قمة المغرب اسبانيا: براغماتية محسوبة وسط تربص اليمين

القمة الثنائية المغربية الإسبانية في مدريد

احتضنت العاصمة مدريد القمة الثنائية بين اسبانيا والمغرب على مستوى رئيسي الحكومتين بيدرو سانشيز وعزيز أخنوش يوم 4 ديسمبر 2025، وانتهت بتفاهم حول بعض القضايا أكثر من اتفاقيات استراتيجية. غير أن هذه العلاقات يتربص بها اليمين المحافظ والمتطرف الذي لا يتردد زعمائه في اعتبار المغرب “العدو الاستراتيجي”.

ويعتبر ملف الصحراء المغربية هو مفتاح استقرار العلاقات الثنائية سياسيا على المستوى الحكومي منذ 2022، تاريخ الرسالة الشهيرة التي وجهها بيدرو سانشيز الى ملك المغرب محمد السادس يعترف فيها بأن الحكم الذاتي هو الحل الأمثل لنزاع الصحراء. غير أن هذه القمة لم تسجل موقفا اسبانيا يمكن وصفه بالمنعطف أو الاستراتيجي،  حسبما ما جاء في الفقرة السابعة حول الصحراء من بيان القمة. فإذا كانت فرنسا قد اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية كما فعلت الولايات المتحدة، فحكومة مدريد اقتصرت على الترحيب بالقرار الأممي الصادر يوم 31 أكتوبر الماضي الذي ينص على مفاوضات تنطلق من الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.

ويمكن تفسير موقف حكومة مدريد بعاملين، الأول هو أنها تنخرط في الدينامية الغربية التي تريد حلا لنزاع الصحراء عبر آلية الحكم الذاتي خاصة بعدما وقفت على أن إدارة جو بايدن لم تتراجع عن قرار الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر 2020 بدعم الحكم الذاتي والاعتراف بمغربية الصحراء، والآن هذه الدينامية تعرف تطورا أكثر مع عودة ترامب الى البيت الأبيض بترسيخ الحكم الذاتي. بينما العامل الثاني هو أنها لا تريد الاقدام على خطوة استراتيجية مثل الاعتراف الكامل حتى تبقي على أوراق الضغط مستقبلا بحكم أن العلاقات الثنائية بين مد وجزر.  ولو كانت قد اعترفت عمليا، لكانت قد فوتت مراقبة المجال الجوي  في الصحراء الغربية الى الإدارة المغربية.

ويمكن إضافة عامل آخر، وهو أن الحزب الاشتراكي  الحاكم يأخذ بعين الاعتبار موقف باقي المكونات السياسية، فوزراء حزب سومار المشارك في الائتلاف الحكومي لم يشاركوا في القمة الثنائية، وهذا أمر مقلق، بل يتزعمون معارضة القرار الأممي حول الصحراء. كما أن الحزب الشعبي المحافظ تزعم مبادرة في البرلمان للحصول على ما يعرف “مشروع قانون” ينص على الاستمرار في دعم تقرير المصير ورفض الحكم الذاتي.

وعموما، يبقى الحديث عن مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية مبالغا فيه، فهذه الجملة تتردد من قمة إلى أخرى وأصبحت بروتوكولية لاسيما بعد كل أزمة عويصة وتوترات خطيرة مثلما حدث في جزيرة ثورة خلال يوليوز 2002، وكما حدث في اقتحام المغاربة لسبتة المحتلة في مايو 2021، وبينهما الزيارة التي قام بها ملك اسبانيا خوان كارلوس الى سبتة ومليلية خلال نوفمبر 2007. ويوجد بعض الأمل هذه المرة في استمرار مرحلة التفاهم وذلك بحكم  وجود صمام آمان وهو تنظيم البلدين رفقة البرتغال لمنافسات كأس العالم سنة 2030، وبالتالي يعملان على تهيئة كل شروط الاستقرار لهذا العرس الكروي العالمي.

