عاد مجددا وبشكل مثير الحديث المفتعل عن احتمال وقوع حرب بين المغرب والجزائر، وتقف بعض مراكز التفكير الاستراتيجي وراءه، من خلال الترويج لهذه الفرضية، مثل حالة تقرير المركز الإسرائيلي «بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية» الصادر نهاية أبريل/نيسان 2024 في هذا الشأن. وإذا كانت هذه الحرب واردة سنة2021، فكل المعطيات الحالية سنة 2024 تستبعد وقوعها، باستثناء ما إذا وقعت حرب روسية – غربية، وقتها سينجر البلدان إلى هذه الحرب من دون إرادتهما.
وهكذا، منذ اندلاع الحرب الأوكرانية – الروسية ثم انفجار حرب التحرير في فلسطين، ضد الاحتلال الإسرائيلي، تدفع الحربان إلى التفكير بإمكانية امتدادهما إلى مناطق أخرى، إذ أن الحرب الأوكرانية – الروسية قد تسبب في مواجهة أشمل بين روسيا والحلف الأطلسي، حيث لا تستبعد الدول الغربية هذه الفرضية، ولهذا تستعد لها بشكل حقيقي، من خلال إعادة التجنيد، وتحديث العتاد العسكري، ورفع التعاون الحربي الجماعي. وتسبب حرب التحرير في فلسطين في حرب إقليمية بسبب الطابع الديني والتحريري لهذه الحرب، لاسيما بعد دخول حزب الله والحوثيين، والدعم الكبير لإيران لهما في مواجهة إسرائيل.
هذا الوضع المتفجر عالميا يشكل الفرصة الذهبية لتجار الحرب، وبعض مراكز التفكير الاستراتيجي للترويج لوقوع حروب أخرى، ويبدأ البحث عن مناطق النزاعات القابلة للانفجار، وتركز بعض مراكز التفكير الاستراتيجي على منطقة شمال افريقيا، ويبدأ الترويج للحرب بين المغرب والجزائر. وعمليا، لا تنقص العناصر والأسباب التي تدعم هذه الفرضية، فالبلدان يعيشان صراعا جيوسياسيا منذ عقود لزعامة المغرب العربي، يغذيه نزاع الصحراء، وكذلك التحالفات التي تنسجها كل دولة، التحالفات مع الغرب في حالة المغرب، والتحالف مع الصين وروسيا في حالة الجزائر. وترغب بعض الأطراف في اندلاع حرب بين المغرب والجزائر، بل تعمل من أجل ذلك سرا، وعلى رأس هذه الأطراف الكيان الصهيوني وبعض دول جنوب أوروبا. وعلاقة بالكيان، ترغب إسرائيل في وجود دول عربية ضعيفة للغاية من المحيط إلى الخليج، رغم التطبيع القائم مع بعض الدول، إذ ترى إسرائيل في كل الدول العربية الإسلامية عدوا، إن لم يكن في الحاضر ففي المستقبل، لأنها لا تعتمد في تقييمها على مدى قبول الدول التطبيع، بل على موقف الرأي العام القادر على قلب الموازين في أي لحظة تاريخية، وهذا الرأي العام في مجمله معادٍ لها ورافض لها وللعلاقات معها. وتنظر دول جنوب أوروبا مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، نظرة قلق كبير لسباق التسلح، الذي يخوضه المغرب والجزائر، إذ جعل الفجوة العسكرية بين غرب ضفتي مضيق جبل طارق تتقلص بشكل كبير، وهذا يحدث لأول مرة خلال الثلاثة قرون الأخيرة. ويترتب عن هذه الظاهرة، تراجع قوة الردع العسكري التي تمتعت بها هذه الدول الأوروبية في مواجهة شمال افريقيا. وعلى ضوء رغبة جنوب أوروبا وإسرائيل في قيام الحرب بين المغرب والجزائر، يمكن فهم صدور تقارير عن مراكز جيوسياسية مثل «مركز بيغين – السادات للدراسات الاستراتيجية» وبعض المراكز الغربية، التي تطرح وتروج لفرضية الحرب بين البلدين، بل تتمنى وقوع هذه الحرب.
