابة العامة وما أدراكم أن يكون لهذا الضابط مساعدون أعانوه على تفريغ الأشرطة ومشاهدتها، ونحن نقول لها مرحبا، لكن أين أسماؤهم؟ وأين توقيعاتهم في المحضر؟ فقانون المسطرة الجنائية يلزم تحت طائلة البطلان كل عنصر من الشرطة القضائية قام بأي عمل بذكره وذكر اسمه ووضع توقيعه…
يا سيدي القاضي، هذا الملف كله استثنائي. وكله ألغاز. لكن بصفتي المتهم الوحيد في هذا الملف، فأنا أملك أجوبة عن كل الألغاز التي أحاطت بهذا الملف… وهذه قائمتها وأمامها حلها.
- لماذا اعتقالي بواسطة 40 عنصرا من عناصر الشرطة القضائية؟ الجواب ببساطة لأن عدد الصحافيين في المقر مضاف إليهم التقنيين وكل طاقم الجريدة حوالي 40 عنصرا. الشرطة القضائية كانت تتحسب لوجود كل هؤلاء في المقر ساعة مداهمته، وكانت تتخوف أن يكتشف أحد عملية دس الأجهزة والفيديوهات، وحتى تغطي على هذه ذلك، جاءت بـ 40 عنصرا، وإلا فإن اعتقال الإرهابيين لا يكلف كل هذا العدد الضخم من رجال الأمن.
- لماذا جرى إخراجي من مكتبي قبل تفتيشه؟ لأن عناصر الأمن كانوا بحاجة إلى إخراجي من مكتبي وقت المداهمة والذهاب بي بعيدا إلى مكاتب أخرى وإشغالي بأسئلة “تافهة”، لترك الفرصة لآخرين لوضع الأجهزة والفيديوهات في مكتبي والرجوع إلى مواجهتي بها. وكأنها حجزت لديّ. وإلا لكانت عناصر الشرطة فتشت مكتبي وقت دخلته، وتأكدت أنه المكتب المقصود في الشكايات المزعومة.
- لماذا لم يرفعوا البصمات عن الأجهزة المحجوزة، وقد نفيت ملكيتها لي؟ ببساطة لأنهم لو فعلوا ذلك لما وجدوا غير بصماتهم. لهذا تجنبوا رفع البصمات، وإن اقتضى الأمر ذلك، كما ينص القانون.
- لماذا تزامنت ثلاث شكايات ضدي في أسبوع واحد رغم أن لا رابط بين أصحابها ظاهريا؟ لأن التوقيت زاحم مهندس هذا الملف بعد ما علم أن المخطط تسرب إلى علمي، وأن هناك رسالة من مجهول بعثها لي حسن طارق تتحدث عن كل تفاصيل ما جرى حتى قبل أن توضع الشكايات، ولهذا جرى تسريع العملية.
- لماذا لم تستمع الشرطة القضائية إلى مراد معبير، مسؤول المشتريات الإلكترونية ومسؤول المعلوميات في الجريدة، رغم أني ناديت عليه وقت مداهمة مكتبي، وسألته أمام الشرطة عن هوية هذه الأجهزة ونفى ملكيتي لها، وقال: لم أرها من قبل هنا. ببساطة لأن التحقيق كان موجها منذ البداية، وأن الشرطة لم ترغب في الاستماع إلى أي عنصر يمكن أن تفسد شهادته “الطبخة” المعدة سلفا.
- كيف فرغت الشرطة القضائية 15 الساعة من تسجيلات الفيديو في 12 الساعة؟ ببساطة لأنها تعرف ما فيها ولا تحتاج إلى الوقت المنطقي لتفريغها، وهذا هو خطأ “الشاطر”، الذي يزعم مشاهدة فيديو من 3 ساعات في ساعة واحدة، ثم يبدأ في سرد وقائعه!!!
- لماذا لم يواجهوني مع المصرحات والمشتكيات أمام الشرطة القضائية؟ السبب هو الخوف في تراجع النساء اللواتي جرى الضغط عليهن أمامي ووقوفي على تناقضات روايتهن، كما يجري الآن في المحكمة. ولهذا السبب لم أُقدم إلى قاضي التحقيق الذي كان سيجري مواجهات وتحقيقات معمقة قبل أن يقرر المتابعة من عدمها. لقد جرى دفع هذا الملف بسرعة إلى غرفة الجنايات حتى لا تنكشف عيوبه..
