شهدت إسبانيا تغييرا في الحكومة بإقالة البرلمان لماريانو راخوي السياسي المحافظ رئيسا للحكومة وتعيين بيدرو سانشيس الأمين العام للحزب الاشتراكي بدله، بعد نجاح ملتمس حجب الثقة الجمعة من الأسبوع الماضي. وسيترتب عن هذا تغييرات مهمة داخليا بسبب اختلاف الرؤية بين راخوي وسانشيس، وبدون شك ستمتد تأثيراتها نسبيا إلى ما هو خارجي، ومنها احتمال تأثر العلاقات مع المغرب سلبا، إذا لم يتم احتواء التصدعات الآخذة في التفاقم في صمت، التي جعلت العلاقات تدخل مرحلة البرود. وتكشف تجربة العلاقات بين الطرفين بحدوث توتر بعد كل مرحلة برود.
وحاول رئيس الحكومة الجديد الاشتراكي بيدرو سانشيس تقديم تطمينات إلى الرأي العام الوطني والدولي، بعدم إحداث تغييرات عميقة، من خلال التزامه بالخط العام للدولة الإسبانية في الملفات الرئيسية والشائكة منها بالخصوص. وهناك رهان حقيقي في الداخل على تغليب الوافد الجديد لأجندة اجتماعية، بعدما تدهورت الطبقة الوسطى في إسبانيا، وتغليب الحوار مع إقليم كتالونيا الراغب في الاستقلال، بدل تغليب القضاء كما فعلت الحكومة المحافظة برئاسة راخوي.
وهناك ترقب لنوعية الدبلوماسية التي سيتبناها رئيس الحكومة الجديد، ومنها ملف العلاقات مع المغرب، هذا الأخير الذي يحظى بأولوية، وإن كانت هذه الأولوية تتراجع من سنة إلى أخرى، بسبب تغيير في الأجندة من جهة، وبسبب دخول العلاقات الثنائية في فترة هدوء من جهة أخرى.
وكان المعهد الملكي إلكانو للدراسات الاستراتيجية قد تحدث، في تقرير له صدر الشهر الماضي، عن احتمال وقوع توتر بين المغرب وإسبانيا، ونسب ذلك إلى بعض الأسباب، ومنها تعثر الزيارات على مستوى الملك فيلبي السادس إلى المغرب ثلاث مرات، ووصف ذلك بالمثير للشك، ثم عدم إجراء القمة على مستوى حكومتي البلدين، والمنصوص على عقدها سنويا وفق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار، الأمر الذي لا يحدث خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
ويعتبر رئيس الحكومة الجديد أن سلفه، الذي جرت إقالته بملتمس حجب الثقة الأول من نوعه في التاريخ الديمقراطي للبلاد، الذي بدأ في منتصف السبعينيات مع رحيل الديكتاتور الجنرال فرانسيسكو فرانكو، قد فرّط في الكثير من القضايا الخاصة بالعلاقات الخارجية، ما جعل مواقف إسبانيا غير واضحة وتفقد وزنها في الساحة الدولية ومنها أوروبا. وتاريخيا، تبنى الحزب الاشتراكي في الحكم مواقف معتدلة من المغرب، بل شهدت إبان حقبة رئيس الحكومة الأسبق خوسي لويس رودريغيث سبتيرو تطورا، رغم بعض التوترات بين الحين والآخر، على خلفية سبتة ومليلية، بعدما زار سبتيرو نفسه المدينتين ورخص للملك السابق خوان كارلوس بزيارتهما سنة 2008، لكن في المقابل مال سبتيرو إلى دعم موقف المغرب في نزاع الصحراء الغربية بعد تفهم الحكم الذاتي والدفاع عنه.
لكن هذه المرة الأمر قد يختلف، وهذا الاختلال لا يعني حدوث تغيير جذري. ويوجد سببان رئيسيان وراء التغيير النسبي المحتمل حصوله، ويتجلى الأول في غياب علاقات تجمع بين القياديين الجدد من الحزب الاشتراكي الإسباني مع الدولة المغربية. ويتزعم الحزب الاشتراكي قيادة جديدة لا تعرف الكثير عن المغرب، بسبب ضعف التواصل مع نظيرها المغربي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي الوقت ذاته ضعف تواصلها مع القصر الملكي المغربي. هذا الأخير الذي لم يعد يعطي أهمية للعلاقات السياسية مع قيادات الأحزاب الإسبانية، كما كان يفعل في الماضي إبان الثمانينيات والتسعينيات. وكان الملك الراحل الحسن الثاني، حريصا على استقبال القادة السياسيين الإسبان، خاصة المؤثرين منهم، سواء في الوطن أو في إقليم كتالونيا. ومن ضمن الأمثلة المعروفة، رغم المواقف الراديكالية للحزب الاشتراكي الإسباني في الثمانينيات تحت قيادة فيلبي غونثالث، استطاع الملك الحسن الثاني بناء علاقات ثقة جعلت من غونثالث مخاطبا رئيسيا ليس فقط في اسبانيا، بل في الاتحاد الأوروبي ثم تحول مع مرور الوقت إلى أحد أهم الداعمين للمغرب في الساحة الدولية. ولعب غونثالث دورا مهما في مساعدة المغرب دبلوماسيا في أمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي.
بينما يتجلى السبب الثاني في وصول الحزب الاشتراكي إلى الحكم بفضل أصوات عدد من الأحزاب السياسية ومنها، الأحزاب القومية الكتالانية والباسكية، ثم أساسا الحزب اليساري الراديكالي بوديموس بزعامة بابلو إغلسياس. ولدى هذه الأحزاب أجندة سياسية واجتماعية تتعارض مع بعض مصالح المغرب في ملفات اقتصادية مثل الزراعة، حيث تنادي بالتقليص من صادرات المغرب الزراعية الى السوق الأوروبية، حتى لا تتضرر الصادرات الإسبانية.
وفي ملف آخر يعتبر ترموميتر العلاقات بين مدريد والرباط، تؤيد هذه الأحزاب جبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية. وعليه، ستحاول فرض بعض مطالبها في السياسة الخارجية. وستحاول الحكومة الجديدة برئاسة سانشيس الأخذ بعين الاعتبار هذه المواقف دون تبنيها جملة، وهو الأمر الذي قد يساهم في توتر العلاقات مع المغرب.
في الوقت ذاته، هناك ملفات مشتركة ستكون بدون شك صمام آمان ضد أي انزياح إسباني، ومنها محاربة الهجرة ومحاربة الإرهاب، لكن بدورهما يفقدان وزنهما، رغم التصريحات البروتوكولية بالإشادة. فقد ارتفعت الهجرة الى اسبانيا بشكل لافت خلال السنة الأخيرة، وبدأت أصوات تنتقد المغرب، كما تأثر التعاون في مواجهة الإرهاب بعد تفجيرات برشلونة السنة الماضية، التي تورط فيها مغاربة، وجعل بعض المهتمين بالشأن الأمني في اسبانيا يتساءلون عن جودة التعاون الأمني بين الرباط ومدريد.
وكالعادة، قد تشهد العلاقات مدا وجزا، وهي من مميزات العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا ومن المميزات التي يفرضها الجوار الجغرافي والتاريخ المليء بالمواجهات والأزمات وفترات الحوار كذلك.
كيف ستكون علاقات الرباط ومدريد بعد وصول الاشتراكي سانتيش إلى الحكم
الأمين العام للحزب الاشتراكي بيدرو سانتيش