قبل الحرب الأوكرانية ـ الروسية، وقبل اندلاع حرب التحرير الفلسطينية، كانت فرضية الحرب واردة للغاية، وكتب صاحب هذا المقال في هذه الصفحة بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2021 مقالا بعنوان «الغرب غير قلق من حرب بين المغرب والجزائر»، وبالفعل، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2022 عن فرضية كبيرة لحدوث الحرب صيف 2021، وكان البديل هو قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. وكان العامل الرئيسي نحو الحرب هو خلل في التقييم والتقدير من طرف كل من المغرب والجزائر. هذه الأخيرة اعتقدت بتفوق المغرب عسكريا، إذا جرى التعاون العسكري مع إسرائيل وأرادت فرض حرب استباقية، وفي المقابل، روّج تيار في المغرب للقوة التي سيكسبها المغرب في حالة التعاون مع إسرائيل، وبدأ يتباهى بها. وتأتي حرب التحرير الفلسطينية «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول لتبرز أنه لولا الدعم العسكري الغربي، خاصة الأمريكي بجسر جوي بما يفوق 300 شحنة عسكرية للكيان، لكان لهذه الحرب مسار آخر. وفي مقال تحليلي آخر في «القدس العربي» بتاريخ 7 ديسمبر 2021، سطّرنا مقالا بعنوان «تراجع فرضية الحرب بين المغرب والجزائر» معتمدين على وعي البلدين، بأن أي حرب بينهما سيعني التفريط في المكتسبات العسكرية والاقتصادية التي حققاها، وفقدان الكثير من السيادة تجاه دول جنوب أوروبا وباقي القوى الكبرى. لكن هناك فرضية أخرى قد تسبب في حرب بين البلدين، وهذه المرة، من دون رغبتيهما، يتعلق الأمر بفرضية تطورات الحرب الأوكرانية – الروسية نحو حرب روسية بدعم صيني ضد الحلف الأطلسي. وتجمع الجزائر اتفاقيات عسكرية ودفاعية مع روسيا، ويجمع المغرب مع الغرب اتفاقيات عسكرية متطورة. ومن عناوين هذا التعاون العسكري، المناورات الروسية – الجزائرية من جهة، ثم المناورات المغربية – الغربية، خاصة الأمريكية من جهة أخرى. ونظرا لموقعهما الجغرافي غرب البحر الأبيض المتوسط، خاصة مضيق جبل طارق الممر الاستراتيجي، ونظرا لما يترتب عن هذه الاتفاقيات من التزامات عسكرية، ففي حالة نشوب الحرب الروسية – الغربية، سينجر البلدان إلى هذه الحرب لدعم هذا الطرف أو ذاك، وهنا سيكون اندلاع الحرب بينهما واردا للغاية، لأن الحرب ستقع كذلك غرب المتوسط.
لقد أصبحت العلاقات بين المغرب والجزائر ضحية مراكز التفكير الاستراتيجي، بعضها يقدم قراءات منطقية وهي قليلة، وبعضها يقدم قراءات الترويج للحرب والتشجيع عليها وهي في الغالب إسرائيلية وغربية، وتخاطب الغيرة الوطنية لدى الرأي العام المغربي والجزائر، ونجحت في تأجيج مشاعر العداوة بين الشعبين. ويبقى المؤسف هو استقبال شريحة من المفكرين والباحثين الأكاديميين والصحافيين في البلدين، لمثل هذه التقارير والترويج لها، من دون حس نقدي. هذا نتاج طبيعي لغياب حرية البحث الأكاديمي ولضعف الدراسات الجيوسياسية في البلدين، والتهجم على الأصوات الإعلامية المتزنة، حتى أصبح كل صوت عاقل يدعو إلى استبعاد الحرب والتركيز على المشترك بين البلدين، وكأنه يروج لخطاب الخيانة.