- لماذا جرى التنصيص في صك المتابعة على “التلبس”، رغم عدم وجوده (تراجعت النيابة العامة عن كوني اعتقلت في حالة تلبس، وقالت إن الأمر مجرد خطأ في مطبوع المتابعة). لقد جرى نسبة التلبس لي رغم عدم وجوده لتبرير اعتقالي التعسفي. ولكي لا تتاح لي فرصة الدفاع عن نفسي، وأنا متابع في حالة سراح، حوصرت منذ اليوم الأول، وعزلت كليا عن البشر منذ 3 أشهر في جناح انفرادي وتحت مراقبة مشددة. وذلك لمنع صوتي في الوصول إلى المغاربة، وإلى كل مهتم بهذا الملف.
- لماذا لم تعرض علي الفيديوهات قبل عرضها على المصرحات؟ لأنهم يعرفون أنها مفبركة وأنها استعملت فقط لإرهاب ” النساء” مع أشياء أخرى لدفعهن إلى “اتهامي”، بالباطل خوفا على أنفسهن من المتابعة في هذا الملف وفي ملفات أخرى جرى إعدادها لهن على نار هادئة قبل شهور وحتى سنوات…
- لماذا منعت من دخول قطر بطلب من جهات في السلطة؟ لأنهم اعتقدوا أني علمت في دجنبر 2017 بالمخطط، وأني أنوي الفرار حتى لا أعتقل. وهذا لم يكن صحيحا..
- لماذا أقحموا نساء كثيرات، حتى من اللواتي قلن إنهم لا يظهرن في أي فيديو، أو الذين لا أعرفهن أصلا، ولم أرهم إلى الآن؟ لأن مهندس هذا الملف كان يريد إخراجا إعلاميا مدويا لهذا الملف، يبرر إتهامي بالاتجار في البشر الذي تصل عقوبة جريمته إلى 20 سنة. إنه الزمن الإعلامي الذي يسابق الزمن القضائي…
- لماذا نزعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية اختصاص “تكييف الوقائع” من النيابة العامة، صاحبة الاختصاص؟ ببساطة لتغل يدها. فمنذ صباح 24 فبراير وحتى قبل جمع كل عناصر الملف، وقبل الاستماع لكل الأطراف وضعت الشرطة القضائية أمامها نص قانون الاتجار في البشر وبدأت تقتبس مصطلحاته، وتضعها في فم المصرحات والمستجوبات وبعضهن مستواهن التعليمي بسيط، ومع ذلك وجدنا في أقوالهن “الهشاشة”، و”افتقاد الإرادة”، واستعمال السلطة والنفوذ وكأني وزير أو جنرال أو حاكم بأمره.
- لماذا جرى اعتقالي دون وجود أدلة، ودون حالة تلبس؟ لأن الغرض هو سجني. فنعيمة الحروري، التي تدعي الاغتصاب ونسيت يوم هذا الاغتصاب في شهر أكتوبر، لم تقدم لا شهادة طبية، ولا دليلا ماديا ولا شاهدا… في مثل هذه الحالات لا تتسلم النيابة العامة الشكاية من أصحاب هذه الحالات قط، فما بالك باعتقال المشتكى بهم ومداهمة مكاتبهم وتفتيشها دون إذن مكتوب، كما ينص على ذلك القانون.
- لماذا لم أوقع محضر الحجز والتفتيش لدى الشرطة القضائية؟ لأنهم رفضوا أن يضمنوه حقيقة ما جرى، ورفضوا أن يكتبوا ما جرى، ولديّ شهود على ما أقول من حقائق؟
- لماذا تهمة أخلاقية؟ لأن الجهات التي يزعجها عملي الصحافي وآرائي المزعجة حول تدبير الشأن العام تريد بهذه المتابعة أن تقول لي: إذا كنت تكتب عن أخلاق الدولة، فنحن نسائلك عن أخلاق الفرد. وإذا كنت تتحدث عن الفساد في إدارة المال العام، فنحن سنتهمك بالفساد الشخصي. وإذا كنت تدافع عن الفقراء، فسنأتي بعينة من هؤلاء الفقراء وندفعهم لإدانتك… لقد كان لافتا للنظر أن الوكيل العام للملك ومنذ اليوم الأول، الذي عرضت عليه، قام بتسييس الملف من خلال اختيار يوم 8 مارس موعدا لأول جلسة في محاولة لتأليب الجمعيات النسائية ضدي.. دعك عن البلاغات الصحافية، التي نشرتها النيابة العامة، وتكفلت قنوات القطب العمومي ببثها لأوسع شرائح الرأي العام، في خرق واضح لقرينة البراءة..
