لم يصل البريكس الى منطقة المغرب العربي، هذا عنوان يعكس التجاذبات الجيوسياسية التي عاشتها منطقة شمال إفريقيا طيلة الأسبوعين الأخيرين بعدما كان هناك تساؤل عريض حول قبول كل من المغرب والجزائر في هذا التجمع الصاعد الذي يعلن منافسة مجموعة السبع الكبار وإنهاء هيمنة الغرب. ووسط الجدل، حضرت المنطقة كذلك في قمة البريكس خلال الأسبوع الجاري في جنوب إفريقيا عبر نزاع الصحراء.
وطيلة الأسبوعين الأخيرين، ساد الاعتقاد بتقديم كل من المغرب والجزائر طلب الإنضمام الى البريكس، وكانت الجزائر قد أعربت عن رغبتها في الانضمام في مناسبات عديدة. وكانت المفاجأة ، ذلك أنه قبل خمسة أيام من انعقاد القمة في جنوب إفريقيا، نقلت وسائل إعلام رسمية مغربية عن مصادر دبلوماسية في الرباط نفي الأخيرة لرغبة المغرب الانضمام إلى هذا التجمع. وكان النفي مصحوبا بانتقادات قوية ضد جنوب إفريقيا لاسيما بعدما تبين حضور زعيم البوليساريو إبراهيم غالي بصفته كرئيس الجمهورية المعلنة من طرف واحد.
وجاء النفي ليضع حدا للغموض الذي ساد بل لعملية الترحيب والتصفيق بانضمام المغرب المرتقب. وعلاقة بهذا، انبرت عدد من وسائل الاعلام المغربية وكذلك محللين يفترض أنهم مقربين من دوائر القرار بالترويج للانخراط المقبل للمغرب. وعمليا، يبدي المغرب رغبة كبيرة في تنويع شركائه في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الدولية، وعند كل أزمة مع الاتحاد الأوروبي يلوح بهذا الطرح ومنذ سنوات.
وكان قد أعرب عن رغبته في الانضمام الى إكواس وهي المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وهو الطلب الذي جرى التحفظ عليه من طرف بعض الدول، ومازال المغرب ينتظر. غير أن الانضمام الى البريكس كان مفاجئا لخبراء العلاقات الدولية وساهمت لارباط بصمتها خلال أسبوعين في هذا الغموض، إذ أن انضمام المغرب يتناقض واستمرار ارتباط المغرب بالغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي اقتصاديا حيث أن 65 من اقتصاده مع هذا التجمع وقرابة 75% مع الغرب. وفي الوقت ذاته، يرتبط سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا بالولايات المتحدة. وعلبه، كل رهان على البريكس يعني تعرضه لمضايقات غربية ولو غير معلنة، كما أنه لا يقع في منطقة الشرق الأوسط التي تعرف بدء ميل إلى الصين وروسيا كما يحدث مع الإمارات العربية والسعودية. كما لا يتوفر المغرب على شرط اقتصادي أساسي وهو ضرورة تجاوز الإنتاج القومي الخام 200 مليار دولار، إذ بالكاد يتراوح بين 110 مليار دولار و120 مليار دولار، ويعاني من ديون كبيرة تكاد تصل إلى 90% من الإنتاج القومي الخام. كما جيوسياسيا لا ينخرط في المشاريع السياسية للدول الكبرى المهيمنة في البريكس وهي روسيا والصين.
وتبقى المفاجأة الكبيرة هي إقصاء الجزائر وقبول دول أخرى مثل إثيوبيا ذات الاقتصاد الأضعف من الجزائر. ويشكل رفض البريكس لانضمام الجزائر انتكاسة حقيقية للدبلوماسية الجزائرية، ذلك أن الرئيس عبد المجيد تبون جعل من الانضمام إلى المنظمة الصاعدة شعارا في علاقاته الخارجية، وقام بزيارة كل من بكين وموسكو خلال الثلاثة أشهر الأخيرة بهدف ضمان الانضمام. كما قامت الجزائر بما يشبه تجميد اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي مقابل تعزيز التبادل مع دول البريكس وخاصة الصين. وانخرطت الجزائر في تبني شعارات روسيا والصين في العلاقات الدولية، أي التقليل من هيمنة الغرب.
