لم يشمل العفو الملكي بمناسبة عيد العرش معظم معتقلي الحراك الشعبي في الريف وخاصة الأسماء البارزة فيه، وذلك بسبب عدم الارتياح لمرحلة ما بعد العفو، هذا ما أعرب عنه ومنذ مدة عدد من مسؤولي الدولة العميقة بمفهومها المخزني مثل الجنرال حسني بن سليمان ومستشار الملك فؤاد علي الهمة في لقاءات جمعتهم في الماضي مع بعض أفراد عائلات المعتقلين، حيث تضاربت المواقف.
في هذ الصدد، يعتبر ملف الحراك الشعبي في الريف من النقاط الرئيسية في أجندة الدولة المغربية وخاصة القصر بسبب الوعي بتبعاتها مستقبلا إذا لم يتم المعالجة السليمة على المدى القصير والمتوسط، ويكفي أنه لأول مرة تقبل الدول الأوروبية منح المغاربة بشكل مكثف اللجوء السياسي، ويحضر الملف في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وعليه، علمت جريدة ألف بوست بحدوث لقاءات جمعت بين بعض ممثلي الدولة العميقة وأفراد من عائلات المعتقلين، حيث جاء الطلب من طرف الدولة وجرى التنصيص على سرية هذه اللقاءات. وشدد بعض أفراد عائلات المعتقلين أنهم يعرضون رؤيتهم بدون الادعاء بأنهم يمثلون عائلات ومطالب المعتقلين أو سيتقيدون بوعود معينة بل فقط من باب الاستئناس طالما ترغب الدولة في الاستماع اليهم بشكل مباشر وبدون وسطاء.
وكان اللقاء الأول مع الجنرال حسني بن سليمان عندما كان قائدا للدرك الملكي قبل إعفاءه من المنصب، وجرى اللقاء الثاني مع مستشار الملكي أندري أزولاي، بينما اللقاء الثالث جرى مع مستشار الملك فؤاد علي الهمة. كما جرت لقاءات أخرى مع بعض الشخصيات المقربة من المؤسسة الملكية مثل الناشط الجمعوي عيوش الذي التقى أفراد عائلات معتقلي الريف وانتقل الى لقاء ناصر الزفزافي السجن، وقد تحدثت الصحافة عن اللقاء الأخير.
وتباينت طريقة الحوار في اللقاءات كما تباين مضمون التقارير التي رفعت الى الملك محمد السادس، بين ليونة وتفهم وأخرى بنوع من التشنج والاحتقان والاتهامات ذات الأحكام المسبقة نحو الريفيين. وهذا يبرز مدى تضارب مواقف وسط الدولة في معالجة الريف، إذ هناك رؤية تدعو الى الحوار واحتضان مطالب الريفيين محذرة من الانعكاسات المقلقة مثل ارتفاع نسبة الجمهوريين في أوروبا الذين لا يؤمنون بالملكية أو نسبة الذين بروجون لريف مستقل عن المغرب ولا أحد يعلم كيف ستتطور هذه المطالب في عالم يتغير بشكل سريع لاسيما وأن المغرب يعاني الآن من قضية الصحراء التي لم يدرك منذ البداية في معالجتها وراهن فقط على القوة.
وعلى الطرف الآخر، هناك نظرة أمنية متطرفة تشكك في الريفيين وتؤمن بالإستباقية وهي استعمال القوة في معالجة قضية الريف حتى لا تنفلت الأوضاع من السيطرة وتنتقل الى باقي المغرب، ووقتها سيكون الوضع مختلفا للغاية وستكون الدولة أمام أكبر تحدي لها.
ورغم تضارب مواقف الدولة العميقة تجاه الريف بين ضرورة الليونة وأخرى نحو الصارمة الفائقة المتطرقة، كان السؤال الجوهري الذي تبحث عنه الدولة وهو “لو أفرجنا عن نشطاء الريف ومنهم ناصر الزفزافي: ماذا سيفعلون مستقبلا؟ هل سيعودون الى منازلهم ويكتفون بالبحث عن فرص العمل؟ هل سينخرطون في الأحزاب أو هل سيؤسسون حركة سياسية؟ هل سيعودون الى تزعم الاحتجاجات أو سيغادرون المغرب لتزعم حركة مضادة للنظام الحاكم؟
ويبدو أن إشكالية ماذا سيفعل النشطاء الريفيين في حالة الافراج عنهم هو تكتيك تعتمده الدولة منذ مدة طويلة في معالجة ملفات الاعتقال السياسي الجماعي كما جرى مع معتقلي اليسار، وفي ملفات مختلفة مرتبطة بالعنف وهي الأحداث الإرهابية 16 مايو. ولم يلتزم أفراد عائلات المعتقلين الذين حضورا اللقاء بأي جواب أو تعهد بموقف ما باستثناء أنه “وقع ظلم على أبناءنا ويجب تصحيح الخلل وضرورة الانصاف”.
ولا تجد الدولة جوابا لأن معتقلي الريف يعتبرون أنفسهم ضحايا مرتين، ضحايا السياسة الاجتماعية المجحفة في حقهم والتي بدأت الدولة تعترف بالتقصير، وضحايا الاعتقال التعسفي بسبب رفع أصواتهم ضد الظلم.