يوجد جدل كبير حول فرضية رصد البحرية الإيرانية للغواصة الأمريكية فلوريدا USS Florida عند مدخل هرمز، لأن مثل هذا الخبر لا يعد عاديا بل يدل على انعكاسات كبيرة أبرزها هل تمتلك طهران التكنولوجيا الكافية “السونار” لإجبار غواصة على الصعود، وهو ما يعني في القاموس العسكري الاستسلام.
ويوم 9 أبريل الجاري، تناولت الصحافة الدولية إرسال البنتاغون لغواصة نووية بصواريخ موجهة إلى منطقة الخليج العربي ضمن قوة الردع ضد إيران ولدعم الأسطول الخامس الأمريكي الذي يتخذ من البحرين مقرًّا له. وكانت جريدة نيويورك تايمز قد فسرت إرسال هذه الغواصة التي تحمل 150 صاروخا من توماهوك ترمي إلى لجم إيران من تنفيذ هجمات ضد سفن تجارية دولية ومنها إسرائيلية أساسا. وتعد هذه الغواصة من الغواصات الأكثر سرية في البحرية الأمريكية منذ دخولها في الخدمة سنة 2006 كغواصة نووية (تصنيعها يعود الى السبعينات وتحويلها الى نووية بدأ سنة 2003)، وقيامها بأول عمل حربي سنة 2011 بضرب مقرات نظام معمر القذافي إبان الربيع العربي في عملية “أوديسا” ب 95 صاروخا من نوع توماهوك وهي التي دمرت الدفاعات الجوية الليبية، مما جعل سلاح الجو البريطاني والفرنسي من فرض منطقة حظر طيران.
غير أن ما جرى تقديمه بإرسال غواصة فلوريدا الى مياه الخليج في إطار الردع العسكري والتفوق العسكري الكاسح بحكم همينة الولايات المتحدة نسبيا على البحار حتى وقت قصير، تحول الى مصدر جدل ذو أبعاد مقلقة. وارتباطا بهذا، أعلن قائد القوات البحرية للجيش الإيراني الادميرال “شهرام ايراني”، الأربعاء من الأسبوع الجاري عن رصد الغواصة النووية الأمريكية فلوريدا عندما كانت تريد عبور مضيق هرمز، قائلا: “هذه الغواصة كانت تقترب من مضيق هرمز في صمت تام وتحت الماء عندما رصدتها الغواصة الإيرانية “فاتح”. وتابع “أجبرت الغواصة الإيرانية هذه الغواصة الأمريكية على الصعود إلى سطح الماء وعبور مضيق هرمز على سطح الماء. كانت هذه الغواصة الأمريكية قريبة إلى حد ما من المياه الإقليمية لإيران وتمر في صمت وسرية، لذلك تم توجيه التحذيرات اللازمة للغواصة ومعها مرافقة غيرت مسارها وواصلت مسارها”.
ويثير هذا الحادث جدلا بين تأكيد إيران ونفي الولايات المتحدة نظرا لرمزيته ودلالته العسكرية. أولا، إجبار البحرية الإيرانية غواصة فلوريدا أن تطفو إلى السطح يعني في القاموس العسكري نوع من الاستسلام. لهذا، عندما ترصد دولة معينة غواصة تنتمي لدولة عدو خلال فترة السلام يتم إجبار الغواصة على أن تطفو إلى السطح ثم تغادر المنطقة. فخلال عملية الطفو تفقد الغواصة أي هامش للمناورة لأنها تكون مكشوفة أمام السفن الحربية وأمام الطائرات المروحية أساسا وكذلك أمام المدفعية ولو كانت قديمة.
ثانيا، هذا الحادث يأتي ليبرز مدى تقدم التكنولوجيا العسكرية الإيرانية سواء في الجو عبر الصواريخ والطائرات المسيرة والآن في مجال البحرية الحربية من خلال فرقاطات وغواصات وآليات الرصد السونار، لاسيما وأن غواصة فلوريدا تعد من الغواصات الشبح التي يصعب رصدها في قاع البحر بسبب آليات التخفي التي تعتمدها وتجعل منها “غواصة شبح”.
وهذا الحادث شبيه بحادث سابق وقع في مياه الخليج العربي سنة 2016 وكان مؤشرا قويا على قوة التقدم التكنولوجي الإيراني (وما تم تأكيده باستعانة روسيا بالدرون الإيراني في الحرب ضد أوكرانيا)، وذلك عندما نجحت طائرة مسيرة إيرانية في التحليق فوق حاملة للطائرات أمريكية “هارو ترومان” وتصويرها، وكان هذا يعني أنها نجحت في تفادي عمليات الرصد بطرف الرادار ولم يتم إسقاطها. ويذكر أن كل حاملة طائرة تكون مرفوقة بغواصة وسفن حربية توفر لها الحراسة، وتدمر كل سفينة تقترب وكل طائرة. وإذا فقد البنتاغون قدرة تخفي الغواصات أمام دولة متوسطة مثل إيران، فهذا يطرح تحديات كبيرة أمام قوى عسكرية من حجم الصين وروسيا.