ومما فاقم شعور الجزائر بخيبة الأمل هي التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في نهاية القمة بقوله أنه تم قبول الدول ذات الأهمية الجيوسياسية وذات الهيبة في العلاقات الدولية، وهذا يعني افتقار هذا الجزائر لهذا الشرط. ورغم هذا، تعلن الجزائر رغبتها في الانضمام مستقبلا، كما أن البريكس يرحب بها مستقبلا. وجاء الرفض المؤقت للجزائر لأسباب متعددة وأبرزها:
في المقام الأول، منذ نهاية شهر ديسمبر، عندما تبين مستوى الإنتاج القومي الخام لسنة 2022 وعدم تجاوزه 200 مليار دولار، كما أنه يعتمد على صادرات الطاقة وليس متنوعا، شعرت الجزائر بصعوبة الإنضمام، وحاولت تعويض هذا النقص بزيارات رئيسها لبعض الدول الأعضاء.
في المقام الثاني، زار الرئيس تبون كل من الصين وروسيا وأجرى مباحثات مع جنوب إفريقيا من أجل الانضمام، إلا أنه قام بتهميش عضوين رئيسيين وهما البرازيل والهند. وتفيد عدد من الأخبار بوقوف الهند وراء رفض الجزائر بعدما اختزل تبون البريكس في بكين وموسكو. ولعل خلل الدبلوماسية الجزائرية وسوء التقييم هو الرهان كثيرا على روسيا اعتقادا منها أنها تمتلك مفاتيح الانضمام الى البريكس.
في المقام الثالث، جرى قبول إثيوبيا التي لا يتجاوز اقتصادها 120 مليار دولار سنويا، ولم يتم قبول الجزائر التي يقترب اقتصادها من 200 مليار دولار خلال السنة الجارية أو ربما سيتجاوزها، وفق التقديرات. وهذا يعود إلى شرط جيوسياسي جرى تبنته الدول الأعضاء ويتجلى في: إثيوبيا قوة بشرية هائلة بأكثر من مائة مليون وهي مقر الاتحاد الإفريقي، وتعتبر دعامة رئيسية في ضمان حرية الملاحة في المحيط الهندي مستقبلا من خلال التنسيق مع دول مثل الصومال وإريتيريا التي تكتري منهما موانئ، ووقعت إثبوبيا السنة الماضية اتفاقا مع روسيا لتطوير البحرية الحربية الإثبوبية للعب دور هام في حماية المنطقة مستقبلا. بينما هذا الشرط غير متوفر لدى الجزائر التي لا تحتضن أي مؤسسة قارية أو إقليمية، عكس مصر باحتضانها الجامعة العربية، والسعودية كمقر ديني بفضل مكة والمدينة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. بينما الإمارات لاعب مالي رئيسي في العلاقات التجارية، وتبقى إيران قوة عسكرية واقتصادية في الخليج، بينما الدولة الأخرى التي تم قبولها الأرجنتين فهي ذات اقتصاد قوي وستعزز من سياسة البريكس في أمريكا اللاتينية.
في غضون ذلك، حضر النزاع الذي يحول دون تحول منطقة المغرب العربي-الأمازيغي إلى اتحاد إقليمي يمنح للمنطقة صوتا في مواجهة التكتلات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الأوروبي والبريكس. ويتعلق الأمر بنزاع الصحراء، حيث كان مرتقبا إشارة البيان الختامي إلى النزاع بحكم الموقف الداعم من جنوب إفريقيا لجبهة البوليساريو، الأمر الذي جعلها توجه دعوة الحضور إلى زعيمها إبراهيم غالي لحضور القمة. ويبرز البيان الختامي هذا النزاع عبر الصيغة التالي: “ضرورة التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول للطرفين لمسألة الصحراء الغربية طبقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة, وتنفيذا لولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)”.
وهكذا، لم يصل قطار البريكس الى المغرب العربي من خلال رفض عضوية الجزائر، ولكن المشكل الكبير في المغرب العربي وهو نزاع الصحراء وصل الى القمة وأروقتها، مما يزيد من التفرقة في شمال إفريقيا ويمزق وحدتها أكثر. منطقيا، ستنضم الجزائر إلى البريكس، وسوف لن يصبح المغرب عضوا في هذا التجمع، وسيزيد البريكس من الحرب الباردة في شمال إفريقيا.