البرنامج التلفزيوني «الكاميرا الخفية»، الذي عرف انطلاقته في أميركا خلال الأربعينات، وانتشر بعد ذلك عبر شاشات العالم، هو من أكثر البرامج التلفزيونية نجاحاً وإقبالاً. صحيح أن قيمته الفنية تتنوع من بلد لآخر، ومن ثقافة لأخرى، وذلك حسب مستوى الثقافة الفني وقدرتها على الابتكار، إلا أن مشاهديه عبر مختلف أنحاء المعمورة ما فتئوا يتزايدون وذلك من مختلف الفئات والأعمار. يقوم البرنامج، كما هو معلوم، على نصب «مقلب» تكون ضحيتَه شخصية من الشخصيات المعروفة للكشف عن بعض خباياها وعلى ردود فعلها إزاء مواقف مصطنعة بحيث لا تتبين الخدعة إلا عند نهاية الحلقة. ولا شك في أن ضحية البرنامج ينتابها شعور مزدوج، ففي الوقت الذي تعي فيه أنها كانت موضع خداع، تحس أنها هي، من دون غيرها، التي وقع عليها الاختيار أن تكون ضحية، فتعيش نوعاً من الاحتفاء الموقت بالنجومية.
أما بالنسبة للمتلقي، فإن إشراكه جهة ناصبي الخديعة يجعله يشعر بأنه ليس دوماً محطّ خداع الوسائط الإعلامية، وأن البرنامج يتيح له الفرصة كي يكون طرفاً في خداع غيره.
في إحدى حلقات هذا البرنامج الذي اعتادت القنوات التلفزيونية المغربية أن تقدّمه طيلة رمضان، «اكتشف» المشاهدون المغاربة أنهم هم الضّحايا، وأن الضّحية التي كان من المفترض أن تكون كذلك، متواطئة مع مخرجي البرنامج للإيقاع بالمشاهد وخداعه. تبينَ المشاهدون إذاً، أن «الضحية» تُمثل الخــداع و«تـــلعبه» من أجل خداع فعلي، يكون المشاهد ضحيته.
ما كان مثارَ دهشة ومبعث استغراب هو الهجمة الشرسة التي أبداها نقاد التلفزيون على البرنامج، محاولين نقل استياء المشاهدين واستنكارهم لهذه «الفضيحة». وبطبيعة الحال، فقد انهالوا بالشتائم، لا على صاحب البرنامج أساساً، وإنما على من مَثل الضحية، لكونه تواطأ ضد المشاهد، و «احتقر ذكاءه»، و «استخف بذوقه»، فخدعه في الوقت الذي كان يوهم فيه المشاهد أنه هو مدبِّر الخديعة، أو على الأقل أنه جهة المدبرين لها. لم يستسغ المشاهد إذاً، أن يغدو محط خداع خصوصاً أنه كان يتوهم أنه جهة الخادعين.
مبدئياً، قد لا يبدو هذا الاستياء في محله، فالكل يعلم أن ميدان الصورة والشاشة، هو مجال الخداع والفبركة بلا منازع، إلى الحدّ الذي يجعلنا نقول «إن الأمر مجرد سينما». في هذا المعنى يتحدث سيوران في إحدى شذراته عن ذاك الذي مرّ بممثلين يصوّرون مقطعا سينمائياً فيعيدون المشهد مرة تلو الأخرى فقرر: «بعد هذا الذي رأيت، لن تطأ قدماي أبداً قاعة سينما».
على هذا النحو، تبدو قوة استياء المشاهدين المغاربة أمراً مبالغاً فيه، أو لنقل إنها تظل غير مفهومة. غير أننا، لو استحضرنا في أذهاننا طبيعة هذا البرنامج، وخصوصيته التي تجعل المشاهد ينشدّ إليه، فربما تبينا سبب كل ذلك الاستياء. ذلك أن ما يميّز هذا البرنامج عن غيره، هو أنه يتيح الفرصة للمشاهد أن «يشارك» في نصب الخداع، وأن يتواطأ مع المخرج ضد الضحية. البرنامج إذاً فرصة نادرة للمتلقي، الذي يكون دوماً ضحية خداعات لا تنقطع، لأن يغدو هو كذلك مخادعاً، أو على الأقل جهةَ المخادعين العارفين بحقيقة المقلب.
بناء على ذلك، يتضح أن مصدر استياء المشاهد، ليس احتقار الممثلين لذكائه، أو استخفافهم بذوقه الفنيّ كما قيل، وإنما تأكده هو، أنه مخدوع على الدوام حتى في الوقت الذي يكون فيه خادعاً، وأن لا مفر له من الوقوع ضحية خدعة الوسائط الإعلامية، حتى وإن توهم لبضع دقائق، أنه مدرك لألاعيبها، متواطئ مع مدبريها، وأن الإنسان في مجتمع الفرجة، يكون دوماً «في السينما» حتى وإن كان خارج قاعاتها.