في ظل أجواء الوحدة التي يعيشها المغاربة لمواجهة الوباء العالمي كورونا فيروس، وفي ظل الحجر الصحي لتجاوز هذه المحنة، أقدمت الدولة المغربية على طرح قانون يرمي الى التحكم في حرية التعبير في شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا يجر كل مواطن إلى تساؤل عريض: لماذا هذا القانون وليس قانون محاربة الإثراء غير المشروع وتهريب الأموال الذي هو أصل كل شرور البلاد؟
ويتضمن القانون بنودا خطيرة للغاية تعتبر استثناء مغربيا في محيطه الاقليمي، حيث يشدد على العقوبات الحبسية التي تبلغ سنوات لمجرد مناهضة منتوج يفترض أنه صنع محليا ومشكوك في جودته، أو المناداة بسحب الأموال من مؤسسة مالية لا تحترم الحد الأدنى في التعامل مع الزبناء، وما أكثرها في المغرب بسبب التسيب المالي بما فيها في الوقت الراهن، حيث يشتكي المغاربة من تصرفات الأبناك المغربية.
ويأتي هذا القانون بنية استباقية لتحقيق هدف واحد ووحيد، وهو الرغبة في التحكم في شبكات التواصل الاجتماعي بعدما تحولت الى البرلمان الحقيقي الذي يناقش فيه الشعب عبر نشطاء سياسيين ومن المجتمع المدني القضايا الحقيقية للبلاد مثل مستقبل التعليم ومحاربة الفساد وتوزيع الثروة وكل ما لا يتم التطرق إليه في البرلمان الرسمي.
في الوقت ذاته، يأتي هذا القانون تحسبا للتطورات المقبلة مثل توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في الانتخابات المقبلة كالدعوة الى مقاطعتها بعدما تحولت الانتخابات الى رمز للفساد المالي والسياسي في البلاد.
ومن المفارقات الكبيرة في هذا القانون أنه يسعى الى معاقبة من يرتكب السب والقذف، بينما تتساهل أطراف في الدولة حتى لا نقول “تشجع” بعض وسائل الاعلام المتخصصة في سب نشطاء المجتمع المدني والسياسي بل وحتى أعضاء من العائلة الملكية، إذ تخصصت هذه الصحافة التي يصطلح عليها ” صحافة الدعارة” في “المعيور المنحط”، وهي في العمق تبرز مدى دناءة وخسة ودعارة الواقفين وراءها ومستواهم الأخلاقي الرديء. ونتساءل هنا: لماذا تعجز الشرطة والقضاء على فتح تحقيق ضد الدعاوي التي ترفع ضد هذه المنابر من طرف المتضررين. الجواب بسيط: وقوف بعض الفاسدين وراء هذه المنابر حتى لا يتحدث أحد عن الفساد الحقيقي في البلاد.
وهكذا بدل تفكير الدولة في كيفية توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في التنمية الحقيقية ومنها التشجيع على حرية التعبير المسؤولة كما تفعل الكثير من الدول ذات الوعي الوطني العميق وتدرك معنى التطور في وسائل التواصل، تقوم بالعكس وترغب في التحكم فيها.
ويبقى المثير، أن الدولة تقوم بهذا في وقت يحتاج فيه الوطن الى قانون محاربة الفساد المالي لوقف تهريب الأموال ووضع حد لنهب ممتلكات الشعب ومحاربة الإغناء السريع. ويمكن فهم لماذا تتجنب أطراف في الدولة إصدار قانون الإغناء غير المشروع بحكم نسبة الفساد المرتفعة وتورط مسؤولين في تهريب الأموال، كما تؤكد تقارير دولية منها ويكليكس وبنما التي لن يمحيها من ذاكرة الشعب أعتى مواد التعقيم ضد كورونا فيروس.
إن الأمم تسمو عندما تمتلك الحس الوطني العميق وتفكر في أساليب التقدم، وأخرى تتأخر عندما يوجد في السلطة أناس بوصلتهم هي بنما ولو على حساب الوطنية الحقيقية وليس وطنية الفوتوشوب التي تروج لها صحافة الرداءة. لنتأمل الخريطة العالمية جيدا، لم تقدم أي دولة على إصدار قانون يمس الحريات خلال الحجر الصحي باستثناء المغرب، با له من استثناء غبي.