ولفهم أعمق للعلاقات الثنائية، يجب استحضار جميع الفاعلين أو يجب استحضار تبادل الأدوار بين اليمين واليسار عندما يكون كل واحد منهما في رئاسة الحكومة. في هذا الصدد، لا يرى اليمين، وهو الآن في المعارضة، بعين الارتياح للعلاقات الثنائية بين مدريد والرباط. وهكذا قبل القمة بأيام قليلة، بدأ اليمين يرفع سلاحه ويحذّر مما يعتبره “العدو الأبدي” الذي هو المغرب. وفي هذا الصدد، نستحضر تصريحات مانويل مارغايو وزير الخارجية الأسبق الذي بدوره ردد كثيرا “جملا جميلة”عن استقرار العلاقات عندما كان مسؤولا عن الدبلوماسية الإسبانية. هذا الدبلوماسي لم يتردد في التصريح هذه الأيام قائلا “الخطر الاستراتيجي الأول لإسبانيا هو المغرب”، ويفسر هذا الموقف بما يعتقده خطر المغرب على سبتة ومليلية. ويرفض اعتبار المغرب حليفا بل منافسا.

هذه التصريحات تعكس الموقف الحقيقي لتيار واسع في إسبانيا خاصة على مستوى الدولة العميقة الذي يرى في المغرب منافسا وخطرا على الأمن القومي للبلاد. وبالتالي، يحافظ هذا التيار على موقف العداء، كما يكشف أعضاءه عن موقفهم الحقيقي عندما يغادرون المناصب الحكومية أو العسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية. وبمجرد ما غادر منصبه كرئيس الأركان العسكرية منذ خمس سنوات، بدأ الجنرال فيرناندو ألخاندري بإعطاء حوارات ومحاضرات يعتبر فيها “المغرب الخطر المباشر على الأمن القومي الإسباني بسبب ملفات عديدة ومنها سبتة ومليلية، ولم يتردد في القول بأن إسبانيا تتعرض “لحرب هجينة” من طرف المغرب عبر الهجرة والمخدرات و

وانضاف الى حفل التلميح الى خطورة المغرب على الأمن القومي الإسباني هذه الأيام، تصريحات رئيس الحكومة الأسبق خوسي ماريا أثنار الذي اعتبر الهجرة الإسلامية خطرا على الهوية الغربية ومفضلا الهجرة القادمة من أمريكا اللاتينية. يلمح أثنار الى قلق بدأ يسود في الأوساط الأمنية والسياسية الإسبانية وهو” الى أي حد يمكن التساهل مع الهجرة المغربية كما وكيفا؟ وهي الأطروحة التي لا يخفيها حزب فوكس المتطرف عندما يقول أن الهجرة المغربية ترمي الى التأثير على مستقبل إسبانيا. ونحن هنا أمام نظرية “الاستبدال الكببير” التي يروج لها اليمين المتطرف والآن المحافظ بأن هناك مخطط لتغيير التركيبة السكانية والثقافية والعقائدية للقارة الأوروبية. مثل هذا الهاجس هو الذي يغذي موقف الرأي العام الذي يعتبر المغرب مصدر الخطر، ويكفي أن آخر استطلاع للرأي أنجزه معهد إلكانو شبه رسمي كشف أن 55% يعتبرون المغرب مصدر المغرب بينما 33% يعتبرون روسيا هي الخطر رغم أنها تهدد الأمن القومي الأوروبي.

في كتابي الصادر منذ سنتين “المغرب في الفكر الإسباني” والذي يعالج كيف بلور الفكر السياسي الإسباني مفهومه وتصوره حول المغرب خلال الأربعة قرون الماضية بما فيها مرحلتنا، وجدت أن هناك شيء ثابت وهو اعتبار الإسبان الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، أي المغرب، هو مصدر الخطر الحقيقي للأمن القومي لإسبانيا. وقد يجد هذا التصور مبرراته في أن غالبية الحروب التي وقعت لإسبانيا كانت مع المغرب، كما أن الدولة العميقة ترغب في الإبقاء على شبح عدو خارجي يمكن أن يكون مصدر تبرير الكثير من القرارات في حالة الأزمات الكبرى وطنيا.

Sign In

Reset Your Password