بدأت كل المؤشرات الطبية الخاصة بالوباء والسياسية الخاصة بنوعية القرارات تشير الى احتمال استمرار جائحة كورونا في إيقاع شبيه بجائحة الأنفلونزا الإسبانية، وبالتالي قد تمتد الى سنة 2022 وربما أكثر الى نقطة ضرورة التعايش مع هذا الفيروس حتى يفقد قوة الفتك بالبشر.
ويعيش العالم في الوقت الراهن الموجة الثانية من جائحة فيروس كورونا بعد الموجة الأولى التي امتدت منذ انتشار الفيروس الى نهاية الصيف. ووفق معطيات مختلف الدول ومنظمة الصحة العالمية، ارتفعت حصيلة المصابين والوفيات بأرقام قياسية تضاعف أسوأ الأيام العصيبة خلال مارس وأبريل الماضيين إبان الموجة الأولى. ومنذ أيام، وحصيلة الإصابات تتجاوز نصف مليون يوميا وسجلت الأربعاء من الأسبوع الجاري 700 ألف إصابة أغلبها في العالم العربي، وتجاوز عدد الوفيات في اليوم نفسه 17 ألف وفاة، في أعلى أرقام مسجلة خاصة الوفيات. ومن باب المقارنة، كان المغاربة يشعرون بالرعب عندما كانت وزارة الصحة تعلن خلال شهر مارس الماضي عن تسجيل ما بين 10 الى 15 إصابة في مجموع البلاد، بينما الآن في الموجة الثانية عندما يتم تسجيل أقل من ألف يعم الارتياح بأن الفيروس تحت السيطرة.
ووفق معطيات جامعة جون هوبكنز، يقترب العالم من مليوني وفاة وسيتجاوز حاجز مائة مليون إصابة في غضون أيام فقط. وبدأت كل المعطيات تشير الى تكرار سيناريو الأنفلونزا الإسبانية بل وقدوم الموجة الثالثة بعد الربيع. وعلى رأس هذه المعطيات أو العوامل التي تجعل سيناريو الأنفلونزا الإسبانية يحضر بقوة هي:
في المقام الأول، كانت الموجة الثانية للأنفلونزا الإسبانية قاتلة للغاية، حيث خلفت أعلى نسبة من الوفيات من الأولى، ويعتقد أن ثلثي الوفيات من أصل 50 مليون المعترف بها بينما دراسات ترفعها الى مائة مليون، كانت خلال الموجة الثانية. وجاءت الموجة الثالثة نهاية 1919 الى 1920، حيث كانت البشرية قد اكتسبت مناعة وغاب الفيروس بسبب هذه المناعة الجماعية وكذلك بفضل الإجراءات الوقائية وليس أي لقاح.
في المقام الثاني، بدأت مختلف الهيئات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية تعترف بصعوبة نهاية الجائحة هذه السنة، قد تتراجع حدتها خلال الشهور المقبلة ولكن لن تنتهي. وتوجد أصوات تنبه الى استمرار هذا الفيروس لمدة طويلة ولكنه سيكون أقل فتكا من المرحلة الثانية بل وتحت السيطرة.
وفي المقام الثالث، معظم دول العالم تعيش حالة استثنائية أو طوارئ لمواجهة الفيروس مثل تقييد حرية التنقل والتجمع وأخرى تقدم على حجر صحي مرن نسبيا. أقدمت الدول الكبرى على الرفع من المساعدات وعلى تخصيص تعويضات عن البطالة للشهور المقبلة. وهذا القرار الأخير مؤشر حقيقي على وعي حكومات هذه الدول باستمرار الجائحة وتأثيراتها على الشعب، وبالتالي تقوم بتجديد هذه البرامج الاجتماعية والاقتصادية من باب الاستباق للحفاظ على الاستقرار في الوطن.
في المقام الرابع، بدأت عدد من التقارير والدراسات الطبية الدولية تشير الى محدودية اللقاح في مواجهة الفيروس، لا يوفر حماية شاملة بل يقلل من نسبة الإصابة ويقوي المناعة حتى لا يعاني المصاب من وضع صحي صعب قد يؤدي الى الوفاة، وبالتالي يضعف انتشار الفيروس وسط المجتمع. وعليه، اللقاح سيؤدي الى تراجع قوة الفيروس سواء على مستوى الإنتشار وقوة الفتك لينتهي مثلما انتهى فيروس الأنفلونزا الإسبانية سنة 1920.
ويصرح لجريدة القدس العربي محمد الشكري دكتور في البيولوجيا الجزئية من بلجيكا وأستاذ الطب في جامعة فاس المغربية “أمام تأخر عملية التلقيح، يبقى الرهان مجددا على الإجراءات التي جرى اتخاذها لمواجهة الأنفلونزا الإسبانية، مستويات عالية من النظافة والتعقيم ثم استعمال الكمامة وإغلاق الفضاءات المتنوعة مثل مثل المدارس والنوادي والمقاهي، وأساسا التحكم في عملية التنقل. لقد انتشرت الأنفلونزا الإسبانية بسبب حركية الجنود في الحرب العالمية الأولى وخاصة الأمريكيين سنة 1918، وتراجعت عندما جرى تقنين عملية التنقل والسفر. والآن، أمام تأخر التلقيح الحل هو الإجراءات الوقائية للتحكم في انتشار الفيروس”.
ومن جانبه، يبرز الدكتور بنيتو ألميرانتي رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى فال إبرون في برشلونة بإسبانيا “يمكن الحديث عن نهاية الجائحة عندما لا تصبح خارج نطاق السيطرة”.