منذ بداية الشهر الجاري، جرى وضع أكثر من 40 شريط فيديو في يوتوب حول تنديد مواطنين مغاربة بالفساد، وهي أشرطة تتعلق بتصوير الرشوة المباشرة أو بالتنديد بالرشاوي، وهذا يبرز كيف تساهم تكنولوجيا وسائل الاتصال والاعلام في التقليل من الفساد في المغرب. ومن مظاهر هذا السلام الجديد، تراجع تاريخي للرشوة في صفوف بعض أفراد الشرطة المنظمين لحركة لاسير.
ووقفت ألف بوست على هذه النسبة من الأشرطة في يوتوب التي وضعت منذ بداية يناير الجاري، ولا تعود بالضرورة كلها الى أحداث رشاوي خلال يناير بل البعض منها قد يعود الى أحداث وقعت منذ شهور خاصة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار بعض الظروف مثل الطقس ونوعية اللباس. والجديد هو الشجاعة لاتي يكتسبها المواطنون بوضع أشرطة كانوا يحتفظون بها بعدما أصبحت شبه موضة.
وهذه الأشرطة نوعان، الأولى وتتعلق بمسؤولين وأغلبهم أمنيين من شرطة المرور أو الجمارك في باب سبتة ومليلية المحتلتين وبعض الإداريين في الجماعات، حيث يظهر بوضوح عملية الرشوة بين الراشي والمرتشي. والصنف الثاني من الأشرطة يتعلق أساسا بشكايات تتحدث عن الفساد والاعتداء ولكن لا تبرز عملية الارتشاء مباشرة.
وتنشر الصحافة الرقمية في المغرب منذ أيام أشرطة لأفراد من الشرطة وكيف يحصلون على الرشاوي. وتلقي اهتماما كبيرا للغاية وسط الرأي العام خاصة منها بعض أفراد الشرطة الذين يطلبون الرشوة بطريقة تثير السخرية والشفقة ومنها حالة السائح الإسباني غوستافو الذي صور شرطيين يطلبان الرشوة عند مدخل طانطان. وتضطر وزارة الداخلية الى فتح تحقيق وتقديم المرتشين للمحاكمة بعد اندلاع الفضائح.
ولا يقتصر أمر التنديد بفساد بعض أفراد الأمن في حركة السير على المغاربة بل حتى على الأجانب، وتبقى الشهادة الحية هي التي جاءت على لسان روبرت بلانت عضو المجموعة الغنائية ليد زبلين الذي كشف في حوار مع مجلة بريطانية خلال يوليوز الماضي أنكوت كيف ارتكب مخالفة سير وأدى غرامة 500 درهم، وأعاد له الشرطيين 300 درهم واحتفظا ب 200.
وعلى ضوء ما حدث، يمكن اعتبار الأسبوع الأخير الأقل رشوة في تاريخ المغرب بشأن شرطة المرور في المدن، وأصبح أفراد الشرطة خاصة المشتبه فيهم بتلقي رشاوي حذرين للغاية ويبتعدون عن السيارة عند إيقاف كل مخالف، بل قام البعض منهم باعتقال مواطنين حاولوا إرشاءهم لتفادي غرامات المخالفة. بينما يختلف الأمر عند الدرك بسبب صعوبة تصوير الرشوة لاسيما عندما يتعلق الأمر بحافلات النقل ومنها تلك القادمة من الشمال بسبب التهريب، ويتفادى الدرك السيارات. ويؤكد شباب من منطقة الريف في الحسيمة والناضور حرص الدرك على مراقبة المنطقة التي يقيمون فيها نقطة المراقبة هل يوجد شاب مغامر يصورهم.
ومن الريف أساسا، انطلقت ظاهرة محاربة الرشوة في صفوف الدرك والشرطة من خلال توظيف الكاميرا، ويعتبر المنعطف الهام بل والتاريخي في هذا الشأن حالة قناص تاركيست، منير أكزناي، عندما وضع أولى أشرطته منذ سنوات في شبكة يوتوب حول فساد رجال الدرك في الريف، ليقف المغاربة وقتها مندهشين إزاء سهولة توظيف التكنولوجيا في محاربة الفساد. ويعتبر قناص تاركيست محوريا في أي دراسة يمكن إجراؤها في المغرب حول تأثير التكنولوجيا في مكافحة الفساد لأنه نقل الأخبار عن الفساد من مجال التجريد الى مجال الواقع.
وكانت التسجيل الذي قام به قناص تاركيست مغامرة حقيقية بمقاييس صيف2007 حيث صور في نواحي ترجيست أفراد الدرك وهم يبتزون السائقين في نقطة للمراقبة، ووضع الأشرطة في يوتوب. واكتشف وقتها المغاربة موقع يوتوب وقوة التواصل. وأصبحت الأشرطة حديث الرأي العام المغربي صيف 2007، لكن الأساسي وهو أن الناس اكتشفت قوة الكاميرا للدفاع عن حقوقها والتنديد بالفساد في مواجهة المرتشين.
وساعد انخفاض الأسعار وتطور كاميرا الهاتف في رهان الكثير من المواطنين وخاصة الشباب على تصوير حالات فساد في مختلف مرافق الحياة العمومية من بلدية ومستشفيات وأفراد شرطة المرور ومحاكم.
ونشرت الجرائد الرقمية الوطنية والمحلية حالات فساد كثيرة في المغرب، فكل أسبوعين أو ثلاث يتحدث المغاربة عن حالة فساد كانت وراءها كاميرا هاتف نقال وتم نشرها في يوتوب.