قضية بوعشرين.. أوقفوا المجزرة/ سليمان الريسوني

توفيق بوعشرين مؤسسة أخبار اليوم

ذه المجزرة الحقوقية التي قدم فيها رأس الصحافي، توفيق بوعشرين، قربانا للسلطوية ومشتقاتها في الأحزاب ووسط الأمن والقضاء وفي صحافة ضد الصحافة، أما آن لها أن تتوقف؟

فهناك، اليوم، رجال دولة ذوو مسؤوليات ثقيلة، وقضاة نزهاء، يهمسون بأن بوعشرين تعرض لانتقام كبير، لأنه جمع حوله خصوما في كل المجالات، ولم يفعل ما يقوم به كثير من زملائه الناشرين، الذين أصبحوا مثل العائلات المحمية، كل واحد منهم يشهر «علم» جهة في السلطة، يُبيِّض وجهها تحسبا لليوم الأسود.

حتى الحزب، الذي دافع بوعشرين عن حق حكومته في أن تكون حكومة لا محكومة، لم يُصدر -خوفا وتخاذلا- أي بيان يقول فيه إن اعتقال ومحاكمة وإدانة هذا الصحافي بـ15 سنة سجنا مجزرة حقوقية يجب إيقافها، لأنه لو قال، في بيان حزبي، ما قاله أمينه العام ورئيس شبيبته السابقان (بنكيران والبوقرعي)، فسيُحرج رئيس حكومته، وسيدفعه إلى القيام بأضعف الإيمان، أو أفظع الإيمان، وهو الاعتراف بأنه صمت عن شكاية توصل بها من مكتب الأمير محمد بن سلمان ضد توفيق بوعشرين، وأن جهة ما طلبت منه رميها في الأرشيف، ونسيانها، لأنها ستتكفل بـ«تربيته»، فاستجاب لها، وما هي إلا أسابيع حتى اعتُقل بوعشرين بشكل هوليودي وحوكم بتهم سريالية، فيما العثماني معتصم بصمته.

إن وزراء هذا الحزب، الذين يقولون إنهم يتقربون إلى الله بممارسة السياسة، يبدو أنهم ابتعدوا كثيرا عن لله في هذا الملف وفي ملف الصحافي حميد المهدوي، اللذين لم تنتزع منهما حريتهما فحسب، بل انتزع منهما حتى شرف الاعتقال من أجل الأفكار، فاتهموا بإدخال الدبابات واغتصاب الفتيات… لذلك، لا يتذكر وزراء البيجيدي الله في مثل هذه الملفات إلا حين تحرجهم بها، فيحوقلون، ثم ينظرون خلفهم وإلى جنبيهم، ويقولون لك إن الأمر يتجاوزهم، وكأن هناك أمورا أخرى لا تتجاوزهم.

إن أوفى وزراء البيجيدي للفكرة الإصلاحية، التي على أساسها دخل الحزب إلى السياسة، هم من تصلنا أخبار عن أنهم عبروا عن غضبهم من متابعة الشباب المدونين بقانون الإرهاب، أو انزعجوا من فرنسة التعليم، أو تحفظوا على المادة 9 من قانون المالية، أو ضربوا الطاولة بشأن إفراغ قانون تجريم الإثراء غير المشروع من محتواه، أو غير متفقين مع متابعة توفيق بوعشرين بتهم الاغتصاب والاتجار بالبشر… لكن غضب وانزعاج هذا النوع من الوزراء هو من باب تغيير المنكر بالقلب، إذ سرعان ما ينشرحون ويواصلون أشغالهم كما لو كانوا مجرد أعوان تنفيذ في خدمة السلطوية.

حتى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يفترض أن أحد أدواره هو تذكير الحكومة والقضاء المغربيين بأنهما محكومان بدستور 2011، الذي يؤكد سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، أهمل الرأي الأممي الذي طالب بالإفراج الفوري عن توفيق بوعشرين، وتعويضه، ومحاسبة من تسبب في اعتقاله التعسفي، وعدم تكرار ما جرى..