يا سيدي القاضي، إن محاكمتي الآن، أمام هيأتكم ليست إلا محاكمة “ثانوية” وهامشية. إن المحاكمة الحقيقية هي التي جرت وتجري أمام الرأي العام، وفي الصحافة الصفراء، التي أدانتني قبل أن يصل الملف إلى أيديكم..
- ما هي الرسالة وراء هذه المحاكمة العجيبة؟ الواقع أن هناك أكثر من رسالة. أولاها إلى ما بقي من صحافة حرة في هذه البلاد، ومفادها أن إزالة العقوبات الحبسية في قانون الصحافة لن يغل يد السلطة في إدخال الصحافيين إلى السجن. الرسالة الثانية، إلى “تيار بنكيران” وتقول: إذا كان هذا هو الذي يدافع عن هذا التيار، فها هو الآن مرمي في السجن بتهم مشينة. هذا رغم أني كنت من أكبر من انتقد بنكيران في أسلوب تدبيره. لكن زمن “البلوكاج” كنت أدافع عن المنهجية الديمقراطية وليس عن بنكيران. الرسالة الثالثة، إلى أخنوش وإدريس لشكر أن اطمئنا، فإن يد السلطة طويلة، ويمكنكما أن تعولا عليها (جند أخنوش ولشكر وإلياس العماري حفنة من المحامين وبعثوهم للمحكمة للانتقام مني عما كنت أكتب من آراء نقدية على أدائهم السياسي).
إن أكبر عملية اتجار في البشر هي التي نشهدها في هذه المحاكمة، حيث “سيقت” هؤلاء النسوة إلى هذه “المطحنة”، وجرى تشويه سمعتهن ودفعهن لأن يتحولن إلى نساء، بل إلى حريم فقيرات وهشات وبلا كرامة. وهذا يحز في نفسي كثيرا. لأنهن يعاقبن على جريمة لم يرتكبنها. أنا وحدي من يتحمل مسؤولية الأسباب الحقيقية لتحريك هذا الملف، وهي”الصحافة”، ومواقفها النقدية. عقول المغاربة ليست أكياسا يمكن أن نملأها بأي كلام وأية أحكام. لاحظوا حملة المقاطعة الذكية لثلاث شركات. هذه المقاطعة أكبر دليل على ما كنت أحذر منه من تضارب للمصالح في سلوكيات “مول البومبا”، وأكبر دليل على وجود مخطط للاستحواذ على الدولة في المغرب. لقد تعرض الماثل أمامكم يا سيدي القاضي لمحاولات عدة لمراودته على قلمه بالمال تارة، وبالتخويف تارة أخرى، ولديّ شهود وشهادات على ما أٌقول، وكنت دائما أنصح أصحاب دفاتر الشيكات وأصحاب السلطة والنفوذ أن يحترموا استقلالية الصحافة. وأن يحاوروا الإعلام بعيدا عن العصا والجزرة. أنا لم أكن في يوم ما متطرفا، أنا مؤمن بثوابت البلاد “الملكية- الإسلام – الوحدة الترابية، والخيار الديمقراطي”، لكن أنا مؤمن، كذلك، باستقلالية الإعلام لأن الاستقلالية هي مناط المصداقية والوثوقية.
يبدو أن الاعتدال في المغرب أصبح خطرا كبيرا، لهذا وجب اجتثاثه. عندما أنهى السيد رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية عمله معي سألته: ونحن على أبواب مكتبه هل ضميرك مرتاح الآن؟ فأجاب السيد هشام باعلي: نعم ضميري مرتاح. فقلت له ربما أن ضميرك مخدر وليس مرتاحا، مخدر بفائض السلطة التي بين يديك، وغياب سلطة مضادة أمامك… قال الشاعر: لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها.. ولكن أخلاق الرجال تضيق.