وخرجت رئيسته، أمينة بوعياش، تردد كلاما سبقتها إليه صحافة التشهير، التي يديرها مسؤولان بارزان في السلطة، حيث قالت إن هناك ضحايا لا يمكن تجاهلهن، دون أن تقول لنا إن كانت تقصد بهؤلاء الضحايا عفاف برناني التي أدينت بستة أشهر حبسا نافذا بعدما تبولت في ملابسها، من الرعب، في ضيافة البوليس، ومع ذلك رفضت أن تتبول على الحقيقة وتتحول إلى شاهدة زور ضد بوعشرين، حتى إن رئيس الحكومة السابق قال، من هول ما رآه من ظلم لحق بها، إنه مستعد لقضاء السجن بدل عفاف.

أم تقصد بوعياش بالضحايا أمل الهواري، التي أدينت بسنة حبسا موقوف التنفيذ، بعدما كتبت على الفايسبوك، عن بوعشرين: «ما اغتصبني.. ما حاول يغتصبني.. ما كانت عندي معاه علاقة جنسية.. ما كانت عندي معاه علاقة غرامية.. ما دفعت شكاية.. معرفت هادشي منين نزل عليا»،

أم تقصد النساء اللواتي جُرجرن، ضد إرادتهن، أمام المحكمة، ومع ذلك نفين تعرضهن لأي اعتداء من لدن بوعشرين، أم تقصد النساء اللواتي غادرن المغرب حتى لا يرغمن على التواطؤ ضد صحافي يعرفن أنه اعتقل بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات،

أم إن بوعياش تقصد النساء اللواتي قبلن لعب دور حريم التجريم، بعدما كن قد نددن باعتقال بوعشرين في البداية، وأقصد السيدة التي جرى تشغيلها، في ديوان وزيرة من حزب أخنوش، لتتفرغ للاتصال بالمنظمات الوطنية والدولية وتقول لها إنها ضحية اغتصاب، قبل أن يفضحها محامو بوعشرين عندما قدموا دلائل على أنها جاءت تطلب منه مبلغا ماليا، بعد مدة من التاريخ الذي ادعت اغتصابها فيه!

أم تقصد المناضلة الفبرايرية التي تحولت –رغم أنفها- إلى مغتصَبة، قبل إحراجها أمام المحكمة بمراسلات (نكت جنسية) أرسلتها إلى بوعشرين بعد مدة طويلة من التاريخ الذي ادعت فيه اغتصابها، مع تذكير السيدة بوعياش بأن هذه المناضلة الفبرايرية نددت باعتقال بوعشرين في البداية، وخرجت بعد إصدار الحكم عليه تندد بالجهة التي وعدتها بشيء، لقاء انضمامها إلى حريم التجريم، لكنها لم تف بالوعد.

أم إن السيدة بوعياش تقصد زوجة توفيق بوعشرين، التي نهشتها صحافة المراحيض، وقالت فيها أشياء لا يمكن أن يقولها مغربي أصيل في امرأة فاضلة، لم تطأ قدماها يوما قاعة المحكمة التي حوكم فيها زوجها، لمجرد أنها أقفلت باب بيتها في وجه من جاء يطلب منها التخلي عن زوجها.

«لقد جرى تضليل الرأي العام في قضية توفيق بوعشرين»، وهذا القول صادر عن عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي اجتمعت بعدد من النساء المستنطقات في هذا الملف، وبقيت مدة طويلة دون أن تبدي موقفا في هذه القضية، إلى أن تبين لها أنها قضية ليست كباقي القضايا، وأن من هندسها، أحرق الأخضر واليابس، وأن النساء ضحايا للجهة التي زجت بهن في هذه المجزرة الحقوقية، وأطلقت صحافتها للتشهير بهن، ولسن ضحايا بوعشرين.

لذلك، نناشد، الآن، كل الضمائر الحية والأيادي البيضاء في الدولة وخارجها أن تتدخل لإيقاف هذه المجزرة، وإنصاف النساء والصحافي توفيق بوعشرين وعائلته.

Sign In

Reset Your Password